واشنطن تعلن التصدي لصاروخ حوثي يستهدف على الأرجح سفينة ترفع العلم الأمريكي    أمريكا تضغط على إسرائيل على خلفية مزاعم بشأن قبور جماعية في مستشفيين بقطاع غزة    إيران وروسيا توقعان مذكرة تفاهم أمنية    بعثة الزمالك تسافر إلى غانا اليوم على متن طائرة خاصة استعدادًا لمباراة دريمز    فرج عامر يكشف كواليس «قرصة ودن» لاعبي سموحة قبل مباراة البلدية    عاجل.. أسطورة ليفربول ينتقد صلاح ويفجر مفاجأة حول مستقبله    بعد إعلان الرئيس السيسي عنها.. ماذا تعرف عن البطولة العربية العسكرية للفروسية؟    «أتربة عالقة ورياح».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم وتكشف أماكن سقوط الأمطار    اخماد حريق هائل داخل مخزن أجهزة كهربائية بالمنيا دون إصابات بشرية (صور)    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بالصاغة    صندوق التنمية الحضرية يعلن بيع 27 محلا تجاريا في مزاد علني    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    تحظى ب«احترام غير مبرر».. اتهام مباشر لواشنطن بالتغاضي عن انتهاكات إسرائيل    تخصيص 100 فدان في جنوب سيناء لإنشاء فرع جديد لجامعة السويس.. تفاصيل    الليلة.. أدهم سليمان يُحيي حفل جديد بساقية الصاوي    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    حصول 5 وحدات طب أسرة جديدة على اعتماد «GAHAR» (تفاصيل)    رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: تخصصنا يحافظ على الشخص في وضعه الطبيعي    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    "منافسات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    كرة السلة، ترتيب مجموعة الأهلي في تصفيات ال bal 4    منسق مبادرة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: الحملة امتدت لمحافظات أخرى بعد نجاحها..فيديو    الاحتلال يعتقل فلسطينيًا من بيت فوريك ويقتحم بيت دجن    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    "مربوط بحبل في جنش المروحة".. عامل ينهي حياته في منطقة أوسيم    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    ريهام عبد الغفور عن والدها الراحل: وعدته أكون موجودة في تكريمه ونفذت    30 صورة وفيديو من حفل زفاف سلمى ابنة بدرية طلبة بحضور نجوم الفن    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    الرئيس الموريتاني يُعلن ترشّحه لولاية ثانية    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    التطبيق خلال ساعات.. طريقة تغيير الساعة على نظام التوقيت الصيفي (بعد إلغاء الشتوي)    ما موعد انتهاء مبادرة سيارات المصريين بالخارج؟.. وزيرة الهجرة تجيب    وزيرة التضامن: المدارس المجتمعية تمثل فرصة ثانية لاستكمال التعليم    رئيس تحرير «أكتوبر»: الإعلام أحد الأسلحة الهامة في الحروب    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    اختيارات النقاد.. بعد سيطرة الكوميديا ما هى الأفلام الأنسب لموسم العيد؟    ارتفاع الذهب اليوم الخميس.. تعرف على الأسعار بعد الزيادة    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اختيار المغرب ضيف شرف معرض الكتاب يتوج "قصة الحب المتبادل"
نشر في البوابة يوم 28 - 01 - 2017

ليس من قبيل المبالغة القول بأن العلاقات المصرية-المغربية تشكل "قصة حب متبادل" تتجلى كأفضل مايكون من المنظور الثقافي والمؤكد أن اختيار المغرب ضيف الشرف في الدورة الثامنة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب التي تستمر حتى العاشر من شهر فبراير المقبل يشكل "تتويجا لقصة الحب المتبادل" واحتفاء بهذه العلاقة الحميمة والتاريخية.
وكان الدكتور أحمد التازي سفير المغرب في القاهرة، قد نوه بأن اختيار بلاده كضيف شرف في الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب التي افتتحت أمس الأول "الخميس" يعكس مدى التميز والتفرد في العلاقات المغربية-المصرية، لافتا إلى "البعدين الشعبي والتضامني" في هذا التميز والتفرد.
