12 خطوة تمكنك من الالتحاق بمعهد معاوني الأمن.. وهذا موعد التقديم| إنفوجراف    مدير «مستقبل مصر»: الإعداد لإنشاء شركة تحول رقمي بالتعاون مع وزارتي الزراعة والري    الرئيس السيسي: «لو عندنا مياه تكفي زراعة 100 مليون فدان كنا زرعناهم»    زراعة 110 أشجار مثمرة في مركز المنيا للحد من التلوث وتوفير مساحات خضراء    جنوب أفريقيا: نرحب بتغيير موقف الرأي العام الدولي بعد قضيتنا في «العدل الدولية»    «فاينانشيال تايمز»: آمال بايدن الانتخابية تتراجع مع ارتفاع الأسعار والتضخم مرة أخرى    وزيرة التضامن تتوجه للبحرين للمشاركة في أعمال المنتدى الدولي لريادة الأعمال    «فورين أفيرز» الأمريكية: الناتو لا يمكنه الصمود بدون الولايات المتحدة    أدار نهائي الكونفدرالية.. طاقم تحكيم كيني لمباراة مصر وبوركينا فاسو    مديرية التعليم ببورسعيد تعقد اجتماعا لبحث استعدادات امتحانات الشهادة الإعدادية    محافظ القاهرة: استمرار الحملات التفتيشية على الأسواق والمحال والمطاعم والمنشآت    السكة الحديد: تشغيل قطارات إضافية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    «التعليم» تنبه على الطلاب المصريين في الخارج بسرعة تحميل ملفات التقييم    «البحوث الإسلامية» يفتتح أول فرع لإصدارات الأزهر العلمية    لماذا سميت الأشهر الحرم بهذا الاسم؟.. الأزهر للفتوى يوضح    صحة أسيوط تعلن وصول جهاز الأول من نوعه في العلاج الطبيعي للمحافظة    وزيرة خارجية جنوب إفريقيا: نطمح في وقف إطلاق نار دائم بغزة    وزير التعليم يستقبل الأمين العام للمدرسة الرقمية (تفاصيل)    هل ويست هام قادر على إيقاف مانشستر سيتي؟ رد ساخر من ديفيد مويس    مرسيدس تتخلى عن خطة إنتاج سلسلة موديلات تقتصر على السيارات الكهربائية اعتبارا من 2028    جامعة بني سويف التكنولوجية تفوز بجائزة التميز في تكنولوجيا البيئة والطاقة الخضراء    بنك التعمير والإسكان يرعى الملتقى التوظيفي الخامس عشر    رئيس جامعة قناة السويس يتفقد كلية طب الأسنان (صور)    إحالة المتهم بقتل جاره بالأميرية إلى محكمة الجنايات    ما هو موعد عيد الاضحى 2024 في الجزائر؟    وزير الرى: احتياجات مصر المائية تبلغ 114 مليار متر مكعب سنويا    مدحت العدل: ليس مطلوب من محمد هنيدي أن يقدم أعمالاً ناجحة    تعليم البحيرة: 196 ألف طالب وطالبة يؤدون امتحانات الشهادة الإعدادية وأولى وثانية ثانوي    مناظرة بين إسلام بحيري وعبد الله رشدي يديرها عمرو أديب.. قريبا    ما حكم عدم الوفاء بالنذر؟.. الإفتاء توضح    روسيا: مقتل15 شخصا على الأقل في هجوم على مجمع سكني في بيلجورود    مؤتمر أنشيلوتي: بعد هذه الخسارة أصبحت الأمور أفضل.. وهؤلاء يمكنهم التدريب    الرئيس السيسي يوجه بتعديل اسم محطة "الحمام" لتحلية المياه    توقعات برج العقرب من يوم 13 إلى 18 مايو 2024: أرباح مالية غير متوقعة    خلال 12 يوم عرض بالسينمات.. فيلم السرب يتجاوز ال24 مليون جنيه    وزير الثقافة الفلسطيني السابق: موشي ديان هو أكبر سارق آثار في التاريخ    عودة أنشطة حديقة الفنون بمناسبة بدء الإجازة الصيفية    مصر تُبلغ "رسالة" لوسطاء مفاوضات غزة.. مصدر رفيع المستوى