قالت صحيفة "تليجراف" البريطانية إن حالة من الصدمة تسيطر على إقليم كردستان بين المسئولين والجنود والمواطنين في أعقاب انسحاب قوات البشمركة من كركوك، معتبرين ذلك تمزقا لحلم استقلال الإقليم فيما تبادل المعسكران السياسيان الكبيران في كردستان والمسيطران على قوات البشمركة الاتهامات بالخذلان والخيانة. وقالت الصحيفة في تقرير نشرته اليوم الأحد على موقعها الإلكتروني إنه منذ ما لا يزيد عن شهر واحد كان قادة كردستان العراق يبدون شبه واثقين من أن طريقهم إلى الاستقلال مضمون تماما في ظل سيطرة الإقليم الذي يتمتع بالحكم الذاتي على مساحات شاسعة من الأراضي المتنازع عليها والتي كانت تديرها سابقا الحكومة الاتحادية في بغداد، وتشتمل على احتياطيات نفط ضخمة وبنية تحتية كبيرة في مجال الطاقة. وأشارت إلى أن قوات الإقليم المسلحة المعروفة ب"البشمركة" تمتعت بسمعة قوية وتعاونت تعاونا وثيقا مع الولاياتالمتحدة وغيرها من الحلفاء الأقوياء في محاربة تنظيم (داعش) الإرهابي، وكان ما يفكرون به واضحا، حتى أخرجت قوات الحكومة العراقية يوم 16 أكتوبر البشمركة من مدينة كركوك المتنازع عليها وحقول النفط القريبة منها والتي كانت حكومة كردستان تعتمد على عائداتها النفطية لتبقى كردستان مستقلة. ورأت الصحيفة أن الهزيمة جاءت سريعة على نحو صادم ودفعت البشمركة إلى التراجع بشكل غير منظم عن مواقعها في مناطق أخرى كان مسعود برزاني رئيس كردستان قد تعهد بأنها لن تعود إلى سيطرة بغداد، في هزيمة نكراء صدمت الأكراد بكافة مستوياتهم وما زالوا يحاولون استيعابها، حيث لم يكن المجتمع الكردي يتوقع ردة فعل كهذه من الحكومة العراقية. وأشارت إلى أن برزاني، بالرغم من المعارضة الدولية التي واجهها لإجراء إستفتاء الإستقلال من أغلب دول العالم، استمر في هدفه واثقا على ما يبدو من أن نتائج الإستفتاء - التي جاءت بأغلبية مؤيدة للإستقلال - ستؤدي إلى إجراء محادثات ممهدة للانفصال سيكون خلالها لكردستان الربح الأكبر. وتابعت (تليجراف) أن ذلك ظهر الآن أنه سوء تقدير كارثي، وجاء رد الفعل العنيف سريعا حيث انتزعت بغداد جوانب الحكم الذاتي مانعة جميع رحلات الطيران الدولية من الهبوط في الأقليم ومطالبتها بالسيطرة على صادرات النفط. وقالت إن العودة إلى طاولة المفاوضات تبدو الآن الخيار الوحيد المتاح لبرزاني، بالرغم من أنه سيكون في موقف أضعف كثيرا مما كان عليه من قبل. ورأت الصحيفة أن أزمة كركوك لم تولد مشاعر استياء وكراهية ومرارة واسعة بين الحكومتين فحسب بل أيضا بين الأكراد الذين يشعرون بتعرضهم للخيانة من جميع الجهات. وأوضحت أن السيطرة على قوات البشمركة تنقسم بين أكبر فريقين سياسيين في كردستان، وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم بقيادة برزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وكان القسم الذي يسيطر عليه قوات الإتحاد أول من إنسحب من كركوك بعد عقد صفقة بدعم من إيران مع الحكومة العراقية، فيما تراجعت كذلك قوات حزب برزاني لاحقا. وتابعت الصحيفة أنه بالرغم من انسحاب قوات حزب برزاني لاحقا، لم يدخر مسؤلو الحزب وقنواته الإعلامية وقتا في وصف حزب الاتحاد الوطني الكردستاني المنافس "بالخونة". من جانبهم، وجه مسؤلو الاتحاد الوطني الكردستاني واتباعه الاتهامات لحزب برزاني باستغلال النفوذ والأنانية، مع انتقادهم لبرزاني لدفعه الإقليم إلى الإستفتاء بالقوة، حيث يرى البعض أنه خطأ برزاني الذي طالب بدولة في حين أنه يملك جيشا ضعيفا. ويرى الباحث ريناد منصور أحد باحثي مؤسسة (تشاتام هاوس) في لندن أن الأزمة كشفت عن عداوات متأصلة بين الأكراد، وأظهرت عدم وحدة إقليم كردستان لا كدولة تابعة فحسب بل أيضا بالنسبة لولاء البشمركة لأحزاب سياسية وأفراد سياسيين. ورأت الصحيفة أن الأكراد يشعرون الآن بأنهم متفرقون ومعزولون ويشعرون بأنهم خذلوا حتى من أقوى حلفائهم، فالولاياتالمتحدة على سبيل المثال جاء رد فعلها بطيئا تجاه الإستفتاء وأزمة كركوك، حيث وصفت الإشتباكات بين القوات العراقية وقوات البشمركة التي أسفرت عن سقوط 30 قتيلا ب"سوء التفاهم". وعندما أجبرت القوات العراقية البشمركة على الخروج من أطراف كركوك الجمعة الماضية، أصدرت القيادة العامة للقوات الكردية بيانا حرص على أن يبرز أنهم واجهوا أسلحة أمريكية تم إمداد الجيش العراقي بها.