«حكايات الغريب».. أهداها «الغيطاني» للشهيد «الرفاعي» «القعيد» جسد تضحية جيل بأكمله في «الحرب في بر مصر» «السمكة الطائرة».. قصة سورية سجلت البطولات الجوية مع مرور 44 عامًا ولأكثر من أربعة عقود، كانت حرب أكتوبر وتفاصيلها نموذجًا ملهمًا للمبدعين في الكتابة والسينما على حد سواء. تناولها المصريون ممزوجة بالفخر، فيما تجرعها أصحاب النجمة السداسية مليئة بالمرارة؛ لتخرج جعبة كل طرف بما رأته فيما وراء القذائف وتبادل إطلاق الأسلحة المختلفة. كان المصريون يعظمون من أبطالهم، يكتب أدباؤهم الحكايات مما عاشوه وجمعوه، ليصير البعض أسطورة تحيا كلما جاءت الذكرى؛ لكنهم أخطأوا عندما اقتصرت ذاكرة شاشتهم الفضية على المحاولات الأولى. أما من صار يوم «كيبور» لديهم ذكرى سيئة إلى الأبد، فحقًا صنعوا الكثير من الزيف لإقناع الحلفاء بأهمية دعمهم إلى الأبد؛ لكن في الوقت نفسه حاكمت حكاياتهم المسئولين ممن أقنعوهم بترك أوطانهم والعيش في أرض تلفظهم دومًا. تفجرت مع اندلاع حرب أكتوبر، طاقة إبداعية هائلة لدى الأدباء والمبدعين الذين عاصروها، متخلصين من كم ضخم من الإحباط تراكم عبر السنوات الست التي سبقت المعركة الكبرى. هرعوا جميعًا ليسجلوا حكايات عاصروها بأنفسهم، أو جمعوا خيوطها ممن عادوا بابتسامات النصر وحفنة من رمال الأرض التي تم تحريرها. حكايات الغريب من أكثر حكايات الأدب المصري واقعية عن الحرب، ما كتبه الكاتب والروائي الراحل جمال الغيطاني الذي كان يعمل مراسلًا حربيًا أثناء المعركة وقبلها؛ فجاءت مجموعته الأشهر «حكايات الغريب» والتي أهداها إلى الشهيد إبراهيم الرفاعي أحد أبرز قادة القوات الخاصة؛ كما ضمت كتاباته ثلاثة أشكال أدبية، الأولى جاءت واقعية في شكل معلومات صحفية، والثانية على هيئة قصص قصيرة طويلة بعنوان «أجزاء من سيرة عبدالله القلعاوي»، والثالثة رواية طويلة بعنوان «الرفاعي». أخذ الغيطاني قارئه في أحداث الحرب من خلال شخصيات عسكرية ومدنية، ظهر من خلالها كيف اكتشف الكثير من البسطاء ذواتهم خلال المعركة، وكيف ظهرت بداخلهم طاقات لا مثيل لها خلال أحداث الحرب؛ والتي جاءت إحداها من خلال قصة شهيد خاض حروب العدوان الثلاثي والنكسة والاستنزاف حتى استشهاده في حرب أكتوبر. روايه الحرب فى بر مصر وفي روايته «الحرب في بر مصر»، التي حازت على المرتبة الرابعة ضمن أفضل مائة رواية عربية، جسد الروائي يوسف القعيد تضحية جيل بأكمله في حرب أكتوبر، لكنها ظلت ممنوعة في مصر في الفترة بين عامي 1977 وحتى 1985، بسبب محتواها السياسي، لأن القعيد رأى فيها أن الحرب قام بها الفقراء وحولها الأغنياء إلى مشروع استثماري، فطبعت في بيروت وفلسطين وبغداد والسودان والجزائر. تجاوز القعيد في روايته الشق العسكري في ميدان المعركة إلى الآثار الإنسانية شديدة العمق؛ لتغوص حكاية الجندي «مصري» في نفوس الجنود باعتبارهم بشرًا عاديين، في وقت كان الإعلام المصري يتعامل معهم على أنهم أبطال، في الوقت الذي ذهبت فيه العائدات المترتبة على النصر إلى طبقة الأثرياء التي تهرب أبناؤها من التجنيد. كذلك نقل الكثيرون تجاربهم الشخصية في الحرب إلى صفحات الأدب، فنقل الكاتب علاء مصطفى، في روايته «دوي الصمت» ما خاضه كضابط بالجيش من أهوال في الحروب، رافقته منذ يونيو 1967، وعبر حرب الاستنزاف، مرورًا إلى حرب أكتوبر، لتظهر مُعاناته وهو يكتسب تلك المعرفة التى لا تقدر بثمن، فبدا ناقمًا على أهوال الحروب ومآسيها، مازجًا بين التفاصيل الفنية لسير المعارك، وجانبًا آخر مُفعمًا بالمشاعر المتضمنة مآثر الحرب والنضال وقصص الحب العارم التي تدور أحداثها بين دول متفرقة. رواية المرصد للأديب السورى حنا مينا وأظهر السيد نجم في روايته «السمان يهاجر شرقًا» تجربة الحصار، بعدما انتقل جنود كتيبة المشاة وعبروا منطقة نقطة دشمة كبريت الحصينة على الضفة الشرقية للقناة، ليعيش القارئ تفاصيل تلك التجربة غير العادية، والتي امتلأت بالملل والضيق، وحكى كذلك عن رفع درجة الاستعداد مع استدعاء الجنود من الإجازات، حتى بداية المعارك على غير توقع من الجميع. وعلى المستوى العربى تطل على القارئ رواية «المرصد» للأديب السوري حنا مينا، والذي وصف تفصيليًا زحف الجنود لتحرير سيناء، وتحطيم خط بارليف، وكيف سحبت إسرائيل دباباتها ومدرعاتها من الجبهة الجنوبية وزجت بها بالشمال في مواجهة سوريا، التي اجتازت قواتها الأزمة ونالت من الخندق الإسرائيلي بما يشبه المعجزة، فحررت مرصد جبل الشيخ، ووصلت لبحيرة طبريا. ولدى مينا كذلك تجربة من أشهر التجارب الإبداعية عن الحرب مع نجاح العطار، عندما كتب المجموعة القصصية «من يذكر تلك الأيام»، والتي عبرت عن واقع الحرب من خلال قصص تسجيلية لبطولات الجنود، مثل قصة «السمكة الطائرة» التي تصور معارك الطيران السوري من خلال وصف تسجيلي على لسان بطلها الطيار «أ.ح» الذي أسقط 5 طائرات فانتوم معادية و2 من طائرات الميراج، وأصيبت طائرته في معارك مرصد جبل الشيخ.