يكشفها    مدير «مستقبل مصر»: الرئيس السيسي كلفنا بإدارة التصنيع الزراعي في قها وإدفينا    عبدالرزاق يفتتح أعمال الجلسة العامة للشيوخ لمناقشة السياسات المالية والضريبية    مد فترة التقديم على وظائف المدارس التطبيقية الدولية حتى 20 مايو الجاري    بالفيديو.. لماذا حج سيدنا النبي مرة واحدة؟.. أمين الفتوى يجيب    بنك التعمير والإسكان يرعى الملتقى التوظيفي 15 بجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة    شعبة الأدوية توجه نداء عاجلا لمجلس الوزراء: نقص غير مسبوق في الأدوية وزيادة المهربة    "صدر المنصورة" تحصد المركز الأول ضمن فعاليات مؤتمر جميعة الأمراض الصدرية    موقف السولية وعبد القادر من المشاركة في نهائي إفريقيا    وزير الإسكان يتفقد سير العمل بمشروع سد «جوليوس نيريري» الكهرومائية بتنزانيا    قبل جلساته لمناقشة "قانون العمل".. ماذا تعرف عن المجلس الأعلى للحوار الاجتماعي بشأن العمل؟    رئيس الغرفة التجارية: سوق ليبيا واعد ونسعى لتسهيل حركة الاستثمار    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية في ديرمواس ضمن «حياة كريمة»    للسيدات.. تعرفي على أعراض سرطان المبيض    تعرف على الحالة المرورية بالقاهرة والجيزة    الترسانة يواجه ديروط لحسم بطاقة التأهل الأخيرة لترقي الممتاز    مبابي يستفيد من هدية استثنائية في ليلة التتويج بالدوري الفرنسي    فضل الأشهر الحرم في الإسلام: مواسم العبادة والتقرب إلى الله    أرتيتا يثني على لاعبي أرسنال    سيناتور أمريكي مقرب من ترامب يطالب بضرب غزة وإيران بسلاح نووي    الأقصر تتسلم شارة وعلم عاصمة الثقافة الرياضية العربية للعام 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جابر عصفور يرصد أفعال "التمرد المبتور" في تاريخ الرواية المعاصرة
نشر في البوابة يوم 07 - 01 - 2017

فى كلمته التى ألقاها فى افتتاح ملتقى القاهرة الأول للرواية فبراير 1998، قال الدكتور جابر عصفور: «أعترف أن اهتمامى بالرواية قد صرفنى عن الشعر حبى النقدى الأول، ولكن ظل سؤال جدل الحداثة والتحديث عالقا بذهنى مع زيادة مؤداها إسقاط السؤال نفسه على نشأة الرواية العربية الحديثة ومسار تطورها».
وكانت النتيجة هى تصور الرواية العربية باعتبارها مرآة المجتمع المدنى الصاعد وسلاحه الإبداعى فى مواجهة نقائصه التى لا تزال إلى اليوم مقترنة بتخلف التعصب والتسلط والتطرف، متواصلة مع تراثها السردى العربى فى أبعاده المناقضة للاتباع والنقل.
ولم تتوقف الرواية العربية عن تحرير نفسها أو تحرير مبدعيها وقرائها من سطوة تمارس القمع باسم الدين أو السياسة، وفى كتابه الأحدث «المقاومة بالكتابة.. قراءة فى الرواية المعاصرة»، الصادر حديثا عن الدار المصرية اللبنانية.
يواصل الدكتور عصفور إبحاره فى تتبع الدور الفاعل للكتابة كرديف لمقاومة كل أشكال القمع التى تفرضها، كل سلطة استبدادية باسم الدين أو السياسة أو المجتمع، من خلال تناول عدد من الروايات المعاصرة حيث إن «الإبداع الأدبى ليس وحده الذى يقوم بمواجهة الإرهاب والتسلط، وإنما النقد الأدبى نفسه ينبغى أن يتولى هذا الدور، فيسهم فى مقاومة الفساد بتحليل روايات المقاومة».