وأوضح التازي أن البعد الشعبي "يحمل الفكر والثقافة والإنسان" أما البعد التضامني فمعناه أن الدولتين كانتا دائما "في علاقة تضامن موصول في جميع القضايا المصيرية"، مشيرا إلى أن المغرب تشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب بنحو ألف كتاب و60 كاتبا.
وكان الدكتور هيثم الحاج علي قد أعاد للأذهان أن فكرة استضافة المغرب كضيف شرف في معرض القاهرة الدولي للكتاب طرحت قبل نحو عامين في لقاء ثقافي بين البلدين، مؤكدا على "أهمية الارتباط العضوي الثقافي بين مصر والمغرب التي يمثلها في الدورة ال48 للمعرض 60 اسما مؤثرا في الثقافة المغربية".
وأضاف هيثم الحاج علي:"فكرنا في نشر مشترك ونشر متواقت للكتب بين البلدين" معربا عن أمله في أن تكون المشاركة المغربية الحالية في معرض القاهرة الدولي للكتاب نقطة انطلاق للتعاون المشترك.
وإذ يحمل الملصق الدعائي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام علم المملكة المغربية الشقيقة مع صورة الشاعر المصري صلاح عبد الصبور الذي اختير كشخصية العام فان تأمل العلاقات المصرية-المغربية من منظور ثقافي وكتابات مبدعة على الجانبين تقدم الإجابة الصادمة لكل من يسعى بسوء للإساءة لقصة حب كانت وستبقى أمثولة عربية صافية وساطعة ونقية بقدر ماهي علاقة وجودية ووجدانية معا.
وكان وزير الثقافة المغربي الدكتور محمد امين الصبيحي قد صرح بأن المغرب يعتز بتكريم معرض القاهرة الدولي للكتاب واعتباره ضيف الشرف للمعرض في دورته الحالية لافتا في مقابلة تلفزيونية إلى أن وزارته حرصت على تقديم رصيد وثائقي متنوع يشمل عدة مجالات ثقافية منها القضايا المجتمعية التي تتجه نحو المستقبل والشباب.
ويتمثل الحضور المغربي في الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في مشاركة أبرز مؤسسات النشر المغربية بالإضافة لعدد من المؤسسات الحكومية والجامعية والبحثية من خلال "رواقين أحدهما مخصص للعرض والآخر للناشرين" على مساحة تتجاوز 220 مترا مربعا.
ولئن حق للدكتور احمد التازي سفير المغرب لدى مصر القول بأن "العلاقة بين المغرب ومصر ليست علاقة ضيف شرف وانما اصحاب بيت" فهاهو الكاتب الروائي الكبير محمد جبريل يقول في كتابه "الحنين الى بحري": الإسكندرية هي باب المغرب فلا فاصل بينها وبين المغرب سوى الصحراء التي تتناثر فيها بلدان المغرب العربي:ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.
وثمة روايات تاريخية-كما يقول جبريل-تؤكد أن العنصر الوطني في الإسكندرية يعتمد في أصوله القديمة على الوافدين من المغرب ربما قبل أن يقود جوهر الصقلي حملة الفاطميين إلى الأراضي المصرية.
حي بحري في الإسكندرية الذي يعشقه هذا المبدع المصري حيث ملاعب الطفولة وأيام الصبا تحول في توالي السنين إلى مركز استقطاب للباحثين عن اليقين بداية من أداء الفرائض والسنن وانتهاء بتلمس البركة والشفاعة والنصفة من الأولياء الذين تشغي بهم جوامع الحي وزواياه وأضرحته ومقاماته.
ربما البداية في تلك الأعوام القديمة - كما يذهب جبريل - توالي قدوم المئات وربما الآلاف من متصوفة المغرب العربي يسعون إلى الحج، تطول الرحلة على الأقدام أو بواسطة الركوبة المجهدة يحاولون التقاط الأنفاس في الإسكندرية.
وهكذا نية الإقامة أياما تمتد إلى نهاية العمر يشيدون مع المصريين الطيبين مساجد وزوايا يضاف إليها بعد الرحيل من الدنيا اضرحة ومقامات حتى "مسجد تربانة" بشارع فرنسا أنشأه المغربي ابراهيم عبده المغربي الشهير بتربانة.
