عبر الفيديو كونفرانس.. الرئيس السيسي ونظيره الروسي يشهدان حدثًا تاريخيًا بمشروع الضبعة النووى اليوم    نادي القضاة: انتخابات النواب 2025 لم يشرف عليها القضاة وأعضاء النيابة العامة    بعد انسحاب "قنديل" بالثالثة.. انسحاب "مهدي" من السباق الانتخابي في قوص بقنا    أخبار مصر: حدث عالمي يشهده السيسي وبوتين اليوم، حفل جوائز الكاف، "مجلس دولي" غير مسبوق لغزة، هل يهدد "ماربورج" مصر    جبران يلتقي مدير «العمل الدولية» بجنيف ويؤكد التزام مصر بالتعاون    أسعار الفاكهة اليوم الاربعاء 19-11-2025 في قنا    طن عز بكام.... اسعار الحديد اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 فى المنيا    وزير الزراعة: حماية الرقعة الزراعية أولوية قصوى.. ولا تهاون في مواجهة التعديات    مع جورجينا وإيلون ماسك.. رونالدو يلتقط سيلفى فى البيت الأبيض    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 100 فلسطيني شمالي الخليل    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    أبرزها دولة فازت باللقب 4 مرات، المنتخبات المتأهلة إلى الملحق الأوروبي لكأس العالم 2026    طقس مستقر ومشمس في المنيا اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 وارتفاع تدريجي في درجات الحرارة    محكمة الاتحاد الأوروبي تعتزم إصدار حكمها بشأن وضع أمازون كمنصة كبيرة جدا    اليوم.. العرض الأول لفيلم "اليعسوب" بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    خبراء: الأغذية فائقة المعالجة تعزز جائحة الأمراض المزمنة    طريقة عمل كيكة البرتقال الهشة بدون مضرب، وصفة سهلة ونتيجة مضمونة    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    برنامج فعاليات وعروض أفلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي اليوم    الاتصالات: الأكاديمية العسكرية توفر سبل الإقامة ل 30095 طالب بمبادرة الرواد الرقمين    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    أكثر من 30 إصابة في هجوم روسي بطائرات مسيرة على مدينة خاركيف شرق أوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب في بداية تعاملات البورصة.. الأربعاء 19 نوفمبر    إسعاد يونس ومحمد إمام ومى عز الدين يوجهون رسائل دعم لتامر حسنى: الله يشفيك ويعافيك    بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    البيت الأبيض: اتفاقية المعادن مع السعودية مماثلة لما أبرمناه مع الشركاء التجاريين الآخرين    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يسألونك عن الدولة المدنية الحديثة «18»
نشر في البوابة يوم 27 - 12 - 2016

على مدى مقالين متتاليين تناولنا وضعية الأحزاب السياسية فى «الدولة المدنية الحديثة»، باعتبارها إحدى الأدوات الحديثة الناجعة فى مجال التنمية السياسية، ومنوط بها شق سُبل مشروعة لجريان كافة المسارات والتيارات الفكرية السياسية، بما يؤدى إلى تنشيط المشاركة السياسية، لتتسق وحيوية الحياة السياسية فى «الدولة المدنية الحديثة»، معبرة بذلك عن حتمية التعددية السياسية والحزبية داخلها.
وقياسًا على ذلك عرفنا أن أحزابنا ما زالت بعيدة عن المضمون الحقيقى لمفهوم «الحزب السياسى»، بُعدها عن دورها المتعارف عليه فى المجتمعات التى قطعت أشواطًا بعيدة فى الحكم الديمقراطى، باعتبار الأخير ركيزة أساسية فى «الدولة المدنية الحديثة»، إلى جانب العلمانية، والمواطنة، ليخضع المجتمع ككل إلى منظومة متكاملة من القيم العالمية المشتركة التى باتت عنوانًا صحيحًا لتطور المجتمعات ونموها فى الاتجاه الصحيح، باعتبار الإنسان هو المحل الأصيل لكل جهود تنموية حقيقية وشاملة ومستدامة. وفى القلب من هذه القيم: سيادة القانون، والشفافية، وحرية تداول المعلومات، وحرية الرأى والتعبير، والتداول السلمى للسلطة.
