في ذكرى نصر أكتوبر، اعتاد المصريون أن يتجمعوا لمشاهدة التلفاز وما يعرضه من أفلام روائية أو وثائقية تتناول الحرب، هذه الأفلام بعضها تم نقله عن روايات لأدباء كبار، من بينهم يوسف القعيد في فيلم «المواطن المصرى» والمأخوذ عن رواية له بعنوان «الحرب في بر مصر»، وأغنية على الممر» المأخوذة عن عمل أدبى مسرحى للكاتب على سالم، وفيلم حكايات الغريب والمأخوذ عن رواية لجمال الغيطانى، ولم يشتبك مع الحرب نفسها بل اشتبك مع حالة الجندى النفسية قبل خوض الحرب، لكن الأعمال السينمائية التي قدمت تعتبر قليلة مقارنة بحجم هذا الحدث. ويرى النقاد أن الأعمال الأدبية التي تناولت نصر أكتوبر تكاد تكون محدودة للغاية، وحول هذه نظرة المحدودية هذه تتحاور «البوابة» مع عدد من النقاد والأدباء للتعرف على أبرز عناوين الأعمال الأدبية التي تناولت أكتوبر وأسباب محدودية هذه الأعمال لإعطاء نظرة كافية للقارئ للتعرف على شكل الحرب في عيون الأدباء. في البداية، يتفق الناقد الأدبى سيد الوكيل مع محدودية هذه الأعمال، فالأشهر، حسب وجهة نظره، روايتا الغيطانى والقعيد وعدد غيرهما من بينهم سمير الفيل، ويرجع الوكيل السبب إلى طبيعة الحرب نفسها، إذ يقول إن الوضع الداخلى أثناء اندلاع الحرب ظل متماسكًا جدًا، فلم يشعر المواطنون بأى شىء يشير إلى أن هناك حالة حرب تجرى في سيناء، لذلك لم يتأثر بالحرب سوى من شاركوا فيها أو تواجدوا على الجبهة بحكم عملهم، أمثال القعيد والغيطانى. ويرى «الوكيل» أن الأوضاع الاجتماعية عندما تتغير أو تتأثر بهذه الأحداث تسود حالة جدل يستطيع أن يتأثر بها المبدع، لكن حرب أكتوبر لم يرها أحد سوى من شاركوا فيها والشعب تفاجأ بها، بخلاف أحداث أخرى مثل النكسة وحرب الاستنزاف، مشيرًا إلى أنه سأل الأديب العالمى نجيب محفوظ «لماذا لم تكتب عن الحرب؟».. فكان رده أن جيل حرب أكتوبر هو من ينبغى أن يكتب عنه، كما يذكر الوكيل أن أول قصة كتبها في حياته كانت عن حرب أكتوبر ولم تكن ترصد مشاهد الحرب التي لم يرها ولكنها كانت تتناولها من جانب نفسى، مشيرًا إلى أن من كتبوا عنها كتبوا تأثرًا بحدث ضخم مثل هذا وليس تأثرا بنزعة أدبية تعبيرية. يختلف الروائى يوسف القعيد مع وجهة النظر السابقة إذ يرى أنه لا توجد ندرة في الأعمال الأدبية أو محدودية، ويؤكد أن هذه الأعمال عديدة جدًا لكن الندرة هي في الأفلام السينمائية، مشيرًا إلى أن السينمائيين يجب أن يلتفتوا إلى هذه الأعمال، ويجب أن يحاسبوا على هذا الأمر، مدللا على كلامه بأن هناك كتابًا موجودًا في دار الكتب بعنوان «مائة كتاب عن حرب أكتوبر» صادر من بيروت لمؤلفين لبنانيين يسرد مائة عمل تحدثت عن الحرب ويتعجب من هذا الكم الهائل من الكتابات عن حرب قصيرة المدة الزمنية. وأوضح القعيد أن الإعلام يوجه الناس إلى الالتفات لأعمال معينة وهذا شىء خطأ جدًا فهناك العديد من الأعمال غير «حكايات الغريب