6000 ضريح عدد الأضرحة الصوفية فى مصر 1154 العام الميلادي الذى تم فيه بناء مسجد الحسين 100 مليون جنيه الحصيلة السنوية لصناديق النذور 75 ضريحًا و 27 مولدًا تضمها الإسكندرية وحدها «الصوفية».. قد يراها البعض «عقيدة»، بينما يعتبر الصوفيون أنفسهم غير ذى عقيدة، وأن الأمر لا يتعدى كونه منهجا مهمته ترسيخ مبادئ الإحسان فى نفوس العباد، عبر طرق وسبل تكرس العبادة وبذل الجهد فى سبيل تنفيذ ذلك، بجانب طقوس تنقية الروح والقلب من الضغينة. وفى كلتا الحالتين هى دعوة عالمية تزخر أدبياتها بالدعوة إلى المحبة والزهد والمعرفة والولاية، بينما ما يجرى على أرض الواقع يتخطى ذلك، فعلى مر العصور شوهدت الطرق الصوفية تمارس السياسة بكل أشكالها، وامتد الأمر ليصل إلى استخدام السلاح وممارسة العنف دفاعًا عن الأضرحة والأرض كما يقولون. «التلوّن» شعار مشايخ الطرق الصوفية «السيمانية» ساندت الإنجليز وجمعت توقيعات تطالبهم بالبقاء ظهرت بقوة بعد ثورة 23 يوليو لسد فراغ اختفاء الإخوان على مدار العقود السابقة لم تختف الطرق الصوفية بمشايخها من المشهد السياسى، حيث لعبت الكثير من الأدوار السياسية المهمة، وكانت الحكومة المصرية دائمًا وأبدًا تتعمد إدخالهم فى الحياة السياسية، باعتبارها قوة بشرية لا يستهان بها، حيث يوجد فى مصر أكثر من 15 مليون صوفى، وفق أحد التقديرات، وفى موضع آخر بحسب رابطة قوات الصوفية وجمعية أهل البيت، إن نصف سكان مصر من الصوفيين، وهى الأرقام التى لم يتم تأكيدها، فلا توجد إحصاءات دقيقة، ومع ذلك، فإن السبب الرئيسى وراء مثل هذا القول هو أن من يحضرون الجلسات الصوفية فى مصر كثيرون، وتعتبر شعائرهم شبه عامة فى البلاد، وهى تخلق تشويشا حول الصوفى الحقيقى ومن يحضر فقط شعائر. القراءة الأولية لأدبيات الطرق الصوفية، تقول إن الصوفيين أبعد ما يكونون عن العمل السياسى والحزبي، بخلاف ما يحدث على أرض الواقع الذى أثبت عكس ذلك، بحسب ما ظهر عنها منذ بدايات القرن العشرين حيث ثورة 1919، وورد فى العديد من المؤلفات التاريخية أن الصوفية لها دور سياسى فى مصر. فعلى سبيل المثال، لعبت الصوفية دورا فى ثورة 1919، بمساعدة من «محمد إبراهيم الجمل» شيخ «السادة السيمانية»، لجمع توقيعات تطالب الإنجليز بالبقاء فى مصر، بحسب دراسة وذلك بحسب ما أورده الباحث محمد مختار قنديل فى دراسته «المتعبد والسياسي: العلاقة بين المذاهب الصوفية والنظام السياسى فى مصر». ومنذ تأسيس النظام الجمهورى المصرى على يد الضباط الأحرار إثر ثورة يوليو، ظهرت الصوفية على الساحة فى محاولة لملء الفراغ الناجم عن الإجراءات التى اتخذت ضد التنظيمات المتطرفة الأخرى، ففى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ووسط المواجهات بينه و«الإخوان»، صدر قرار بتعيين الشيخ محمد محمود علوان باعتباره شيخ الطرق الصوفية، وكذلك كانت الصوفية ملجأ لأى شخص أراد أن ينكر الاتهام بالانتماء إلى جماعة الإخوان، وفى الوقت نفسه تعبر الصوفية عن وجود الدعم الدينى للنظام فى ذلك الوقت. ولأول مرة فى التاريخ عقب الثورة اعتلت الطرق الصوفية المنابر ودخلت عالم الأضواء الواسع بمساعدة الحكومة، حيث عبرت المشيخة العامة للطرق الصوفية حينها عبر إحدى المطبوعات الرسمية للدولة قائلة: «جاءت الثورة المباركة وجاءت معها روح الإيمان والتوثب وأشرق الوادى الكريم بنور