استوقفتني الدعوة التي أعلنها الرئيس في خطابه الذي ألقاه في ذكرى المولد النبوي، أنه سبق وجهها إلى وزير الأوقاف لتكوين لجنة من كبار علماء الاجتماع والنفس والأخلاق والدين لوضع خطة مدروسة لصياغة فهم صحيح للدين وتجديد الخطاب الديني. البعض سوف يسأل ما هو دور علماء النفس في تجديد الخطاب الديني؟ الدور كبير جدًا، وله عدة محاور وآليات، ولكني سوف أركز على حوالي 4 نقاط منها غسيل المخ مهارات التواصل والإقناع لدى الدعاة الجدد مواجهة الحرب النفسية والشائعات بأسلوب علمي تحليل شخصيات الإرهابيون الجدد هناك علم اسمه علم نفس الأديان religion psychology في 1950 بدأ عالم النفس الشهير جوردون ألبورت البحث في موضوع الفرد ودينه، وعلم النفس الديني دخل مرة أخرى في مجال علم في الفترة بين 1960 و1970 وبدأ يأخذ منحى مختلفًا ومدارس مختلفة في علم النفس السلوكي والإنساني وانعكاسه على شخصية الإنسان. حاليا، هناك عودة مرة أخرى في البحث في سيكولوجية الدين والأسئلة التي تنشأ بشأن الدور الذي تلعبه الروحانية والدين ليس فقط في مجال الصحة النفسية ولكن أيضا في مجال الطاقة الإيجابية والنفسية الإيجابية ووهو مجال حيوي. باختصار هو دراسة انعكاس الأديان والروحانيات علي الطاقة الايجابية للفرد. هل يركز الدعاة في خطابهم الديني على سعادة الفرد وكيفية بث الطاقة الإيجابية والأمل. للاسف الخطاب السائد لم يستطع تفعيل هذه النقطة فما زال الخطاب الديني يعتمد على بعض القصص القديمة والنوادر والحكاوي التي لا تستطيع الارتقاء بفكر الشباب وجذبهم. المدارس الحديثة في علم نفس الأديان بدأت تحلل كتاب إحياء علوم الدين للغزالي وكتاب الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري وقالت انها اول كتب اسلامية تحدثت عن علم النفس، ورصدت أيضا العديد من كتب الصوفية. هل يتناول الدعاة هذه الكتب أم يتناولون كتب الوهابية البعيدة عن أي روح أو إنسانيات؟ كل ما نطرحه من أسئلة يدور في فلك مهارات التواصل والاقناع للدعاة، الدعاة يحتاجون إلى دراسة علوم جدد وخاصة علم نفس الأديان. نأتي إلى النقطة الأخرى وهي غسيل المخ أو المصطلح الأكثر حداثة وهو إدارة الوعي انها مصطلحات مخابراتية وعلوم مخابراتية .البعض سوف يقول لماذا يهتم الدعاة بهذه المصطلحات والعلوم، الإجابة أنها تلزمهم في حربهم ضد الارهاب ومساعدتهم علي تقليل عدد الشباب الذين ينضمون إلى التنظيمات الإرهابية .لأن غسيل المخ لا يتم مواجهته إلا عن طريق الفكر وبخطاب ديني متطور. مراحل غسيل المخ تمر بعدة مراحل. في أواخر 1950، ودرس عالم النفس روبرت جاي ليفتون السجناء السابقين من الحرب الكورية وحرب المخيمات الصينية. وقرر أنهم خضعوا لعمليات غسيل المخ ورصد عمليات الغسيل التي تبدأ بالتعذيب والحرمان من النوم والاكل والحرمان الحسي وجعلهم يستمعون إلى جمل مكررة ثابتة. تبدأ المرحلة الأولى بكسر النفس وصولا لمرحلة السمع والطاعة . تطور هذا الأسلوب وأصبح يعتمد علي أسلوب متطور وهو إدارة الإدراك perception management وهو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي في نشر أفكار معينة ورسائل معينة وهذه نبذة بسيطة هذه نبذة بسيطة عن إدارة الوعي الجمعي.perception management ويتم استخدام أحدث وسائل وغسيل والمخ واللعب على العقل الجمعي وإثارة الرأي العام ويتم استخدام الدعايا والإعلام والمشاهير والأفلام والمسلسلات والصحف والمواقع الإلكترونية لتوجيه الرأي العام لمعلومة محددة وهدف معين وليس خفيًا سيطرة المخابرات الأمريكية والموساد وعلاقتها الوثيقة بصناع الإعلام وصناع الأفلام الوثائقية في هوليوود عكف أغلب الباحثين