وعرض محمد جبريل لتلك الرحلة الجميلة القاسية في العديد مما كتب: ثمة ابو الحسن الشاذلي وأبو العباس المرسي وياقوت العرش وأبو حامد الغزالي وابن خلدون وابن أبي الدنيا وابن عربي وابن عطاء الله وعبد الرحمن بن هرمز وعلي تمراز وعبد الرحيم القنائي ومحمد العطار الذي ينسب له جامع العطارين.
بل ان الجد الأكبر لعائلة الروائي المصري محمد جبريل هو من المغرب وكان يدعى "قاضي البهار" وقد حدثه والده عن ان ذلك الجد جاء من المغرب واختير "قاضيا للبهار" مثلما اختير ابن خلدون قاضيا واختير علماء اخرون لمهن مختلفة تنتسب الى زمانها.
وقد شغلت هذه التسمية "قاضي البهار" عما عداها محمد جبريل الذي نظر لها كأنها تنتسب إلى عوالم ألف ليلة وليلة وحكايات التراث العربي فجعل الاسم بالفعل عنوانا روائيا:"قاضي البهار ينزل البحر" وتحول انشغاله أثناء ذلك إلى محاولة قراءة تاريخ علماء المغرب في مدن مصر: متى قدموا؟ وكيف؟.
ولماذا اختاروا الإقامة في هذه المدينة أو تلك ببر مصر المحروسة ؟ وهل كانوا جميعا من المتصوفة أو انهم وجدوا في الحياة المصرية مايغريهم بالبقاء؟ وهاهو جبريل يتناول في كتابه "حكايات عن جزيرة قاروس" تاريخ العلاقات المغربية-المصرية من خلال هجرات العلماء المغاربة إلى مصر.
ومن هؤلاء المغاربة من اتخذ الإسكندرية معبرا إلى مدن مصر الأخرى وخاصة القاهرة ومنهم من فضل الإقامة فيها ومن هنا فثمة عشرات الجوامع والمساجد والزوايا والمزارات تتناثر في امتداد الأرض المصرية تنتسب إلى علماء المغرب لتعمق اليقين الديني وتسم معتقدات المصريين وعاداتهم وسلوكيات حياتهم بما قد لانجده في مجتمع آخر كما يلاحظ الكاتب الروائي محمد جبريل.
مخيلة هذا الروائي المصري اخترعت أولياء آخرين كما في قصة "الإبانة عن واقعة كنز الشيخ المغربي" اما الأولياء الحقيقيين في حي بحري فهم جزء من حياته وفي مقدمتهم ابو العباس المرسي الذي هو في تسمية السكندريين "سلطان الأسكندرية".
إنها الإسكندرية التي مثلت حلقة اتصال بين علماء المغرب وطريق الحج الى بيت الله الحرام وبعضهم مضى لبلدان أخرى في القارة الإفريقية فيما يلفت محمد جبريل إلى أن موكب العروسين في الإسكندرية لابد وان يستأذن ابو العباس او "السلطان" بالمرور من أمام مسجده أما الموالد فتشغي بالخيام والأعلام الملونة والبيارق والأغنيات.
كل ذلك أفرز "بيئة ثقافية" تحمل حضورا مغربيا قويا في قلب مصر المحروسة وثغرها السكندري تماما كما ان الحضور المصري القوي يتجلى ويتوهج بتنويعات ثقافية متعددة في قلب المغرب ومن هنا أكد بيان لوزارة الثقافة المغربية على ان اختيار المغرب ضيف شرف معرض القاهرة الدولي للكتاب جاء"تأكيدا لرسوخ العلاقات الأخوية بين الشعبين المغربي والمصري".
وأعدت وزارة الثقافة المغربية برنامجا ثقافيا ثريا على المستوى البحثي والابداعي في الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب يتضمن 30 فاعلية ثقافية مابين ندوات ومحاضرات وقراءات شعرية ولقاءات بين كتاب مغاربة ومصريين وتقديم كتب يشارك فيها اكثر من 50 من المفكرين والكتاب والروائيين والشعراء بالإضافة لحفل موسيقي ومعرض للفن التشكيلي وعروض سينمائية لأفلام مغربية.