الأمل وانبعث الشعب العريق للجهاد والعمل وأخذت يد الإصلاح تبنى وتشيد وتبعث الطاقات المدخرة وما كان للتصوف الإسلامى أن يتخلف عن موكب الحياة وفجر النهضة». وفى عصر الرئيس الراحل أنور السادات، لم يختلف الحال كثيرا، لجعله الطرق الصوفية خاضعة للقانون رقم (118) لسنة 1976، الذى نظم بشكل أكثر انضباطًا ودقة وضع طرق الصوفية، وخلق نوعًا من التحالف الاستراتيجى بينها وبين النظام، فقد انضم مشايخ صوفيون إلى الجيش المصرى، وسمح لهم بالسعى لإعادة تأهيل الجيش ورفع معنوياته بعد هزيمة 1967، وكان لطريقة المحمدية الشاذلية دور كبير فى هذا الصدد، مما دفع الرئيس السادات لتكريم الشيخ «زكى إبراهيم» زعيم هذه الطريقة ومنحه الجائزة الذهبية للتميز. وكانت الطرق الصوفية تنظر إلى الرئيس السادات خلال الفترة التى حكم فيها، على أنه رئيس عظيم ومتفهم، لأنه كان متعلقا بالصوفية وبمنهجها الروحاني، حيث كان يحضر أغلب الاحتفالات والموالد الصوفية التى كانت تتم فى مسجد الإمام الحسين بمصر القديمة، وإذا لم يحضر كان يوفد مبعوثا رسميا من رئاسة الجمهورية لحضور الاحتفالات بالنيابة عنه، وخلال فترة حكمه تقلد عددا كبيرا من مشايخ الطرق الصوفية الكثير من المناصب القيادية والدبلوماسية. وفى ذلك الوقت لقبت الطرق الصوفية الرئيس الراحل محمد أنور السادات ب«الرئيس الصوفى»، لأنه كان يدعمهم دائمًا وكان يوفر لهم نفقات مالية تصل إلى 30 ألف جنيه إلى جانب طباعة مجلة لهم، واستمرت الطرق الصوفية تمارس دورها السياسى طوال فترة حكم السادات. ومع عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، لم يبتعد الأمر كثيرا، عما كان عليه فى عهد السادات، فيما يتعلق بالتعامل مع الصوفية والاستفادة منها كغطاء دينى للنظام، بخلاف ما وقع خلال عام 2010، أى قبل ثورة 25 يناير ببضعة أشهر، بوقوع اشتباك بين نظام مبارك والصوفيين على خلفية تعيين الشيخ عبدالهادى القصبي، من قبل نظام مبارك، رئيسًا للمجلس الأعلى للطرق الصوفية حيث كان عضوا فى الحزب الوطني، والأمر الذى أثار غضب شيوخ طرق الصوفية واعتبروه تدخلا سافرا وانتهاكا لعادات وتقاليد الصوفية، لكن هذا لم يمنعهم من التصدى للثورة ضد مبارك، فبحسب بيان للشيخ محمد الشهاوى شيخ الطريقة الشهاوية على أساس مبدأ «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»، ومع ذلك لم يستمر هذا الموقف لفترة طويلة، فبعدما ظهرت بوادر نجاح يناير، اتخذت طرق الصوفية خطوة جادة نحو النشاط السياسى المعلن. وفيما بعد ثورة يناير، لم يقف الدور السياسى الذى لعبته الطرق الصوفية على المؤتمرات والندوات السياسية فقط، بل كان لها دور هائل فى الثورات المصرية خاصة فى ثورتى 25 يناير، و30 يونيو، التى أطاحت بمحمد مرسى ونظام جماعة الإخوان بالكامل، ففى أعقاب ثورة 25 يناير، لعبت الطرق الصوفية دورا هائلا، بتشكيلها عددا كبيرا الأحزاب السياسية والائتلافات، أبرزها «ائتلاف شباب الطرق الصوفية»، وشارك هذا الائتلاف فى جميع الانتخابات التى أتت عقب ثورة 25 يناير وحاربت جماعة الإخوان فى فكرها. ففى استحقاق الاستفتاء على الدستور فى مارس 2011 تبنت جميع الطرق الصوفية التصويت ب«لا»، وفى انتخابات مجلس الشعب والشورى انحاز جميع الصوفيين إلى تحالف الكتلة المصرية. وعقب انتهاء ثورة 25 يناير ومجيء نظام جماعة الإخوان «الإرهابية» برئاسة