شهدت ندوة "موعد مع التاريخ" التي أقيمت بجناح "السيلا"، بمعرض الجزائر الدولي للكتاب في دورته ال 21، العديد من المداخلات والشهادات التاريخية عن الثورة الجزائرية والتي توافق موعد الندوة مع ذكرى اندلاعها في أول نوفمبر من كل عام، مشيرين إلى أن عام 1956 كان منعطفا مفصليا في مسار العمل التحرري، ونقلت القضية الجزائرية إلى مرحلة أشمل وأكثر تنظيم، حيث شهد انعقاد مؤتمر الصومام وإضراب الطلبة وانتقال الحرب إلى المدن. وفي بداية الندوة تحدث المؤرخ محمد القورصو عن دور عبان رمضان الناشط السياسي والقائد الثوري الجزائري، وتأثيره القوى بعد مجيئه بمفهوم جديد يقوم على التنظير وضبط مفهوم جبهة التحرير بأنها ليست امتدادا للأحزاب السابقة، بل تمثل مشاغل الشعب، مطلبها الاستقلال، وراءها قاعدة شعبية تنصهر فيها كل الأطياف. واعتبر القورصو سنة 1956 منعطفًا هاما في الثورة الجزائرية، فيها نظمت صفوف جبهة التحرير ليكون ذلك عاملا لنجاح الثورة. وأضاف القورصو: "عبان رسخ فكرة ضرورة مواصلة الكفاح مع فتح المفاوضات، الحرب النفسية التي انتهجتها الجبهة لعبت دورا هاما، رغم أن العديد من المؤرخين يغفلون ذلك". ومن جانبه تحدث الباحث الدكتور مليكة رحال عن وموقف اليسار الفرنسي سنة 1956 الذي كان يضم أطرافا داعمة للجزائر الحرة، قائلًا: "لم يكن صوت المناهضين للاستعمار كبيرا داخل الأحزاب الفرنسية، لكن الفترة تعتبر انتقالا في الحرب التحريرية، حيث استثمر الجانب الفرنسي أكثر في الحرب والقمع، بالموازاة نضج الجانب الجزائري بظهور الحرب الشاملة التي دعمتها العمليات داخل المدن". واعتبر الباحث الدكتور رابح لونيسي مؤتمر الصومام - الذي يُعد أهم اجتماع وطني لقادة الثورة التحريرية الجزائرية خلال مرحلة الكفاح المسلّح، وكان انعقاده ضرورة مُلّحة لتقييم المرحلة الأولى من الثورة المسلّحة – عاملًا مهما في توحيد الصفوف، وأنه النواة الأولى للدولة الوطنية، مضيفًا: "عبان فتح الباب أمام الكفاءات والعلماء، لقد كان يقول دائما أنها ثورة امة". وأوضح لونيسي أن دلالة عبارة الأولوية للسياسي على العسكري لا تقصد الأشخاص وصفاتهم، بل للفعل وأن الأسبقية هي للعمل السياسي قبل المسلح. وشرح لونيسي فكر الشهيد عبان رمضان المبني على مبدأ "عملية واحدة في المدينة خير من مائة في الجبل"، وأضاف: "رغم الخسائر العسكرية التي وقعت في المدينة، كان عبان محقا لأن هذه الأخيرة فرضت على ديجول التفاوض". ومن جانبه أشار الباحث عامر محند أعمر إلى أن عام 1956، زمن انتقال القضية الجزائرية إلى العالمية، ومرحلة انفتاح جبهة التحرير على الكفاءات، أما المؤرخ محمد عباس، فأكد أن ثورة التحرير انطلقت بفضل قياداتها، قاعدتها، خططها، ومبادئها. كما تحدثت المحامية الفرنسية ماري كلود خلال اللقاء عن تجربتها في المرافعة عن المعتقلين الجزائريين إبان الاستعمار، وأوضحت أن فرنسا سخرت القانون لكي لا تستقل الجزائر. وأضافت: إن كل الجزائريين أو الأوربيين الذين نادوا بالاستقلال أدينوا بصفة آلية، وأن الأمور ساءت عندما أعطيت الصلاحية لحجز أي مشبوه لفترة غير محددة، هنا حسبها خلق تجاوزات مروعة ليتعقد الوضع مع ظهور أماكن تعذيب المشتبهين بباريس، ونقل المحاكمات إلى المحاكم العسكرية، هنا حسبها أصبح من الصعب تفادي الإعدام، ولجأ الحقوقيون إلى المقاومة بأساليب جديدة، لمحاولة تأخير تنفيذ الحكم، أملا في أن تستقل الجزائر وينجو هؤلاء.