والحرب في بر مصر»، وهذا التوجيه ناتج لأنه لا يوجد أحد مستعد للبحث وإعداد دراسات عن ذلك. وأضاف أنه قد قام بالتحكيم في جائزة أدبية عن نصر أكتوبر نظمتها وزارة الدفاع وشاركت فيها نصوص أدبية عالية القيمة والمستوى، كما أن هناك كتبًا كتبت في أقطار عربية مختلفة منها ثلات روايات في غاية الأهمية كتبها روائيون مغاربة مهمون عبروا عنها أدق تعبير. ويستمر القعيد في هجومه على صناع الدراما متهمًا إياهم بأنهم المسئولون عن قلة الأعمال المقدمة عن حرب أكتوبر فهم لا يبحثون عن أي روايات لتقديمها للدراما، وانتقد أصحاب وجهة النظر القائلة بأن أكتوبر اقتصر كتابها على من شاركوا فيها أو ذهبوا إلى الجبهة، موضحًا أن الكتابة عن الحرب ممن الممكن أن تتناول أثر الحرب مستشهدًا برواية أريك ميراك «كل شىء هادئ في الميدان الغربى» والتي تناولت الحرب العالمية الثانية من خلال تأثيرها على نفوس الناس، مشيرًا إلى أن «حكايات الغريب» و«الحرب في بر مصر» لم تتناول الحرب بقدر ما تناولت آثارها على النفوس. بينما يقول الناقد الأدبى حسام عقل إنه على مستوى المجال الشعرى والسردى تعتبر الأعمال التي تناولت نصر أكتوبر محدودة، رغم أن هناك أعمالًا جيدة مثل رواية حنا مينا «من يذكر تلك الأيام» وبعض الأعمال القصصية البسيطة مثل قصة «الممر» وهى أول قصة كتبت عن حرب أكتوبر وكانت للأديب أحمد ماضى، وتتسم الأعمال بقلة الكم وغياب الجودة الفنية. وأشار إلى أن هناك بعض المراسلات كتبت من قبل الجنود اعتبروها أدبا، ولكنها كانت مجرد مراسلات صحفية أو قصص إخبارية، موضحا أن نصر أكتوبر لم يتم التعبيرعنه لا سينمائيا ولا أدبيا. وأرجع «عقل» السبب لأن الأدباء الذين كتبوا، كتبوا بعد انتهاء الحرب مباشرة فغلبت على أعمالهم صفة المباشرة، مضيفا أن السبب الآخر بأن الفرحة بلحظة النصر لم تكن مكتملة بسبب كامب ديفيد. وأكد أن الفنون التي تعبر عن لحظات الانتصار الكبير لم تكن جيدة في العالم كله بسبب أنها تعد أدب مناسبات، وأدب المناسبات دائما ركيك، أحمد عبدالمعطى حجازى وممدوح العدوان كتبا قصائد قليلة جدا لكن إذا نظرنا لعصر عبدالناصر وأوضاع النكسة سنجد أن الكتابات عميقة جدا. بينما يلقى الناقد الكبير شاكر عبدالحميد القضية برمتها على عاتق الأدباء، إذ يشير إلى أن الكتابة عن حرب أكتوبر كانت تحتاج إلى أديب ملحمى وهذا لم يكن متوفرا في مصر، كما يؤكد على ضرورة المعايشة للأحداث وهذا لم يكن موجودا. ويضيف عبدالحميد أن كل ما كتب عن حرب أكتوبر يعد من وجهة نظره قليل جدا وتعد محاولات فردية لا تليق بضخامة الحدث، ويستند إلى سبب رئيسى وهى حالة الجدلية التي تسود عقب الحدث بين الناس وبعضها، مشيرًا إلى أن حرب الاستنزاف امتدت لفترة كبيرة ومليئة بالدراما وأثرت في الناس كثيرًا وكتبت عنها أعمال جيدة لأن طبيعتها هي التي فرضت نفسها، إنما مفاجأة أكتوبر كانت تطلب أديبًا ملحميًا.