أربعة حوائط تحمي من البرد والمطر، وتحفظ ماء الوجوه من التطفل على أحد، شقيقًا كان أو جارًا، حجرة صغيرة تحمي أسرة كاملة من النوم في بئر سلم أحد المنازل، ومن مجابهة مخاطر النوم تحت "كوبري".. هذا كل ما يحلم به المشردون من أبناء المنوفية، والذين ضاقوا بالشكوى وجفت حناجرهم من النداءات المتكررة، لإنقاذهم وأبنائهم من هذا الواقع المُهين لأي آدمية.. "أخيرًا حد عبرنا".. كانت أول عبارة استقبل بها المعتصمون كاميرا "البوابة نيوز"، تقدم نحونا عم خليل عبد المجيد عمر، رجل تجاوز الخمسين من العمر، يسير على عكاز من الخشب يلفه من أعلى بقطع من القماش والبلاستيك، أشيب الشعر أسمر البشرة، يحارب من أجل الحصول على شقة من المحافظة منذ عهد المخلوع مبارك، الذي لم يحصل منه سوى على معاش تضامن لا يزيد على 300 جنيه شهريا، بعد أن أصابه العجز بنسبة 70%، فلم يعد يستطع العمل. ورغم أن عم خليل يعيش هو وأبناؤه الستة في الشارع، لم يغضب لعدم امتلاكه شقة بالمحافظة، بقدر ما غضب أكثر لعلمه بحصول أصحاب الأملاك والعمارات على الشقق في القرعة، وكأنه لم تقم ثورة ووراءها ثورة، معلنًا أنه سيدخل في اعتصام مفتوح وإضراب عن الطعام حتى يتسلم شقته أو يموت علي بابها. عندما سألت عم خليل عن دليله في أن من حصل على الشقق لديهم أملاك، أظهر لي أحد المتظاهرين، ويدعى حسني حنفي محمود، وقال بصوت مرتفع شاهرا عقد إيجاره، الذي وقعه مع مالك يدعى حسن فتحي محمد حسن، قائلا "هذا أحد من حصلوا على شقق المحافظة رغم أنه يملك عمارة أسكن فيها ب300 جنيه في الشهر"، موضحًا أن صاحب العقار طرده في الشارع عندما علم أنه يعتصم أمام منازل المحافظة اعتراضا على حصوله على شقة، ولم يكن صاحب العقار هو الوحيد الذي حصل على شقة من المحافظة وفقا لتأكيدات المعتصمين، فقد أكد حسني حنفي محمود أحد المعتصمين، أن جاره مدير بنك وحصل على شقة وحتى تاجر الملابس في شارعه حصل على شقة، مشيرًا إلى أنه بتليفون واحد من محافظ القليوبية، تم ضم 49 شخصًا كانوا مستبعدين من القرعة. وقال حسني: إن سكرتير مجلس المدينة هدده عندما اشتكى، موضحا أنه يعيش في خيمة يفرشها أمام مجلس المدينة بعد موعد انصراف الموظفين مع زوجته وأبنائه الأربعة، ولا يجد حلا لمشكلته سوى أن يبني غرفة أمام المجلس حتى يتسلم شقة. أما المعاقون المقدمون لقرعة إسكان المحافظة، فكانوا يجلسون في جانب بعيد، لأن إعاقتهم لم تمكنهم من الوقوف وسط المعتصمين، ويقولون عن مأساتهم: نحن أكثر المستحقين، لأننا معاقون ولدينا عجز كامل، ورغم ذلك حصل أصحاب الأملاك على شقق ليقوموا بتأجيرها، وأكد أحدهم أنه كان يعيش في شقة إيجار جديد، وانتهى العقد وأصبح هو وأسرته في الشارع مثل الكثيرين من المعتصمين، مضيفا أن عدد المعاقين ليس كبيرًا، فهم 25 معاقًا فقط، ولا يجب أن يدخلوا في قرعة، ورغم ذلك فإن المحافظة تصر على نسبة 5% للمعاقين. من جانبه.. أكد المهندس نور فرج، عضو لجنة سحب القرعة كشاهد