والواقع أن مفهومًا آخر ينبغى أن نعترف بحتميته فى بناء «الدولة المدنية الحديثة»، إلا أننا نعانى كثيرًا جراء غياب استراتيجية وطنية حاكمة تضبط أداءه وتحقق أهدافه، وفى الوقت نفسه لا يُعد بابًا واسعًا يمكن أن تُنتهك به قيم الأمن القومى الوطنى، ذلك أنه يمثل الإسهام الشعبى فى الحكم، بل وفى النظام السياسى ككل.
أحدثكم إذن عن مفهوم «المجتمع المدنى»، وأوجز ملاحظاتى فى هذا الشأن فيما يلي:
يعبر المجتمع المدنى عن قدرة المجتمع عن بلورة طموحاته وقيمه وأهدافه المشتركة، فى صياغة وطنية تستند إلى المصلحة الوطنية والعمل على بلوغها بعيدًا عن الدور الحكومى.
بل أنه يُعد الدور الموازن للدور الرسمى فى تسيير حركة المجتمع باتجاه التنمية، ومن ثم فإن تقوية المجتمع المدنى ينبغى أن تظل هدفًا لا يغيب عن الحكومة، إذ هو مساند ومُكمل لها وليس منافسًا تخشاه، أو مارقًا تسعى لكبح جماحه.
عن قناعة حقيقية، ووعى أكيد بأهمية المجتمع المدنى، ينبغى أن تنطلق الدولة لإيجاد فرص حقيقية لنجاح تعاونها مع المجتمع المدنى، بمختلف منظماته غير الحكومية، وغير الهادفة للربح، مع اختلاف توجهاتها، وما تموج به من اعتبارات أخلاقية أو ثقافية، وكذلك مع ما تعتنقه من رؤى سياسية، وما تحتويه من طبقات علمية، وما يشغلها من هموم تتعلق بالشأن الدينى أو الخيرى. ففى كل تلك المجالات ستجد الدولة، متى كانت «مدنية حديثة» بالفعل، الدعم الشعبى لسياساتها وممارساتها على الأرض، وعليها أيضًا أن تُقر بأحقية المجتمع المدنى فى المشاركة فى عملية صناعة القرار، باعتبار ما لديها من أدوات استشعار مجتمعية بها تتعرف على اتجاهات الرأى العام.
ما لم يتمتع المجتمع المدنى، بكافة أوجهه، بالاستقلال الحقيقى عن الحكومة، فإنه لن يؤدى ما هو منوط به من أدوار مجتمعية بالغة التنوع، ومن ثم على الحكومة أن تجد سبيلًا إلى ضبط أداء منظمات المجتمع المدنى، وإخضاعها لسيادة القانون، دون أن تنزع عنها حقوقها فى العمل بحرية داخل المجتمع، وإطلاق ما بها من طاقات لتبدع متحررة من محددات وضغوطات العمل الحكومى الرسمى.
لا ينمو مجتمع مدنى فعال إلا بعد تهيئة المجتمع لقبول أدواره ومسئولياته، ومن ثم فعمليات الطعن والتخوين والتشهير ببعض الفاسدين الذين اتخذوا من منظمات المجتمع المدنى سبيلًا للتربح غير المشروع، لا ينبغى أن تنسحب على رؤية الدولة ككل للمجتمع المدنى بأسره، فنحطم ما به من قيم مجتمعية كالتطوع والمشاركة والتعاون، إذ هى أمور تدفع بالقطع عجلة الإنتاج فى المجتمع.
دون مجتمع مدنى قوى، لا يمكن أن تنهض الدولة بكافة المسئوليات المنوطة بها فى كل المجالات الخدمية، الصحة والتعليم والنقل والرعاية الاجتماعية وغيرها. يحدث ذلك فى كافة المجتمعات، الغنية والمحدودة الإمكانات، بل إن قوة المجتمع المدنى واتساع دوره المجتمعى وفعاليته، ترتبط كثيرًا، وبشكل طردى، مع قوة الدولة. ولنا هنا أن نشير إلى قوة المجتمع المدنى فى الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا وغيرهما من المجتمعات التى رسخت بالفعل مفهوم «الدولة المدنية الحديثة».
