في أولى أعماله الروائية، يتلمس الشاعر يوسف وهيب عبر "تغريبة القبطي الأخير"، روايته الصادرة عن دار الدار للنشر والتوزيع 2017، جوهر اللحمة الوطنية التي تجمع المصريين رغم تنوع أمزجتهم وتعدد معتقداتهم الفكرية والدينية، وما "عقل مراد" إلا ذاكرة هذه الأرض، يملي رسائله وما عايشه وما عاناه، على موريس ذلك الخيال الذي قلما تسمع له صوتًا طوال الرواية، هو يكتب ما يملى عليه من عقل القبطي ومن حمدية عبد اللطيف شقيقته في الرضاعة وحبيبته التي لا يستطيع أي منهما أن يعلن هذا الحب، في مدن وقرى تتواطأ فيها بعض الأجهزة مع المتطرفين من السلفيين والجماعات المتأسلمة طوال حقب من تاريخ مصر، وفي الأخير يدفع الوطن كله ثمن هذه المراهنات والصفقات التي لم تتوقف حتى الآن، وكثيرًا ما تسمع على لسان قيادة أمنية ما أنه يجب على المسيحيين ألا يغضبوا السلفيين ببناء أو تصليح كنيسة على سبيل المثال. يغوص عقل القبطي كاشفًا عبر آلامه الشخصية وإصابته بالعمى والصمم، ولا يتعنت كثيرا حين يضيع أولاده وزوجته ويبتعدون عنه بفعل الأسلمة الشكلية، وهو ما تجسده رسالته إلى ابنه "وديع": ببركة أم النور، وقوة الشهيد مار جرجس مازلت قادرًا على الحياة، وخصوصًا بعد وفاة أمك، لا داعي لتذكرها الآن، ربنا قوي.. أرسلت لك يا وديع يا ولدي مع عمك مصطفى وهو راجع من الغيط، قلت له: إن كنت ها تعدي من شارع الكنيسة القبطية يا أبو خيري يا ريت تقول لوديع إن أنا مشتاق ليه، قل له يُطلّ عليّ.. ولا أعرف يا ولدي ما الذي جعل الرجل ينزل من على حماره ويقف مبهوتًا وهو يتمتم: لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، عليه العوض وطبطب عليَّ: يا عم عقل صلي ع النبي ولا مجِّد سيدك وحياة النبي لتهدأ، اقعد خد ولع السيجارة دي..