كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن نظام "الأبارتيد" - نظام التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا إبان حكم الأقلية البيضاء - كان يمثل الشريان الرئيسي للصناعة الأمنية الإسرائيلية، فلقد كان جيش الحكومات البيضاء يتمتع بميزانية طائلة، وكانت القوى الدولية تفرض عليه العقوبات، ورفضت توريد أسلحة متطورة له، أما إسرائيل التي "عانت من عزلة دولية خطيرة، وكانت في حاجة ماسّة إلى السيولة النقدية"، لم تكن لديها قيود وثوابت كهذه. وجدير بالذكر، أن إسرائيل لم تتعرّض - منذ إعلان إقامتها - إلى عزلة دولية، بل كانت توصف بأنها دولة "مدلّلة" لدعم أمريكا المطلق لها، وأما عن دعوات المقاطعة العربية لإسرائيل فلم تكن مؤثرة. وأوضح الكاتب "آلوف بن"، أن التعاون بين النظام العنصري في جنوب إفريقيا، وإسرائيل، قد بلغ ذروته مع نهاية ثمانينيات القرن الماضي، حيث أمدّته إسرائيل بالتكنولوجيات المتطورة التي أعدتها الصناعات الأمنية، وكانت اتصالات كبار مسؤولي وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي، وطيدة مع نظرائهم الجنوب إفريقيين، وعلى رأسهم وزير الدفاع "ماجنوس مالان"، ورئيس الأركان "كونستند بيليون"، وجميع مسؤولي الصناعات الأمنية الرسمية، وفي صيف 1988 وقعت الصفقة الأكبر، والتي بلغت قيمتها 1.7 مليار دولار، وكان هذا المبلغ آنذاك غير مسبوق، حيث باعت إسرائيل لجنوب إفريقيا نحو 60 طائرة من طراز "كافير"، كانت قد خرجت من الخدمة في سلاح الجو الإسرائيلي، حيث أضيفت إليها تحسينات جذرية، ثم دخلت في خدمة سلاح الجو الجنوب إفريقي تحت اسم "تشيتا سي"، ورأى المجتمع الدولي آنذاك، أن جنوب إفريقيا تطوّر من صناعاتها الجوية، وعرضت جنوب إفريقيا من جهتها استعدادها لتصدير هذا الطراز من الطائرات - والذي أسمته "أطلس" - وظل الدور الإسرائيلي سرّاً، رغم بعض التفاصيل التي تسربت للإعلام الدولي والتي نشرت هنا وهناك. لقد ساعدت تلك الصفقة إسرائيل على التخلص من الأزمة الكبيرة التي تعرّض لها قطاع الصناعات الجوية، بعد إلغاء مشروع الطائرة القتالية "لافي" في صيف 1987، حيث تحول مصنع الطائرات العسكرية "لاهف" الخاص بها، من إنتاج الطائرات الجديدة إلى تحسين الطائرات المتقادمة، وكانت للصناعات الإسرائيلية سلسلة منتجات تم تطويرها من أجل الطائرة "لافي"، ومع إلغاء الطلب المرتقب من الجيش الإسرائيلي، اتجه الجهد نحو التصدير، فقد اشترت الصين التكنولوجيات الإسرائيلية لطائرة قتالية طورتها باسم "جي 10"، التي سميت "لافي الصينية"، أما الجنوب إفريقيين فقد حبّذوا شراء طائرات "كافير" وإدخال أجهزة "لافي" عليها، وأوضح الكاتب الإسرائيلي أن الطائرة "كافير" كانت تحاكي "ميراج" الفرنسية، بمحرك أمريكي، ولذلك رفضت الإدارة الأمريكية تصديرها بمحركها الأمريكي، وبسبب تسريب تفاصيل حول هذه الصفقة فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات على حكومة "الأبارتيد" في 1987، وأعلنت إسرائيل انضمامها ضمن الدول المطبّقة للعقوبات، مع احترامها لعقود بيع السلاح القائمة، وأتمّت إسرائيل الصفقة باعتبارها ضمن الصفقات القديمة الملتزمة بها، وبعد أسابيع من تلك الصفقة، أطلقت الصناعات الجوية القمر الصناعي الأول في سلسلة أقمار التجسس "أوفيك"، وتم هذا المشروع بتمويل جنوب إفريقيا، حيث كان المشروع على شفا الإغلاق بسبب الميزانية. من جهته، قال الكاتب "عامير أورين"، إن الوثائق الجنوب إفريقية المعروضة للجميع في معهد "ويلسون" في العاصمة الأمريكيةواشنطن، توثّق جوانب مختلفة من علاقات الحكومات، فذكر اليورانيوم في جنوب إفريقيا يأتي بالتوازي مع إقامة المفاعل النووي الإسرائيلي في "ديمونا"، ونقل المعلومات والتكنولوجيا من إسرائيل إلى البرنامج النووي في جنوب إفريقيا، والذي تم تجميده وتفكيك قنابله النووية الستة على يد "دي كلارك"، في مطلع تسعينيات القرن الماضي، كما كشفت الوثائق الجنوب إفريقية عن صواريخ "أرض– أرض" ذات مدى متوسط، والمعروفة باسم "ياريحو" - أو بلقبه الجنوب إفريقي "شيله" - حيث كشف تقرير الجنرال "جليسون" عن مهمّته في إسرائيل في فبراير 1979، حيث جاءت تفاصيل الصاروخ، فمداه بين 185 و510 كيلومترات، وحجمه: قطره 0.8 متر، طوله 13 متراً ووزنه 7 أطنان إضافة إلى شحنته الناجعة التي تصل إلى 980 كيلوجراماً، وخطأ الدوائر المتوقعة في أقصى مدى 200 متر والسرعة القصوى 5.7 ماخ.