المعزول محمد مرسى، فقامت ثورة عليهم وعلى نظامهم وهى ثورة 30 يونيو، حينها شاركت جميع الطرق الصوفية المتواجدة فى مصر فى تلك الثورة، ودعمتها دعمًا معنويًا كبيرًا، وقامت بالكثير من الندوات والمؤتمرات التى توضح مخاطر جماعة الإخوان الإرهابية. وفى ظل حكم «الإخوان» أبدت الطرق الصوفية العداء بوضوح ضد «الجماعة». وفى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أعلنت الطرق الصوفية دعمها للرئيس عبدالفتاح السيسي.
«العمل المسلح».. الجهاد من أجل أولياء الله الصالحين «النقشبندية» حملت السلاح لحماية أضرحة العراق «الحضرات» أول خلية حاربت الاحتلال السوفيتى فى داغستان أكدت الكثير من النصوص أن جذور الصوفية فى مصر تعود إلى العصر الفاطمي، حيث الأسرة المصرية الفاطمية المنحدرة من سلالة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك أهل بيته الذين يطلق عليهم «عترة النبي» وهم أهل البيت، ومن ثم اهتمت العائلة الفاطمية بتشييد الأضرحة، وأماكن الزيارة لهؤلاء ممن يعرفون ب «الأولياء حماة الدين وأهل التقوى»، وهكذا استمر الأمر حتى العصر العباسى، الذى شهد نموًا وانتشارًا للحركة الصوفية فى مواجهة انتشار التدهور الخلقى والاجتماعى حينذاك، ولمواجهة هذا الانحطاط والفساد، استخدم أرباب الصوفية طرق عبادة تحت مسميات جديدة بما تسمى «الممارسة الروحانية» تشمل عقد حلقات لذكر الله المعروف بالإنشاد الدينى عقب صلاة العشاء. فيما وضعت فى عصر أسرة محمد علي، قوانين للمذاهب الصوفية، عبر إصدار مرسوم، يضع فيه المذاهب الصوفية تحت راية «سلطان شيخ السجدة البكرية» (وهى شجرة عائلة أبوبكر) والتى تعتبر المرة الأولى التى يتم من خلالها تقديم مثل هذه الطرائق إلى السلطة المركزية، ليصل الأمر إلى وجود ما بين 74-77 طريقة صوفية داخل القطر المصرى انبثقت من ستة مذاهب رئيسية، وهى الطرق الدسوقية، والشاذلية، والرفاعية، والبدوية، والعازمية، والقادرية، وتم تنظيم هذه الطرق تحت راية كل من المجلس الأعلى للطرق الصوفية، والرابطة العالمية لجمعية أهل البيت، واتحاد أحفاد النبي. بمرور الوقت نجحت الطرق الصوفية فى إثبات حضورها بقوة على الساحتين الدينية والسياسية خلال الفترة الأخيرة، نظرا لانتشارها وتزايد أتباعها، وتكوينهم تجمعات مغلقة تشبه «الجيتو» فى المجتمع، بحسب دراسة الدكتور عمار على حسن «التنشئة السياسية للطرق الصوفية فى مصر»، التى أشار فيها إلى إشكالية التصوف وعلاقته بالسياسة، حيث لا تقتصر على المستوى المحلى فقط، بل تتجاوزه إلى المستوى العالمي، لنرى الطرق الصوفية فى علاقات مباشرة مع الأنظمة السياسية القائمة، انطلاقًا من ظاهرتين: «تديين السياسة» و«تسييس الدين»، خاصة أن التصوف ظهر فى البداية كحركة سياسية وليس كحركة دينية، مما يجعله وثيق الصلة بالسياسة حتى لو كانت الطرق الصوفية تنفى ذلك، استنادًا إلى أسسها الأربعة القائمة على «الزهد والمحبة والمعرفة والولاية»، بزعم وضع حد فاصل بين الدين والسياسة. وينتهى حسن فى دراسته الميدانية، إلى أن التنظيم الصوفى ينتج قيما سياسية بعضها إيجابى مثل التسامح والتماسك والتعاون والاستمرارية، وبعضها سلبى لا يشجع على نشوء ثقافة الديمقراطية، مثل الخضوع والجمود والإكراه والطاعة العمياء، فيما تعزز كاريزما شيخ الطريقة قيمة التسلط، موضحا أن الممارسة الحياتية