فيما تتردد كثيرا هذه الأيام مصطلحات مثل الحرب النفسية وحرب الرموز التي تتعرض لها مصر فإن هذه الحرب في جوهرها هي حرب "التكيف مع الأكاذيب" التي ترمي لتهوين دور مصر ومكانتها وتترصد خطى تقدمها وجهود نموها. وإذا كان رئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوي قد أكد على أن مصر تواجه "حربا نفسية" فإن ثمة حاجة ثقافية لتحليل هذه الظاهرة والتعرف على بنيوية مقوماتها وعلاقاتها وآلية حركاتها ومتغيراتها حتى يمكن التعامل معها على النحو الذي يدرء شرورها. وهذه الحرب "الجديدة / القديمة" تتلاعب برموز واسماء ومسميات لها قدسيتها واحترامها الجليل في الضمير الجمعي للمصريين مثل "بيت المقدس" أو "رابعة العدوية" وهي لاتتورع عن توظيف التراث بصورة مشوهة وتوليد معان جديدة لهذه الرموز بما يتوافق مع أهدافها المعادية للكتلة الغالبة من المصريين. والأمر قد يعيد للأذهان على نحو ما حرص كثير من الأنظمة الشمولية في المنظومة الشيوعية السابقة والتي غابت فيها الديمقراطية على تضمين كلمة "الديمقراطية" في مسمياتها وكأنها تشعر بعقدة نقص فادحة وتحاول تعويضها برمزية الاسم دون أن تفلح في تغطية الأثم!. ومن العلامة التي خرجت أصلا من لدن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان لتسمى ظلما وعدوانا باسم "علامة رابعة" إلى "جماعة بيت المقدس" التكفيرية التي تسفك الدم الطاهر وتشن هجمات غادرة مستهدفة جند مصر تتبدى طبيعة حرب الرموز والسعي الحثيث لتزوير الدلالات والتلاعب للتأثير على اللاوعي. ووفقا لما أعلن رسميا فقد تمكنت عناصر خاصة من الجيش الثاني الميداني من إلقاء القبض على المدعو عبد الرحمن سلامة سالم ابو عيطة وشهرته رحمي "والذي يعد من اخطر العناصر التكفيرية بشمال سيناء وينتمي إلى جماعة انصار بيت المقدس". وفي تصريحات لجريدة الأهرام قال خالد الزعفراني الذي وصفته الصحيفة "بأحد مؤسسي الجماعة الاسلامية" إن "جماعة الاخوان في طريقها للانهيار وأن ماتقوم به من مظاهرات بالجامعات خاصة جامعة الأزهر وتحالفها مع الجماعات التكقيرية والارهابية كما في سيناء سيعجل بتفكك وانهيار الاخوان". وأضاف الزعفراني انه في حالة استمرار الاخوان في ممارساتهم العنيفة وتحالفاتهم مع الجماعات الارهابية والتكفيرية وتنظيم القاعدة فسيؤدي ذلك الى "انتكاسة كبرى لحركات الاسلام السياسي بجميع تنظيماته بل الى زوالها نهائيا من المجتمع المصري كما انتهت فرق الخوارج من المجتمع الاسلامي قديما بعدما لفظهم بسبب الجرائم التي ارتكبوها". ورأى أن أعمال العنف والمظاهرات لجماعة الاخوان تأتي في اطار "استراتيجية الأرض المحروقة" متهما هذه الجماعة وانصارها "بالسعي لنشر حالة الصراع والفوضى في المجتمع المصري". وكان رئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوي اعتبر أن مصر تواجه "حربا نفسية" وقال أمس الأول "الخميس" إن حكومته "مستعدة لمواجهة جميع مخططات جماعة الاخوان وتعمل على اجهاضها" فيما أكد على أن "الدولة في غاية القوة وقادرة على مواجهة أي شيء لكنها تستخدم هذه القوة بحكمة". وجاءت تصريحات الببلاوي على خلفية تصاعد أعمال العنف في عدة جامعات فيما عقد المجلس الأعلى للجامعات اجتماعا لبحث تداعيات الأزمة وآثارها على العملية التعليمية "في ضوء تعنت طلاب الاخوان لتعطيل الدراسة". وكما لاحظ معلقون فإن المظاهرات وأعمال العنف الحالية في الجامعات لتحقيق مكاسب سياسية لجماعة بعينها ابعد ماتكون عن المظاهرات الطلابية التي بقت في الذاكرة الوطنية المصرية حيث كانت هذه المظاهرات تنطلق من أهداف وطنية مثل الدعوة للاستقلال ورحيل المستعمر أو التعجيل بحرب تحرير سيناء من دنس الاحتلال فيما ضمت كل ألوان الطيف السياسي المصري والجماعة