والعلماء فى مجال علم النفس السياسى على التحليل النفسى للمنظمات الإرهابية وتنظيمات الإسلام السياسى خاصة الإخوان والقاعدة والسلفيين ومحاولة المقارنة النفسية بينهم وبين المنظمات الإجرامية كالمافيا الإيطالية والروسية، وكيف تختار هذه المنظمات رجالها وأفرادها، وهنا سوف نحاول أن نقرأ هذه الظاهرة فى ظل المستجدات الطارئة على التركيبة النفسية والتنظيمية لهذه التنظيمات على العموم وتنظيم داعش على وجه الخصوص. اختيار الأفراد تغير منذ بداية القرن الواحد والعشرين فكرة اختيار الأفراد لانضمامهم لهذه المنظمات وأصبح مبنيا على أسس علمية، وتدخل علماء وأطباء نفس ينتمون فكريا لهذا المنظمات ولديهم القدرة على استخدام أحدث أساليب المخ وهناك مجموعة من أطباء النفس تم شراؤهم ماديا عن طريق هذه المنظمات بجانب أجهزة مخابرات. معايير الاختيار لم يعد عنصرا الفقر والجهل هما معيار الاختيار لقد انتهى هذا وأصبح عنصرا التعليم والغنى هما المعيار الآن والنموذج لهذا أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى ومحمد عطا والآن داعش، فأغلب الشباب الذين يتم اختيارهم على درجة عالية من التعليم وإتقان العديد من اللغات مع الوضع المادى الجيد ولكنه يخترق هؤلاء الشباب عن طريق ضحالة أو غياب الثقافة الدينية لديهم، بجانب استخدام المخدرات والجنس فى ترغيب الشباب فى الانضمام إليهم. وكذلك يستغلون الذكاء الاجتماعى لدى هؤلاء الشباب وقدرتهم على جذب أشخاص للانضمام إليهم وعمل شبكات واسعة ودوائر اتصالات كبيرة. ولع هؤلاء الشباب بالمغامرة والعنف والتحرر من القيود فهناك اختبارات نفسية حديثة تحدد الشخصية المغامرة بسهولة. اختيار شخصيات سيكوباتية ضد المجتمع ليس لديهم اهتمام بمشاعر الآخرين ويتلذذون بتعذيب الآخرين. اختيار شباب فاقد للهوية أو الانتماء ويحتاج إلى الانتماء إلى أى كيان حتى لو كان هذا الكيان تخريبيًا. كيفية التوظيف هناك قادة وأتباع القادة يتم تدريبهم على يد أجهزة المخابرات ويأخذون كورسات مختلفة عن الأتباع والقادة يتم اختيارهم عن طريق اختبارات نفسية عديدة والتعرض للعديد من المواقف تحت الضغط وكيفية التخلص منها بجانب الولاء الشديد للفكرة والاقتناع به غسيل المخ هو ما يتم التعامل به مع الأتباع ومن يفشل يتم التخلص منه وتصفيته معنويا وجعله يصل لمرحلة الانتحار أى يتخلص من نفسه بنفسه وهذه طريقة جديدة للتصفية فلم تعد هذه المنظمات تعتمد على طريقة التصفية الجسدية التى تستهلك وقتا ومجهودا وتجعل المنظمة قابلة للاختراق لأن أى جريمة قتل يتم التحقيق فيها أما جرائم الانتحار فتغلق سريعا. هذا تلخيص لما ذكرته دراسة التناول الإعلامى والتحليل لداعش والمنظمات الإرهابية فى ورقة بحثية أجراها أستاذ علم نفسى سياسى فى جامعة بيركلى وخبير متخصص فى شئون الإرهاب والأمن القومى ومحلل سابق فى المخابرات الأمريكية فى شئون الشرق الأوسط على التناول الإعلامى والتحليل النفسى لداعش من عام 2013-2014 وقد رفعت الدراسة تقريرًا مكونا من 1400 صفحة للبيت الأبيض والكونجرس، فالدراسة رصدت واخترقت داعش لكنها لم توضح كيفية الاختراق وتم التلميح إلى أنه تم الاختراق عن طريق تتبع نشاطات وتقارير مجموعة من عملاء المخابرات الأمريكية والعربية فى دول الخليج وبعد ذلك تم تحليل هذه التقارير بالدراسة ولم تذكر التفاصيل الدقيقة ولكنها اكتفت بنشر ملخص التقرير فى حوالى 10 صفحات. من ضمن توصيات الدراسة كانت المطالبة بتطوير الفكر الديني للشباب في العالم لأن الدين الحقيقي هو من يمنع الإنسان من العنف ونشر الأكاذيب والشائعات وأن يصبح إمعة وتابع، الدين الحقيقي يخلق القائد والمجتهد النقي.