تفرغ طوال حياته للكتابة عن البلد الذي عشق ترابه.. كتب أشعارًا تبقى دروسًا ونماذج لمختلف الأجيال.. تغنى بوطنيته.. قال ما يُمليه عليه ضميره فقط.. رفض نفاق الحاكم والسلطة.. رفض إغراء الإعلام وعيون الكاميرات.. فضّل فقط الجلوس على المقهى المُفضل لديه.. يكتب بأسلوبه المعروف.. لغته ولهجته العامية التي يعشقها القاصي والداني.. ثم في غفلة قاطع الجميع.. وذهب في رحلة أبدية إلى جوار الرحمن. إنه "عمنا" أحمد فؤاد نجم، الذي توفي صباح اليوم الثلاثاء عن عمر يناهز 84 عامًا، تاركًا إرثًا كبيرًا من أشعاره للأجيال المصرية والعربية، تتغنى بها وتتذكرها دائمًا.. وتنسج معها خيوط أجمل الذكريات. ظل أحمد فؤاد نجم، مهمومًا بمصر ومشاكلها، بأزماتها ومعاناتها، بأصدقائها وأعدائها، بأنظمتها وحكامها.. ظل يكتب عنها يجسد كل تفاصيل أبنائها.. كتب "نجم" قائلًا: عشان انت مصري فلازم تعاني وتفقد كرامتك بكل المعاني وتحرق فى دمك سنين مش ثواني واوعى تصدق كلام الأغاني بتاع الحضارة وكاني وماني ده كله هجايص ما يدخل وداني *** عشان انت مصرى العذاب بيناديك بتبدأ ف يومك حاجات بترازيك في نومك في قومك تعكنن عليك تضايقك ولسه العماص فى عينيك مافيش ميه تشطف صابونة فى إيديك وجسمك ملزق وريحتك عاديك فتلبس وتنزل وفيك اللى فيك *** ورايح لشغلك هتحتاج مواصله آدي المترو واقف وكهربته فاصله وفى الميكروباص خناقة وحاصله اوتوبيس فرامله عايزالها وصله وتوك توك ده تايه ومحتاج لبوصله *** بتوصل لشغلك بدم اتحرق فى زحمه وكتمه وحر وعرق رئيسك سايبلك كومه ورق ده غير دمغه ضايعه وملف اتسرق وفى كام مواطن عاملك قلق بيشكى تقول له روح اندعق وعركه وهوجه وشاى اندلق ومخك خلاص من الصداع اتفلق *** هترجع لبيتك ده لو كان فى بيت هتوصل هتندم ياريتك ماجيت مراتك بتصرخ خلاص استويت عيالك بتطلب وهات كيت وكيت تزعق تهاتي ياناس اتهريت ولا حد سامعك مهمن هاتيت *** عشان انت مصرى وده للأسف فلازم تآسى تعيش تتقرف وكل الاساسى فى حياتك ترف فتنسى الكرامة وتنسى الشرف وتسرق وتنصب او تنحرف ودمعك بيجرى وجرحك نزف وجاء ضمن أروع ما كتب الراحل، فؤاد نجم: اصحى يا مصر اصحى يا مصر اصحى يا مصر هزى هلالك هاتى النصر كونى يا مصر وعيشي يا مصر مدي إديكى وطولى العصر اصحي وكوني وعيشي يا مصر اصحى يا عامل مصر يا مجدع وافهم دورك ف الوردية مهما بتتعب مهما بتصنع تعبك رايح للحراميه جهدك عملك رزق عيالك عرقك مرقك ولا يهنا لك اصحى يا عامل غير حالك صون المصنع واصنع مصر اصحى وكونى وعيشي يا مصر وتغني "نجم" بأسلوبه المتميز، وكتب عن مصر والعرب.. العروبة والقومية، قائلًا: يا عرب.. يا عرب.. يا عرب في أي مصر يا عرب.. يا عرب.. اسمعوا صوت شعب مصر احفظوا لمصر المكان.. واحنا عالعهد اللي كان مصر أوفى م الزمان وانتو عارفين شعب مصر يا عرب يا عرب يا أهل مصر اللي خانوا العهد بينا.. واستباحوا كل حاجة و استهانوا بالعروبة.. واستكانوا للخواجة مستحيل حيكونوا منا.. نحنا حاجة وهما حاجة هما باعوا الجلابية.. والوطن والبندقية واحنا أصحاب القضية.. احنا ما بنبيعش مصر يا عرب يا عرب يا أهل مصر نبذة عن الراحل: ولد أحمد فؤاد نجم في قرية «كفر أبو نجم» بمدينة أبو حماد بمحافظة الشرقية، ويعتبر أحد أهم شعراء العامية في مصر، واسم بارز في مجال الشعر العربي، سُجن عدة مرات بسبب مواقفه من الحكومات المتعاقبة، ودخل في خلافات سياسية مع كبار المسئولين في مصر. عُين موظفًا بمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية الإفريقية، وأصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية وأقام في غرفة على سطح أحد البيوت في حي بولاق الدكرور، وبعد سنوات اختارته