ولئن توج هذا الحضور الثقافي المغربي في الحدث السنوي الثقافي المصري الأكثر اهمية "قصة الحب المتبادل بين البلدين والشعبين الشقيقين" فان مثقفا مغربيا كبيرا هو الدكتور محمد برادة يتحدث عن روائع الحضارة المصرية القديمة في رواية اقرب لسيرة ذاتية عن فترة دراسته بمصر وهي رواية:"مثل صيف لن يتكرر".
والكتاب قصيدة عشق مغربي لمصر وفي فصل بعنوان:"فرعون في كفن من كتان" يتحدث محمد برادة عن رحلة لمومياء رمسيس الثاني بين مدافن طيبة والدير البحري وباريس قبل ان يستقر في احدى ردهات المتحف المصري بالقاهرة.
فهذا الناقد والروائي والأستاذ الجامعي ورئيس اتحاد كتاب المغرب اكثر من دورة يتأمل مومياء رمسيس الثاني المسجى داخل تابوت من خشب الأرز ملفوفا في كفن من الكتان ويقول: رغم انه عاش اكثر من تسعين سنة في حياته الأولى فان وجهه الصغير النحيل بتقاطيعه الدقيقة كان يبدو وجه طفل في القماط.
هاهو برادة في المتحف المصري يرتجف بقوة امام جسد رمسيس الثاني المحنط الذي يتابع "الحياة" من داخل الموت وهاهو يواصل تأملاته عن الملك المصري العظيم بوجهه الطفولي وابتسامته المكتومة:"كان يفرض حضوره بقوة ويسائلنا عما تعودنا ان نسكت عنه".
"شيد مدنا وتماثيل ضخمة ومعبد ابي سمبل في جنوب مصر وستة معابد صخرية في النوبة وخاض الحروب المتتالية لتأمين امبراطوريته وكتب الشعراء ملاحم ليخلدوا ذكرى انتصاره في قادش" ويروي الدكتور محمد برادة قصة علاج الجثة المحنطة للملك المصري من فطريات تنخر عظامه ونقله الى باريس ثم عودته معافيا للقاهرة بعد ان انتصر على التآكل والاندثار.
يتمتم برادة في نهاية زيارته للمتحف المصري:"كأن رمسيس الثاني يقول لنا اجعلوا الجسد حلما والحلم جسدا" منوها بما تزخر به الحضارة الفرعونية من تماثيل ورسوم وفضاءات اسطورية وتحولات ورموز لتنظيم العلاقة مع الكون وعناصر الطبيعة وعوالم الموت والخلود.
ورواية "مثل صيف لن يتكرر" تقدم رؤية مغربية اصيلة ومكثفة لواقع الحياة المصرية في سنوات تمتد عبر خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن العشرين ومابعدها ايضا في اشارات دالة لكاتب كبير يحب ان ينظر الى القاهرة من فوق جبل المقطم لتبدو واضحة وغامضة فيما ينساق هو الى استحضار لحظات مشرقات من تاريخ مصر.
يحلق الدكتور محمد برادة من جبل المقطم في زمنية ازلية يغوص معها فيما يشبه سديم البدء والختام المجلل بالصمت والنسك وتسري بداخله وشوشات كأنها حوار بينه وبين المدينة الساحرة ويقول في نفسه:"لعل زمن القاهرة المغيب في ذاكرتي الفتية منذ الخمسينات يستيقظ فجأة ليذكرني بما عشته متلاحقا".
والرواية او السيرة الذاتية لمؤلفها اثناء سنوات دراسته بالقاهرة تتضمن وجوها مصرية حميمة عرفها الدكتور محمد برادة في تلك السنوات وفي المقدمة "أم فتحية" التي كانت تسهر على خدمته مع زميليه وتجسد الطيبة المصرية وهي القادمة من النوبة لتصارع الحياة في القاهرة فيما بقت دائما في قلبه ومخيلته حتى انه لايخفي لوعته عندما عاد للقاهرة قادما من باريس عام 1972 واذا به يفقد أثرها بعد ان اختفى بدروم البيت الذي كانت تسكنه وانتصبت عمارة شاهقة في مكانه.