وإن كان المجتمع المدنى يخرج بالتأكيد عن المجتمع السياسى، إلا أنه شديد الصلة بكل ما من شأنه تهيئة المجتمع، بكافة مكوناته الشعبية المتباينة الاتجاهات، للانخراط بفعالية فى الحياة السياسية، فلا دور يمكن أن ننتظره من مجتمع لم يجد بعد سبيلًا إلى التعبير عن استعداده للتعاون والتطوع لتقديم خدمات عامة تعتنى بالمصالح الوطنية عمومًا.
منظمات المجتمع المدنى، رغم أنها غير سياسية، إلا أنها بالقطع تستهدف التأثير على السياسات العامة التى تتبعها الدولة، سواء فى الصحة أو التعليم أو الرعاية الاجتماعية أو فى السياسات الاقتصادية، تجارية كانت أو صناعية أو زراعية، أو حتى فى مجال الخدمات. وذلك من خلال الحركة النشطة والواعية التى تنهض بها النقابات والتجمعات التى تستهدف بشكل أصيل تطوير المهنة، وحماية مصالح أبنائها. وبالتالى نجد أن كثيرًا من القوانين فى «الدول المدنية الحديثة» تُطرح أولًا فى حوار مجتمعى مفتوح يستهدف بالأساس الوقوف على اتجاهات أبناء المهنة أو الطبقة التى يستهدفها القانون، وتؤخذ تلك الاتجاهات والتفضيلات فى الحسبان عن وضع القانون، بل ويتجه البرلمانيون إلى استطلاع رأى المعنيين بالأمر فى دوائرهم، سواء بشكل فردى أو من خلال منظمات المجتمع المدنى المعبرة عنهم، قبل مناقشة القانون المتعلق بهم داخل قاعات البرلمان. ولا شك أن مصر تخطو خطوات جادة فى هذا المجال، وإن كانت غير كافية، وما زالت بحاجة إلى مزيد من الشفافية والجدية.
يُعلى من مدى إسهام المجتمع المدنى فى تنشيط الحياة السياسية أن نُشير إلى أن الكثير من الأحزاب فى العالم نشأت من رحم المجتمع المدنى، ومن أهمها حزب العمال البريطانى على سبيل المثال، إذ نشأ من النقابات العمالية، والأكثر من ذلك أنه وجد ضالته المذهبية فى جمعية فكرية، «الجمعية الفابية»، التى أنشئت عام 1884 لتنشر المبادئ الاشتراكية بالوسائل السلمية، وكان «جورج برنارد شو» من أشهر روادها الفكريين. ومن ثم فدور المجتمع المدنى بالغ الأهمية فى تنشيط حركة المجتمع باتجاه بناء حياة سياسية متطورة، تحمل كافة التيارات الفكرية، وإن كان المجتمع المدنى فى حد ذاته لا يُعد أحد مكونات المجتمع السياسى كما أسلفنا.
التوازن الذى يُحدثه المجتمع المدنى فى مقابل سلطة الدولة هو معيار أصيل فى بناء «الدولة المدنية الحديثة»، وبدونه تبدو الشمولية السياسية شديدة الوطأة على خطواتنا على طريق التحول الديمقراطى، بما لا يجعل المجتمع ككل مرشح بجدية للنجاح فى جهوده نحو إرساء قيم ومبادئ «الدولة المدنية الحديثة». غير أنه طبيعيًا أن تعانى الدول الناشئة ديمقراطيًا جراء افتقادها أدوات وآليات ضبط حركة المجتمع صوب مصالحه الوطنية العليا، إذ ما زالت أركان «الدولة المدنية الحديثة» لم تكتمل بعد، ومن ثم تبدو جبهة المجتمع المدنى سهلة الاختراق فى إطار عملية الصراع الدولى المستمر. وعليه تقع على الدولة مسئولية إحكام قبضة سيادة القانون على منظمات المجتمع المدنى، دون أن تصطدم بالقيم والمعايير العالمية. فليس غريبًا أن ينهض المجتمع المدنى على التبرعات والهبات، فى الداخل والخارج على السواء، لكن «الدولة المدنية الحديثة» متى رسخت أوتادها، تمكنت الدولة من سد الكثير من الثغرات أمام فساد منظمات المجتمع المدنى، ومجابهة محاولات اختراقها، من الخارج والداخل على السواء، لتحقيق مصالح تتنافى وجوهر مفهوم المجتمع المدنى، وهو ما لم نبلغه بعد، ولنا فيه حديث يمتد إلى الأسبوع المقبل بإذن الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.