“,”دولة الألتراس: أسفار الثورة والمذبحة“,” .. عنوان أحدث مؤلفات الكاتب الصحفي د. ياسر ثابت، وفيه يتناول تفاصيل قصة روابط المشجعين في مصر، منذ نشأتها مرورًا بالمواجهات التي خاضتها مع أجهزة الأمن طوال سنوات عدة، ووصولاً إلى مذبحة استاد بورسعيد، والتطورات الدرامية التي تلت تلك الكارثة التي تابعها ملايين المشاهدين على الهواء. يقول المؤلف في مقدمة كتابه الصادر عن دار اكتب إن أهمية تلك التجربة التي جمعت بين الرياضة والسياسة، تنبع من عدة عوامل، استدعت توثيقها ورصدها، ليس فقط لأن الألتراس أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من المشهد الكروي والاجتماعي والسياسي في مصر، بل وجزءًا من نسيج الحركة الوطنية التي تتفاعل مع الأحداث وتشارك في تشكيلها، وإنما أيضًا لأن تجربة الألتراس في مصر حفرت عميقًا في ذاكرة المصريين ونفوسهم، رغم سنوات عمرها القليلة نسبيًا. والشاهد أن ظهور الألتراس في مصر عام 2007 قوبل بهجومٍ وانتقادات من قبل الإعلام الرياضي، الذي اتهم تلك المجموعات بالتعصب وتشويه الروح الرياضية، والتسبب في كثير من الصدامات بين مشجعي الأندية. ولم يختلف الحال كثيرًا مع أجهزة الأمن. فمنذ اللحظة الأولى، نظرت تلك الأجهزة إلى الألتراس بعين الريبة، واعتبرتهم تهديدًا لها، إما بسبب خشيتها من أن تؤجج مجموعات الألتراس العنف في الملاعب، أو نتيجة لقدرة الألتراس الكبيرة على الحشد والتنظيم، وإمكانية استغلال تلك القدرة في عالم السياسة. ونتيجة للتضييق الذي تعرضت له في المباريات من قبل الأمن بمنعها من إدخال أدوات التشجيع، من قبيل الأعلام واللوحات الضخمة وغيرها، أطلقت مجموعات الألتراس لقبًا موحدًا على قوات الأمن وهو (ACAB) أيAll Cops Are Bastards ، وهي جملة تعني أن كل رجال الأمن أوغاد، باعتبارهم العدو الأول للألتراس. كلام شوبير .. نقطة فاصلة ويروي المؤلف كيف أن حديث أحمد شوبير بشكل سلبي عن الألتراس في حلقة من برنامجه الرياضي في مطلع عام 2009، كانت نقطة فاصلة، إذ شنت أجهزة الأمن عقب الحلقة مباشرة حملة اعتقالات ومداهمات لمنازل أعضاء الألتراس قبل مباراة الأهلي والزمالك في يناير 2009. احتجز الأمن قيادات الألتراس في أقسام الشرطة ليلة مباراة الأهلي والزمالك، حبسًا احتياطيًا، ووقّع البعض منهم على إقرارات بعدم الذهاب إلى الاستاد من أجل الخروج من الحجز، ومن بقي منهم إما هرب إلى مكان بعيد أو ذهب إلى الاستاد متخفيًا في ملابس غير رياضية. ويقدم الكتاب توثيقًا مهمًا للدور المحوري الذي لعبته جماعات الألتراس سواء “,”ألتراس أهلاوي“,” أو “,”وايت نايتس الزمالك“,” خلال أيام ثورة 25 يناير، ويقول إن الألتراس شاركوا ببسالة منقطعة النظير في التعامل مع أجهزة الأمن، وسحب نطاق اهتمام أفراد الأمن وتركيزهم إلى أماكن وشوارع فرعية، وذلك لإنهاكهم وتشتيتهم حتى يمكن فتح وإخلاء الطرق المؤدية إلى الكعكة الحجرية في قلب ميدان التحرير، ويتاح للعالم ولمصر الإطلالة على الاحتجاجات وسعي مصر الشابة للخروج من نهايات النفق المظلم لجمهورية الخوف. “,”الألتراس حماة الثورة“,”.. لقبٌ جديد أضيف إليهم عقب ثورة 25 يناير لحضورهم الفعال في ميدان التحرير، واحتلالهم الصفوف الأولى في مواجهة قوات الأمن، ودورهم الواضح والمؤثر في “,”موقعة الجمل“,” التي حصلت في 2 فبراير 2011. فقد وقف شباب الألتراس يحرسون مداخل ميدان التحرير، من ناحية وسط البلد، مثل شوارع محمد محمود وقصر العيني، وهو الجانب الذي لم تسلط عليه الكاميرات لانشغالها بالمعركة الأكبر في مداخل عبدالمنعم رياض. وكان ل“,”الألتراس“,” دور مشهود، عندما صنعوا بأجسادهم دروعًا بشرية لحماية المتظاهرين من هجوم البلطجية بالجمال والخيول في محاولة لتفريق الحشود داخل الميدان بالقوة. ومنذ ذلك الحين، تحولت ظاهرة الألتراس في مصر من ظاهرة رياضية تجمع مشجعي الأندية الرياضية وترغب في مساندة فرقها، إلى ظاهرة سياسية بامتياز. واكتسبت المنافسات