فى تلك الطرق تسير فى اتجاه يرفع من شأن القيم السلبية على حساب القيم الإيجابية، خاصة أن تاريخ العلاقة بين المتصوفة والسلطة السياسية، يشير إلى أنهم داهنوا السلطة وخضعوا لها أكثر مما عارضوها أو اتخذوا موقفا حاسما ضد فسادها وطغيانها. المعطيات السابقة، يبدو بشكل ما أن الطرق الصوفية قد تأخذ فى خضم ظروف معينة، مسلك العمل المسلح والعنيف، المضاد تمامًا لمنهج الإحسان وتكريس العبادات الداعمة والمعززة له، وهو ما تطور فى وقت لاحق ليأخذ أبعادًا سياسية، ومن ثم مشاركة سياسية فاعلة ونشطة، ليتم الكشف خلال السنوات الأخيرة عن اتخاذ بعض مكونات الجمع الصوفى منحى العنف واستخدامه علانية، فى مشهد مثير بدخول الطريقة النقشبندية الصوفية - نسبة إلى لقب مؤسسها الشيخ بهاء الدين محمد بن محمد نقشبند - فى تحالف مع تنظيم «داعش» بمدينة الموصل، وظهور ما يسمى «جيش الطريقة النقشبندية فى العراق»، إحدى الجماعات التى تحالفت مع التنظيم فى العراق والشام. واضطرت الطريقة النقشبندية إلى حمل السلاح، رغم أن شيوخها الكبار لا يسمحون بذلك، لكن بعد جدل طويل سمح المشايخ لأتباع الطريقة بالعمل المسلح لحماية الأضرحة وأنفسهم فقط، وفى العموم، تعد الطريقة كغيرها من الطرق الصوفية، لا تؤمن بالعنف وليس لها فى العمل السياسى الحزبى أو العمل العام كطريقة صوفية، ورغم أن التأثير الأكبر للنقشبندية - من ناحية التمركز الجغرافى - هو فى تركيا، فإنها فى الحقيقة طريقة واسعة الانتشار بشكل ربما لا تنافسه فيه طريقة صوفية أخرى فى العالم. وفى جمهورية مثل داغستان، ارتكز جهاد الشعب ضد الروس على حركة سرية كانت تتم فى الزوايا، و«الحضرات» الصوفية. وفى سياق الانتماء الصوفى الذى حلّ محل التنظيمات السياسية أو العسكرية المباشرة، كانت الطريقة النقشبندية الأهم، وهى فجرت فى وجه الروس أول ثورة شعبية مسلحة بقيادة الشيخ شامل لأكثر من ثلاثين عامًا، وواصل هذا الشعب مقاومته حتى استطاع القياصرة حصد معظم شيوخ الطريقة. وبخلاف «النقشبندية» تقول كتب التاريخ إن الحركات الصوفية شكلت مقاومة شرسة ضد الجيوش الأوروبية فى إفريقيا، منها ثورة أولاد سيدى الشيخ والطريقة التيجانية ضد الاستعمار الفرنسى فى المغرب العربي، والطريقة السنوسية ضد القوات الفرنسية فى وسط إفريقيا، ثم مقاومتها للقوات الإيطالية فى ليبيا والطريقة المعينية بقيادة الشيخ ماء العينين مؤسس الطريقة على القوات الفرنسية والإسبانية فى المغرب. ومما سبق يتبين أن الصوفية قد تلجأ إلى حمل السلاح فى بعض الأحيان إذا استلزم الأمر، خلافًا لما تحويه أدبياتهم من استنكار للعنف ورفضه أيًَّا كان مصدره، وبحسب مشروع بحثى لمؤسسة «مؤمنون بلا حدود»، يرى أن العنف فى أدبيَّات الصوفية له مساران مختلفان، أحدهما يمارس على الذات، وثانيهما موجَّه ضدَّ الآخر المختلف دينيًا بالأساس والمستعدى للمسلمين، وقد يتوقف مثل هذا السلوك فى مرحلة ما، يرى الصوفى أنَّه فيها تجاوز عتبة الرياضة والمجاهدة، لنرى حضورا مختلفا للعنف يخرج من بوابة المتخيّل، ففى بعض أدعية الصوفية الموجهة نحو عدو ما تظهر صور كثيرة تبين عن تمثل الصوفى لمصير هذا العدو وأشكال التفوق عليه ودحره أو سحقه، والتخلص من شره، فيكون العنف المتخيّل هنا حاملًا لمعنى العدالة الربانية التى انتصر فيها الله للخاصة من خلقه ممن اصطفاهم وقربهم إليه.