الأفلام والدراما القديمة لها سحرها، وجزء كبير من هذا السحر يرجع إلى تجسيد الروح الشعبية المصرية، وبدون استثناء يستهوي الجميع منظر الحارة الشعبية المميزة بتراثها ومعمارها الهندسي، وصناعات الصدف والأرابيسك التي كانت تكسو المنازل خارجها وداخلها، والشبابيك أو حتى الأبواب، فهي جزء لا يتجزأ من تلك الحضارة العطرة التي يتباهى بها كل مصري، حيث عرفها الأجداد واعتبروها من سماتهم الأساسية، وفي هذا الحديث يحضر بلا شك مسلسل" أرابيسك". لكن مع تطور الزمن الذي دفع بالأسعار إلى أعلى المراتب، لا سيما دخول "المستورد" للسوق بأسعار أقل بكثير من المنتجات المصرية في السوق، عرفت صناعة الأرابيسك والصدف، طريق الكساد، ولم يعد يراها إلا الخواجة الذي يعي قيمتها وقدرها، ما يهدد مصير تلك الصناعة بقوة، الأمر الذي دفع "البوابة نيوز" إلى استقصاء الأمر بين أهل الحرفة. من الزاوية الحمراء، وتحديدًا في حارة عبد الهادي، أينما تتلفت يمينا أو يسارا تجد ورش الأرابيسك والصدف التي يمتد عمرها حتى 55 عامًا، حيث توارث أصحاب الحرف جيلا بعد جيل تلك المهنة، التي يتحدث أصحابها أنهم كانوا -ولا يزالون- "فنانين"، وليس مجرد نجارين كما يراهم البعض، ولكنها حرفة تزيين البيوت بالعمارة الإسلامية العريقة، ولكن زيادة الأسعار التي افترست الصناعة والزبون حتى وصل زيادة الأسعار إلى 60% فجعل علبة المصوغات مثلا أو الشكمجية تصل إلى 600 جنيه، ولوحة الطاولة وصلت أقلها تطريزًا إلى 600 جنيه وأكبرها 1300 جنيه من الورشة، وما بالك بالسعر الذي يقدم للزبون. البداية مع علاء إبراهيم، أو علاء الملك، صاحب إحدى الورش القديمة هناك، تحدث عما طرأ من مستجدات عن "صنعة الصدف والأرابيسك"، قائلا: "أنا في الشغلانة منذ أكثر من 30 سنة، وورثت المهنة عن خالي، ومنذ البداية لم أعهد نفسي نجارًا أو حرفيًا، فأنا فنان بمعنى الكلمة، الملي الواحد بيفرق، فالصدف يحتاج إلى معاملة حساسة جدًا، لأننا نقيم أشكالًا هندسية، ومن ثم نبدأ في صياغة أشكال أخرى تحيط الأولى، لعمل مسدسات إسلامية، ومعينات ومربعات تصنع ما تراه في النهاية". أهمية الدقة في صناعة الأرابيسك عللها الملك "كل ملي بيفرق، لأن أي انحراف في المقاسات سيزعج عين الناظر بشدة، فهو شكل يشذ عن المضمون الكامل، ولكنها ليست المشكلة الآن، فالأزمة الحقيقية أن دول آسيا دخلت الآن في الصناعة، وبدلًا من الصنفرة اليدوية التي نعتمد عليها، أو حتى مكنة "الجلي والتلميع" أصبحت الآن لديها سائل كيمياي يقوم بتلك المهمة بجودة أعلى وفي ثوان معدودة، وفي نفس الوقت اعتمادهم على الماكينات قلل من تكلفة المنتج، وهو ما جعل منتجنا الذي نحن أساسه في العالم كله بلا قيمة، لأن هناك من ينتج نفس المنتج وبجودة أعلى وفي مدة أقل وبسعر أقل، لا سيما حصوله على تسويق بشكل أفضل على كافة المناحي". وباعتقاد صلاح السعيد، أحد أقدم العاملين في المجال بالمنطقة، أن الحل الوحيد حتى تستطيع الصناعة مواكبة العصر، بل وتدخل سوق المنافسة هو أن تقوم الدولة بعمل تعاونيات لبيع منتجات الصدف والأرابيسك. السعيد راح يعدد الفوائد من اقتراحه "أولها سنعيد التراث العربي الإسلامي إلى الأسواق، بدلًا من كونه شيئًا ترفيهيًا أو تراثيًا ثانويًا في البيوت، ثانيًا الحفاظ على القومية المصرية العربية، التي تميزها تلك النوعية من العمارة، ففي إسبانيا مثلا كل البيوت تتبع الشكل الأندلسي، وفي اليابان تجد شكلًا مميزًا للمنازل فلماذا لا نكون مثل تلك الدول، خاصة أننا سنحول شوارعنا إلى مزارات سياحية كما هو الحال مع شارع المعز مثلا، ثالثًا أن دخول الدولة في تلك النقطة سيسمح للمهندسين بإدخال فن الأرابيسك والصدف مع فنون "المودرن" وفي ذلك فوائد عدة أهمها صناعة منتج جديد الشكل بخامات جيدة وثمن أقل من الأثاث الموجود في السوق، وتسويقه عالميا، خاصة مع احتياج الدولة لكل طريق يدر لها العملة الصعبة". وخلافًا لآخرين، يرى الأسطى عامر زين، أن تسويق المنتجات ليس بالأمر الصعب أو المكلف، بل هو أمر بسيط وسهل للغاية، فكل عام هناك العديد من المنتجات المصرية التي يتم تسويقها في الخارج من خلال المعارض التي تشرف عليها الدولة، وتهتم بها بقوة، فهي تدر دخلا للدولة، وفي نفس الوقت تمثل دعاية قوية لمصر، متسائلا: "ما المانع أن يكون لدينا منتج يعتبر علامة تجارية لنا؟ فنحن دائمًا نسمع عن الزيوت أو البهارات الهندي مثلا، والتي تنتشر في العالم كله، أو الماكينات الألمانية، فلماذا لا يكون لدينا الأثاث المصري المعروف باهتماماته المعمارية الإسلامية التي تعتمد على حضارته، فمن ناحية دعاية لمصر وترحيب بالسياح، كما أنها تنقذ صناعة هامة وتاريخية تفتح بيوت قطاع كبير من المصريين".