يشير عصفور إلى أنه قد تشكل فى ذهنه قناعة بأن الرواية العربية نشأت لتقاوم كل أشكال القمع، هذا الإلحاح نتج عنه اهتمامات بحثية، أظهرتها الدراسة التى نشرها عن «بلاغة المقموعين» عام 1992، وصولا إلى اختياره موضوع القمع فى الرواية العربية، لتدريسه فى جامعة هارفارد عندما دعته ليكون أستاذا زائرا فى دراسات الشرق الأوسط 2001.
يقع الكتاب فى 429 صفحة من القطع المتوسط، مقسم إلى ثلاثة مباحث خصص المبحث الأول لروايات التأسيس تناول فيه روايات: أولاد حارتنا لنجيب محفوظ، العسكرى الأسود ليوسف إدريس، تلك الأيام لفتحى غانم.
فى المبحث الثانى المعنون ب«كتابة الاختلاف» تناول لرواياتى: تلك الرائحة لصنع الله إبراهيم، ورواية أصوات لسليمان فياض.
أما المبحث الثالث والأخير من الكتاب فقد خصصه ل«زمن السقوط» وفيه عرض نقدى لروايات: «غرناطة» لرضوى عاشور، «رواية حب فى المنفى» لبهاء طاهر، «رواية شرف» لصنع الله إبراهيم، ثلاثية الثورة المصرية وفيه تناول روايات جميل إبراهيم عطية: 1952، أوراق1954،، السلاسل، رواية واحة الغروب لبهاء طاهر وأخيرا رواية دنيا للكاتبة اللبنانية علوية صبح.
أفعال التمرد المبتور:
تعد شخصية «سالم عبيد» بطل رواية تلك الأيام أستاذ التاريخ فى الجامعة المصرية نموذجا إبداعا رمزيا لما سماه الدكتور عصفور بالتمرد المبتور فى عموم حياتنا الثقافية، وفى مجال الإنسانيات والعلوم الاجتماعية فى الجامعة بوجه خاص. فسالم عبيد تعلم من أستاذه الفرنسى فى السوربون أن بلده لا يحتمل الحقيقة بحكم أنظمته السياسية وثقافته السائدة، وأن ذلك هو السبب فى أن أغلب الكتابات التاريخية الجادة عن بلده مكتوبة بأقلام أجنبية.
يرفض سالم هذا الاتهام لبلده ومثقفيه، فيكتب عن تاريخ وطنه ويتوقف عند قناة السويس، ليقدم أطروحته «السخرية والكرباج» وما إن نشرها، حتى قامت قيامة الحكومة التى طردته من الجامعة، وظل سالم مبعدا إلى أن قدم التنازلات الكافية وأرضى جلالة الملك فيعود إلى الجامعة بعد هذه السقطة التى تحددت بها علاقته مع السلطة، علاقة تقية وتقوده سقطته الأولى إلى غيرها، فيكتب أنصاف وأرباع الحقائق، ويحاضر فيما لا يقترب من الخطوط الحمراء، ويترقى فى مناصب الجامعة والوظائف العامة، إلى أن يلتقى الإرهابى «عمر النجار» بعد الإفراج عنه، ويدعوه إلى بيته ويتيح له معرفة زوجته فتتولد رغبة المعرفة كاسحة ساعية إلى الإحاطة بكل شيء.
يرى عصفور أن سالم عبيد بدأ من القمع الذى وقع عليه منذ أن فصل من الجامعة، وأعاد إنتاج القمع الواقع عليه على غيره ومارسه لا إراديا كالمرآة التى تعيد إرسال الشعاع الذى تستقبله إلى غيرها.
وتعلم من تجربة فصله من الجامعة ألا يغرد خارج السرب ولم يكرر محاولة تمرده المبتورة.