وكذلك "الست ام زينات" ذات الاشعاع الخاص والأمومي التي سكن في منزلها في اخر عام من دراسته الجامعية بكلية الآداب في جامعة القاهرة.وممتع وصف المثقف المغربي الكبير محمد برادة لميدان "باب الحديد" او ميدان رمسيس الذي التقاه لأول مرة بعد ان ودع عائلته في الرباط ويصل الأسكندرية عبر البحر ويبدأ دراسته في مدرسة الحسينية بالعباسية التي نال منها "شهادة التوجيهية" للالتحاق بالجامعة فيما كان طلاب المدرسة يلقبون مديرها "بالوحش" تشبيها له ببطل مسلسل اذاعي ذاع صيته في منتصف الخمسينيات.
وعبر لقطات سريعة تتوالى صور اساتذته في كلية الآداب مثل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والدكتورة سهير القلماوي والدكاترة عبد الحميد يونس وشكري عياد وابراهيم حمودة ويوسف خليف لافتا ايضا لأسماء مثقفين سيكونوا فيما بعد من اهم المبدعين والكتاب والنقاد المصريين مثل الشاعر احمد عبد المعطي حجازي والناقد رجاء النقاش ناهيك عن المبدع الراحل نجيب سرور وهرم الرواية المصرية والعربية نجيب محفوظ.
ولم ينس الكاتب والناقد المغربي الكبير محمد برادة رصد مستوى الجمال بين الطالبات في جامعة القاهرة ايامئذ ويسرد طرفا من الطرائف والمغامرات لشاب في قاهرة الخمسينيات والستينيات فضلا عن انخراط طالبات عربيات في انشطة سياسية تدعو للوحدة العربية.
ويسترجع برادة لحظة اعلان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس وتطوعه مع زملائه من الطلاب المغاربة للدفاع عن مصر في مواجهة العدوان الثلاثي ويروي كيف تعرف على الشاعر والفنان صلاح جاهين وسمع لأول مرة صوت الملحن سيد مكاوي وهو يدندن ويعزف على العود.
كما يستدعي بالحنين تردده على دور السينما القاهرية حيث توطدت علاقته بالسينما ورحلته كطالب للأقصر وأسوان حيث النيل يتدفق كثيفا زاخرا وكذلك حضوره صالون المفكر العملاق عباس محمود العقاد.
كان محمد برادة يتيه من حين لآخر عبر الشوارع الخلفية في القاهرة لتنتابه مشاعر ومشاهد مشابهة لما كان يعاينه عندما ينطلق عبر أزقة فاس القديمة وأسواقها حيث لعبة الظلال والألوان وفسيفساء المضاءات المتسللة عبر سقوف الأسواق والكوى وأبواب الدكاكين المفتوحة أفقيا.
وبعد عودته للمغرب وفي الرباط التي بات فيها الدكتور محمد برادة أستاذا جامعيا وروائيا وناقدا عربيا يشار له بالبنان كانت روايات نجيب محفوظ تخفف من وحشته و"تذكي شوقه الى مصر الساكنة في الأحشاء" كما يقول في هذا العمل البديع:"مثل صيف لن يتكرر".
والحقيقة أن الدكتور محمد برادة صاحب "لعبة النسيان" و"الضوء الهارب" و"سلخ الجلد" احد الجسور المتينة والهامة للغاية على صعيد إقامة علاقة بين الثقافة العربية في المغرب مع الثقافة العربية في المشرق.
قد يكون الحق لم يجانب من ذهب إلى أن الأدب افضل حتى من الفلسفة في التعبير بصور حسية وحكايات وروايات كاشفة عما نريد معرفته عن الإنسان والعالم والكون.
وإذا كان وزير الثقافة المغربي الدكتور محمد أمين الصبيحي قد لفت إلى "الأسئلة الثقافية المشتركة" بين المثقفين في البلدين الشقيقين فان كل مغربي حاضر هنا في القلب المصري..حاضر يا مغرب في ثقافتنا واحلامنا وأسماء مساجدنا وشوارع ثغرنا..لاطائر الظلام يفرقنا ولارماد الأيام.. خطانا معا تمضي للحلم العربي الكبير وللغد النبيل..ومعا نمضي لضفاف الأمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.