في يوم 17 ديسمبر عام 2010 أضرم شابا تونسيا النار في نفسه، أمام مقر ولاية سيدي بوزيد، احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بوزيد، عربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه، وللتنديد برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أراد تقديمها في حق الشرطية فادية حمدي التي صفعته أمام الجميع وهى تقول بالفرنسية (Dégage) أي "ارحل"، فأصبحت هذه الكلمة شعار الثورة للإطاحة بالرئيس التونسي، وكذلك شعار الثورات العربية المتلاحقة. أدى ذلك الحدث البسيط لاندلاع الانتفاضة الشعبية التي دامت قرابة الشهر، وأطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، وعلى غرار ذلك فقد أضرم على الأقل 50 مواطناً عربياً النار في أنفسهم لأسباب اجتماعية متشابهة آملين في الإطاحة بالأنظمة الجاثمة فوق قلوبهم. هذا الشاب الذي اعتبر ملهماً لثورات الربيع العربي هو طارق الطيب محمد البوعزيزي، ولد عام 1984.. والبوعزيزي من جيل الثمانينات الذي ولد أبناؤه ليجدوا الفقر والفساد والاستبداد مستقرة في بلدانه حتى لا يجدو أي ثغرة أمل ينفذون منها. والد البوعزيزي اضطر إلى أن يتغرب كي يطعم أولاده، فاشتغل عاملا في ليبيا وتوفي عندما كان يبلغ محمد من العمر ثلاث سنوات. واضطر محمد أن يعمل منذ العاشرة من عمره، وبعدها ترك المدرسة حتى يستطيع العمل لساعات أطول، وتذكر عدة مصادر أنه يحمل شهادة جامعية، ولكن أخته سامية قالت إنه لم ينه دراسته الثانوية ولكن كان هذا مراده وكان يشجع أخواته على إكمال دراستهن، وتقول والدة محمد إنه حاول التقدم للجيش ولكنه لم يوفق وتقدّم لعدة وظائف أخرى دون أن يوفق بها أيضا. كان محمد يعيل عائلته ويقبض حوالي 140 دولارا شهرياً أغلبها من بيع الخضار والفاكهة في شوارع سيدي بوزيد. وفي يوم 17 ديسمبر 2010 اعترضت عناصر من الشرطة عربة الفاكهة التي كان يجرها محمد البوعزيزي في الأزقة محاولا شق طريقه إلى سوق الفاكهة وحاولوا مصادرة بضاعته، فاستنجد عم البوعزيزي بمأمور الشرطة وطلب مساعدته، واستجاب المأمور وطلب من الشرطية فادية حمدي التي استوقفت البوعزيزي برفقة شرطيين آخرين أن تدعه وشأنه، الشرطية استجابت ولكنها استشاطت غضبا لاتصال عم البوعزيزي بالمأمور. ذهبت الشرطية فادية حمدي إلى السوق مرة أخرى في وقت لاحق، وبدأت مصادرة بضاعة البوعزيزي ووضعت أول سلة فاكهة في سيارتها وعندما شرعت في حمل السلة الثانية اعترضها البوعزيزي، فدفعته وضربته بهراوتها، ثم حاولت الشرطية أن تأخذ ميزان البوعزيزي، وحاول مرة أخرى منعها، عندها دفعته هي ورفيقاها فأوقعوه أرضًا وأخذوا الميزان، بعد ذلك قامت الشرطية بتوجيه صفعة للبوعزيزي على وجهه أمام حوالي 50 شاهدا. عندها عزّت على البوعزيزي نفسه وانفجر يبكي من شدة الخجل، وبحسب الباعة وباقي الشهود الذين كانوا في موقع الحدث، صاح البوعزيزي بالشرطية قائلا: "لماذا تفعلين هذا بي؟ أنا إنسان بسيط، لا أريد سوى أن أعمل". حاول الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي احتواء الموقف فزار البوعزيزي في المستشفى لكنه توفي متأثراً بحروقه 4 يناير 2011 مخلفاً وراءه ذكرى لا تمحى من تاريخ البشرية وهي الثورة.