الوطنية. فهي مظاهرات عبرت عن الضمير الوطني المصري في لحظات مفصلية واستحقت الخلود في أعمال إبداعية مثل قصيدة "الكعكة الحجرية" للشاعر الراحل أمل دنقل وكانت بريئة مما يحدث في المظاهرات التي ينظمها أنصار جماعة الاخوان بالجامعات من تخريب وعنف وتجاوزات مشينة وقطع للطرق وترويع للآمنين ناهيك عن إهانة رموز جامعية. ولعل مغالطات حرب الرموز تتجلى في هذه المظاهرات التي يحاول منظموها الايحاء بأنها امتداد للتراث الاحتجاجي الوطني لطلاب مصر في حين أنها أبعد ماتكون في الواقع والجوهر عن هذا التراث النبيل والمضيء بقدر ماتعبر عن "اشكالية ثقافية" لدى هذه الجماعة التي باتت تنتهج أسلوب "الاستعارات الخاطئة" و"القياس المضلل" وتكفي المقرنة على الصعيد الرمزي بين مظاهرات تحت علم مصر ومن أجل رفع علم مصر على سيناء وبين مظاهرات لم تتورع عن حرق علم مصر!. فالجماعة المأزومة تحاول أن تتخطى أزمتها بالاستعارات الخاطئة وأن تفرض على الواقع مالاينتمي لتاريخه الحق حتى بات من الحق وصف ممارساتها بأنه "لاتاريخية" حيث "التفكير المتعسف والخارج على السياق لفرض تصور جاهز على واقع لايمكنه قبول هذا التصور". وإذا كان تكرار الأصل ممجوج فإن الجماعة فشلت حتى في هذا التكرار لأنها تعمد لاستعارات خاطئة من الماضي كما هو الحال في محاولتها استعارة مظاهرات الحركة الوطنية الطلابية المصرية في سنوات خلت ولحظات كانت تتطلب هذه المظاهرات تعبيرا عن الضمير الوطني واشهارا لرفض الهزيمة والتصميم على خوض حرب التحرير واستعادة الأرض المحتلة وكانت "مظاهرات للدفاع عن مصر لاحرق مصر". ويبدو واضحا للمراقب للمشهد المصري أن الحرب النفسية بما تشمله من "حرب الرموز" تتصاعد كلما تحقق تقدم ما على طريق تنفيذ خريطة الطريق مثل الانتهاء من صياغة مشروع الدستور والاستعداد للاستفتاء الشعبي عليه. وحول مايتردد من أنباء حول اعتزام بعض عناصر جماعة الاخوان تشكيل "حكومة منفى" قال الدكتور اسامة الغزالي حرب أنها "آخر التصرفات البائسة واليائسة للاخوان"، معتبرا أن "الأمر عبث لايرقى ابدا الى جدية اللحظة التي نعيشها". وأوضح :"المفارقة هنا أن حكومة المنفى تعبير يطلق في الأغلب على تلك الحكومة التي تتمتع بالشرعية في بلد وقع تحت الاحتلال الأجنبي ولاتتمكن من ممارسة مهامها على أرض بلادها فتلجأ للاقامة في الخارج مؤقتا مثلما حدث بعد الاحتلال النازي لبلدان أوروبية عديدة". وأكد اسامة الغزالي حرب على أن "هذا الوضع يختلف بداهة عن الاخوان الذين تم لفظهم ونزع شرعيتهم بواسطة ثورة 30 يونيو وماأعقبها من توافق القوى الوطنية والثورية كلها على خارطة المستقبل التي انجزت اولى مهامها بوضع مشروع الدستور الجديد تمهيدا للاستفتاء العام عليه". وفيما لاتخفى رمزية ودلالات مصطلح "حكومة المنفى" في سياق الحرب النفسية وحرب الرموز فإن التنظير الثقافي يصل إلى استحالة الفصل بين الرموز والواقع اليومي للانسان في كل مكان وزمان فيما تتطلب العلاقة بين الواقع والرموز تأملات عميقة في سياق دراسات سوسيولوجية على مستوى اي مجتمع وخصوصيته الثقافية ومخيلته الجمعية. وإذا كان الحديث عن حرب الرموز فليعلم هؤلاء الذين يشنون حربهم الجديدة/القديمة على مصر أن "المصري يشبه طائر الفينيق الذي ينبعث دوما من رماد الموت لآفاق الحياة المتجددة". وليعلم الذين اختاروا اسم "بيت المقدس" لجماعتهم التكفيرية التي بغت في الأرض وسفكت الدماء الطاهرة ان القدس باقية وستبقى في اعز مكان ومكانة بعقل مصر وقلبها. الرموز المزورة لن تنجح في تزييف شكل الوطن والعلامة الصفراء لن تموه التراب المقدس أو تغتال الطريق وتحيل مصر قبرا وزخات عذاب وجوع وحبات دموع!. ستنتصر الحقيقة. ستنتصر مصر رغم شراسة حرب الرموز وكثافة الحرب النفسية.