المجموعة العربية لصندوق مكافحة الفقر التابع للأم المتحدة سفيرًا للفقراء، وفي عام 2007 ارتبط اسمه بالشيخ إمام، الذي تعرف عليه في حارة «خوش قدم» وسكنا معًا وأصبحا ثنائيًا معروفًا، إلى أن تحولت «الحارة» إلى ملتقى المثقفين. أدت وفاة والده إلى انتقاله إلى بيت خاله حسين بالزقازيق، حيث التحق بملجأ أيتام 1936 - والذي قابل فيه عبدالحليم حافظ، ليخرج منه عام 1945 وعمره 17 سنة بعد ذلك عاد لقريته للعمل راعي للبهائم ثم انتقل للقاهرة عند شقيقه إلا أنه طرده بعد ذلك ليعود إلى قريته. عمل "نجم" في معسكرات الجيش الإنجليزي متنقلا بين مهن كثيرة منها لاعب كرة.. بائع..عامل انشاءات وبناء.. ترزي. وفي فايد وهي إحدى مدن القنال التي كان يحتلها الإنجليز التقى بعمال المطابع الشيوعيين.. وكان في ذلك الحين قد علم نفسه القراءة والكتابة وبدأت معاناته الطويلة تكتسب معنى، واشترك مع الآلاف في المظاهرات التي اجتاحت مصر سنة 1946 وتشكلت أثناءها اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال. يقول "نجم": كانت أهم قراءاتي في ذلك التاريخ هي رواية الأم ل"مكسيم غوركي"، وهي مرتبطة في ذهني ببداية وعيي الحقيقي والعلمي بحقائق هذا العالم، والأسباب الموضوعية لقسوته ومرارته، ولم أكن قد كتبت شعرًا حقيقيًا حتى ذلك الحين وإنما كانت أغاني عاطفية تدور في إطار الهجر والبعد ومشكلات الحب الإذاعية التي لم تنته حتى الآن.. وكنت في ذلك الحين أحب ابنة عمتي وأتمناها، لكن الوضع الطبقي حال دون اتمام الزواج لأنهم أغنياء. وخرج الشاعر مع 90000 عامل مصري من المعسكرات الإنجليزية بعد أن قاطعوا العمل فيها على إثر إلغاء المعاهدة، وكان يعمل بائعًا حينئذ، فعرض عليه قائد المعسكر أن يبقى وإلا فلن يحصل على بضائعه، ولكنه تركها وذهب. وفي الفترة ما بين 51 إلى56 اشتغل شاعرنا عاملًا في السكك الحديدية، وبعد معركة السويس قررت الحكومة المصرية أن تستولي على القاعدة البريطانية الموجودة في منطقة القنال وعلى كل ممتلكات الجيش هناك، وكانت ورش وابورات الزقازيق تقوم في ذلك الحين بالدور الأساسي لأن وابورات الإسماعيليةوالسويس وبورسعيد ضربت جميعًا في العدوان، "وبدأنا عملية نقل المعدات، وشهدت في هذه الفترة أكبر عملية نهب وخطف شهدتها أو سمعت عنها في حياتي كلها، أخذ الضباط والمديرون ينقلون المعدات وقطع الغيار إلى بيوتهم.. وفقدت أعصابي وسجلت احتجاجي أكثر من مرة.. وفي النهاية نقلت إلى وزارة الشئون الاجتماعية بعد أن تعلمت درسًا كبيرًا، أن القضية الوطنية لا تنفصل عن القضية الاجتماعية، كنت مقهورًا وأرى القهر من حولي أشكالًا ونماذج.. كان هؤلاء الكبار منهمكين في نهب الورش، بينما يموت الفقراء كل يوم، دفاعًا عن مصر...". وفي وزارة الشئون الاجتماعية عملت طوافًا أوزع البريد على العزب والكفور والقرى وكنت أعيد في هذه المرحلة اكتشاف الواقع بعد أن تعمقت رؤيتي وتجربتي، شعرت حينئذ رغم أنني فلاح وعملت بالفأس لمدة 8 سنوات أن حجم القهر الواقع على الفلاحين هائل وغير محتمل، كنت أجد في الواقع المصري مرادفات حرفية لما تعلمته نظريًا، كان التناقض الطبقي بشعًا. تزوج "نجم"، عدة مرات، أولها من فاطمة منصور، وأنجب منها عفاف، وأشهرها زواجه من الفنانة عزة بلبع والكاتبة صافيناز كاظم وأنجب منها نوارة نجم التي تعمل في المجال الصحفي، وممثلة المسرح الجزائرية الأولى صونيا ميكيو، والآن متزوج من السيدة أميمة عبدالوهاب وأنجب منها زينب، ولدى نجم 3 أحفاد من عفاف: مصطفى وصفاء وأمنية. من أهم أشعار أحمد فؤاد نجم كتابته عن جيفارا، رمز الثورة في القرن العشرين، وحصل الشاعر على المركز الأول في استفتاء وكالة أنباء الشعر العربي.