ويتساءل عصفور: هل كان يمكن لمؤرخ جامعى مثل سالم عبيد من حيث هو تمثيل رمزى لشخصية المثقف أن ينطق المسكوت عنه من الخطاب الاجتماعى السياسى المقموع فى اجتماعات اللجنة التحضيرية هذه أو اجتماعات المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية؟، وهل كان يمكن أن يصوغ أسئلته الجذرية من حقيقة الضجيج السياسى الذى دار من حوله فى زمن أختلط فيه الحلم بالكابوس؟ الإجابة بالنفي.
لقد تعلم من درس الماضى الملكى أن قول الحقيقة يعنى الفصل من الجامعة، لم تكن محاولة سالم عبيد المبتورة فى التمرد مجرد موقف إبداعى أدبى، خلقه فتحى غانم فى روايته إنما هو دلالة ميلودرامية لتجلياته الواقعية.
وهنا يضرب عصفور مثلين الأول موقف نجيب محفوظ وطلبه موافقة السلطة الدينية ممثلة فى الأزهر على طبع روايته «أولاد حارتنا» فى مصر بالرغم من عدم وجود أى قرار رسمى بمنع طباعتها خاصة بعد الطعنة التى سددها إليه شاب جاهل بعدما سمع فتاوى بتكفير محفوظ.
النموذج الثانى هو تراجع الباحث «سيد القمنى» عن كل ما سبق وكتبه وذلك عقب تهديدات تلقاها بقتله وقتل أسرته، و«شغل انقلاب سيد القمنى الحياة الثقافية فى مصر لأشهر وانتهى الخلاف حوله إلى الصمت الذى لا يزال محملا بأسلحة القمع المشرعة كالمقصلة على رقاب المفكرين والمبدعين».
يشير عصفور إلى أن فتحى غانم قد استمد بعض ملامح شخصية سالم عبيد من حياة «منصور فهمى» الذى أعد دكتوراه فى فرنسا عن وضع المرأة فى الإسلام ومضى فيها خطوات أبعد من خطوات قاسم أمين وكان أكثر جرأة فى وضع التاريخ الديني والنصوص التراثية موضع المساءلة.
وحصل الرجل على درجة الدكتوراه لكن الوشاة أرسلوا إلى الجامعة المصرية بتقارير أشبه بتلك التى لا يزال يرسلها بعض المحسوبين ظلما على الثقافة إلى الجهات الأمنية فقامت قيامة إدارة الجامعة وانتهى القمع بفصل منصور فهمى وعدم الاعتراف بدرجته العلمية وظل مبعدا مثل سالم عبيد عن الجامعة حتى قدم فروض الولاء والطاعة وإظهار التوبة مما جعل أولى الأمر يرضون عنه ويعيدون إليه ما حرم منه وتدرج فى مناصب الدولة وأصبح شخصية مرموقة، لكن بعد أن تعلم الدرس القاسى وأدرك ما أدركه سالم عبيد وتيقن أنه لا سبيل إلى إنطاق المسكوت عنه من الخطاب السياسى والدينى والاجتماعي وأنه لا مجال سوى الدوران فى دائرة المباح والمتاح وما ترضى عنه الحكومات والسلطة الاجتماعية والدينية.
على أن عصفور يمايز بين ظاهرة التمرد المبتور وظاهرة الانقلاب الأصولى من النقيض إلى النقيض، لافتا إلى أن ظاهرة الانقلاب الأصولى موازية للتمرد المبتورة وإن اختلفت عنها خاصة وأن الطبيعة الحدية للأصولية وللأصولى فى الوقت نفسه لا تتغير أو تتبدل حتى إذا تغيرت المواقف الفكرية لأسباب خارجية تؤدى إلى تغيير مواقع الانتماء موضحًا أن بعض الشخصيات الثقافية المعروفة التى انقلبت من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، محتفظة بالحدية نفسها ما يؤكد أن الأصولى الشيوعى مثلا لا يختلف جذريًا عن الأصولى الديني وأنه يمكن أن يتحول إلى أصولى ديني لا يفارقه تطرفه أو حدية مواقفه فى الوضع الأولى أو الثاني، وما ظل منطويا على المكنونات نفسها وهى الإيمان المطلق بما يراه الحقيقة وادعاء احتكار الحقيقة والميل إلى استئصال المخالف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.