الرياضية نكهة سياسية واضحة، ليس فقط بين الجماهير بعضها البعض، بل بين مجموعات الألتراس المختلفة من ناحية، وقوات الشرطة المصرية من ناحية أخرى. وظهرت مجموعات الألتراس في العديد من الأحداث السياسية في مصر اعتبارًا من عام 2011، حيث شاركت في حماية أسر الضحايا أثناء محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك، وكان لها دورٌ بارز في العديد من التظاهرات المليونية، أبرزها مليونية 9 سبتمبر. ولعب الألتراس دورًا كبيرًا في المظاهرات التي تجددت في ميدان التحرير ابتداءً من يوم 19 نوفمبر 2011، واحتلوا الصفوف الأمامية في مواجهة قوات الشرطة والأمن المركزي. وفي أحداث شارع محمد محمود، التي وقعت في نوفمبر 2011، توفي شهاب الدين، من ألتراس “,”وايت نايتس“,”، كما لقي محمد مصطفى، أحد أعضاء “,”ألتراس أهلاوي“,”، حتفه في أحداث مجلس الوزراء. دماء ذكية أريقت ظلمًا يحكي الكتاب قصة الألتراس في مصر على لسان كثير من أبطالها وشهود تفاصيلها، والأسفار التي مرت بها تلك الروابط على امتداد خارطة المحروسة. ويرى ياسر ثابت أن الألتراس يمثلون واحدة من القوى القليلة المنظمة على الساحة المصرية الآن، وبالتالي فإن هذا الثقل دفع خصومهم إلى العدول عن مواقفهم ومراجعة آرائهم حيال روابط خرجت من رحم ملاعب كرة القدم، لتعلن ميلادها الفاعل في شوارع مصر وميادينها. ومع أنه من المتعذر التزام الحياد في حالة ترتبط بالحماس وكرة القدم والثورة والمذابح والمطالبة بالقصاص، فقد حاول المؤلف التزام الموضوعية قدر الاستطاعة، وحرص على اتباع أسلوب التوثيق، حتى يكون هذا الكتاب مرجعًا ينال مكانه ومكانته في المكتبة العربية. يتناول الكتاب في أحد أهم فصوله، تفاصيل دماءٍ زكية أريقت ظلمًا وعدوانًا، مساء يوم الأربعاء الموافق 1 فبراير 2012، ورحلة المطالبة بالقصاص من الأيدي المنفذة والعقول المدبرة لمذبحة استاد بورسعيد التي أوجعت قلوب المصريين جميعًا. ونتابع عبر صفحات الكتاب تفاصيل إصرار مشجعي “,”ألتراس أهلاوي“,” على القصاص وتطبيق العدالة في محاكمة استاد بورسعيد، وصولاً إلى صدور الحكم في جلسة 9 مارس. ولا يخفى على أحدٍ محاولات الاستقطاب التي تتعرض لها جماعات الألتراس، بقصد احتوائها وتحريكها في اتجاهاتٍ بعينها، خاصة في ظل المعلومات والتقارير التي تتحدث عن محاولات أسلمة هذا التيار المستقل من مشجعي كرة القدم. الأكيد أن مصر شهدت تدريجيًا ظهور مجموعات حاولت الربط بين الألتراس وقوى وأحزاب الإسلام السياسي، وسعت إلى إخضاع مستقبل الألتراس لتجاذبات ذلك التيار. ويروي الكتاب تفاصيل مساعي حركة “,”حازمون“,” لاستقطاب أعضاء “,”وايت نايتس“,” الزمالك، ومساعي قيادات في جماعة الإخوان لاستقطاب عناصر م “,”ألتراس أهلاوي“,”. غير أن مدى نجاح تلك المساعي يظل بحاجةٍ إلى مزيد من الوقت للحكم على مدى نجاحه أو فشله، في وطنٍ يعيش مرحلة إعادة ترتيب البيت من الداخل وإعادة رسم التحالفات في ضوء التغيرات المتلاحقة التي نصحو على وقعها في مصر كل صباح. ولعل الصراع الدائر بين تياريّ الإسلام السياسي والمدني لاستقطاب روابط الألتراس، هو أبرز التحديات التي ينتظر أن تواجهها حركات الألتراس في مصر خلال الفترة المقبلة. يقول د. ياسر ثابت إن آخر ما يهدف إليه هذا الكتاب هو أن يسبغ على شباب الألتراس صفات ملائكية، أو تحويلهم إلى شياطين، لكن أول ما يدعو إليه هو نزع الأساطير المؤسسة عن تلك الروابط، والاقتراب بشكل هادئ من أفكارها، قبل شن حرب الاتهامات والصور الذهنية الزائفة عن المنتمين إليها. هذا الفهم ضرورة وليس ترفًا بأي حال من الأحوال، حتى يكون الرأي المنصف عنوانًا للحقيقة ولا شيء سواها. ويرى أن أبناء مجموعات الألتراس، يستحقون أن نسمعهم، لا أن نمنعهم. بل إنه ينبغي أن نحاورهم وندرس شؤونهم وشجونهم ونوظف طاقاتهم الشبابية على النحو الأمثل؛ لأنهم إذا تُركوا دون أن ينصت إليهم أحد سوف تعاني مصر مشكلات وأزمات تتدحرج مثل كرة اللهب.