عيان، كمَّ المخالفات التي حدثت يوم القرعة، واجتمع مع المعتصمين في دار مناسبات أحد المساجد، وأكد لهم عدم وجود أحد من المسئولين على منصة سحب أسامي الأشخاص الفائزين، وأنه لم يحضر سوى رئيس اللجنة ولمدة خمسة دقائق فقط. وأشار فرج إلى حادثة وضع 49 اسمًا داخل الصناديق، رغم أنهم كانوا مستبعدين، مؤكدًا أن هذا الإجراء المخالف للقانون حدث بعد اتصال هاتفي من المحافظ شخصيا، بالإضافة إلى أن الحادث الذي أثار الناس أكثر، كان سحب 244 ورقة من الصندوق، رغم أن القرعة على 254 شقة كما هو مقرر لغير المعاقين، الأمر الذي يؤكد أن هناك 10 شقق مجهولة المصير، لافتًا إلى أنه رغم هياج الناس، فإنه لم يأتِ أحدٌ من مجلس المدينة. في حين يؤكد المهندس محمد طنطاوي، سكرتير عام المحافظة، أن ثمن الاستمارات التي بيعت للمتقدمين لطلب وحدة سكنية، بلغت ألف جنيه، تسترد في حالة عدم نزول اسم المتقدم في كشف القرعة، فهي مجرد ثمن تأكيد جدية الطلب، مشيرًا إلى أن هذه الأموال لا تدخل في وديعة أو أي حساب بنكي، يمكن أن يخرج من ورائه أي فوائد، إنما توضع في حساب دائرة، وهذا الحساب ليس له فوائد، ففي حالة مطالبة أحد المواطنين لاسترداد نقوده يستردها على الفور. كما نفى طنطاوي ما ذكر في إحدى الجرائد القومية، عن أن مجلس مدينة القليوبية أعلن عن فوز 480 مستحقًا من بين 500 وحدة سكنية، مبينًا أن عدد الوحدات السكنية محددة ب267 وحدة، يخصم منها 13 وحدة، وهي بنسبة 5% ومخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، وعددهم 25 معاقًا، مشيرًا إلى أن وزارة الأوقاف هي الجهة التي قامت بالتنفيذ، وأن دور المحافظة ومجلس المدينة مقتصر على بحث الحالات وتوزيع الوحدات التي أكدت عليها وزارة الأوقاف على المستحقين من أهالي القليوبية. وقال طنطاوي إن الأمر المباشر الذي أصدره المهندس محمد عبد الظاهر محافظ القليوبية بتليفون لوضع 49 اسمًا داخل صندوق القرعة، ليس به أي تجاوز، لأن البحوث الاجتماعية التي أجريت عليهم من وزارة الشئون الاجتماعية تؤكد أحقيتهم في القرعة، ولكن مقدم ضدهم طعون من المتقدمين الآخرين، ودور المحافظة هو مراجعة القراءات التي قامت بها الشئون الاجتماعية لتحدد من المستحق من غير المستحق، وفي النهاية لن يتسلم أي شخص يمتلك أي ممتلكات حتى إذا كان ذكر اسمه في القرعة. وأكد طنطاوي أن المحافظ أمر بتشكيل لجنة لإعادة بحث ودراسة ملفات المواطنين المتقدمين للقرعة، للتأكد من استحقاقهم من عدمه، مشيرًا إلى أنه لحين البت في هذا الأمر تقرر وقف تسليم الشقق للفائزين، مضيفًا أن المحافظة أرسلت رسالة إلى وزارة الأوقاف تناشدها تخصيص الدور الأول والثاني من كل منشأة اقتصادية إلى الوحدات السكنية المخصصة للقرعة، فهي وحدها المسئولة عن إقرار ذلك، إلا أنه استبعد أن تتخذ المحافظة أي إجراءات عقابية على خطأ لجنة البحث الاجتماعي، قائلا إن رئيس المدينة عرض مذكرة على المحافظ بخصوص ما شاب أعمال اللجنة من مخالفة.