تاجر البساتين: كيلو الطماطم ب65 قرشًا طبيب الفقراء: الكشف ب3 جنيهات.. والعملية مجانًا جزار السيدة: أى لحمة ب50 جنيهًا نساء ضد الاستغلال: خليك نباتى قطار الأسعار يسير بكل سرعته، يدهس كل من فى طريقه من الفقراء ومتوسطى الدخل.. استغلال متواصل من التجار لأى أزمة حتى يرفعوا الأسعار لتصبح كالنار التى تحرق الجيوب والقلوب، ولم تتمكن أى أسرة من النجاة منها.. لكن هناك جنودًا مجهولين، سخروا جهدهم ومالهم وأوقاتهم، من أجل مساعدة المواطنين على تجاوز الأزمات المتلاحقة، ليكونوا عونًا لهم فى مواجهة جنون الأسعار المتزايد. فهؤلاء سيدات قاومن غلاء الأسعار بحيل ذكية، لإنقاذ بيوتهن من الحرمان.. وهذا طبيب استشارى يعالج مرضاه مقابل 3 جنيهات فقط، ويصرف لهم الأدوية مجانًا.. وذاك بائع خضروات يبيع الكيلو مقابل 65 قرشًا، رأفة بحال المواطنين.. وآخر يبيع اللحوم مقابل نصف السعر فقط، ليتمكن الفقراء من تذوق طعم اللحوم.. وشباب طوروا تطبيقات ذكية، تسهل على الناس الوصول إلى أرخص الأماكن. البعض يتخوف من الشراء وزملاؤه غاضبون تاجر يحطم الأسعار: كيلو الطماطم ب65 قرشًا فى سوق البساتين.. و«الرزق على الله» نداءات تعلو فى سوق الخضروات والفاكهة «يلا الخيار الصابح.. قربى يا مدام اتفرجى يا حاجة.. منور يا خضار»، رجال وسيدات ينتقون من بين المنتجات ليشتروا أفضلها، ولافتات كتب عليها أسعار البضائع، بعدما ازدادت أسعارها.. هذا هو الحال فى معظم أسواق الخضروات والفاكهة.. لكن أحد التجار اختار أن يبيع بضاعته بسعر زهيد، تحديًا لارتفاع الأسعار. محمود عبدالعظيم - 36 عاما - أحد بائعى الخضروات فى سوق البساتين العمومية، يرى يوميًا معاناة المواطنين بسبب ارتفاع الأسعار، ففى الوقت الذي تباع فيه الطماطم بأسعار قد تصل إلى 6 جنيهات للكيلو الواحد، فقرر هو أن يبيع الطماطم بسعر 65 قرشًا للكيلو، وهو ثمن بخس يكاد يغطى تكاليف زراعتها ونقلها، حسبما يحكي: «مكسبى فى الكيلو قروش، وممكن ميكونش فيه مكسب أصلًا، لكن مش مهم الربح، المهم أن الناس متعانيش بسبب الأكل اللى هوا أهم حاجة فى حياتهم». تباينت ردود أفعال الزبائن، فمنهم من يتعجب من السعر، ومنهم من يخشى أن الطماطم قد تكون فاسدة أو بها مواد مضرة بالصحة، فيما اتجه آخرون إلى شكر «عبدالعظيم» وتحيته على بيعه الطماطم بسعر زهيد: «فيه ناس بقت بتيجى تشترى مخصوص من عندى، وفيه ناس تانية بتخاف تشترى لأكون ببيع حاجات بايظة، لكن أنا منتجاتى كلها كويسة ومفيهاش أى حاجة». حرب شرسة يتعرض لها «عبدالعظيم» من قبل التجار المنافسين له فى السوق، بسبب إقبال الزبائن على بضاعته وإعراضهم عن بضاعة بقية البائعين، الأمر الذى دفعهم إلى محادثة «عبدالعظيم» من وقت لآخر، لحثه على البيع بأسعار مقاربة لهم، حتى يتمكنوا من بيع بضاعتهم: «التجار كل يوم يكلمونى ويطلبوا منى أبيع بسعر السوق، عشان الناس تشترى منهم، لكن أنا هفضل أبيع بسعر رخيص عشان حرام نبقى كلنا على الزبون». يرى «عبدالعظيم» أن غالبية التجار يبالغون فى أسعار الخضروات والفاكهة، ليحصلوا على مكاسب أكبر، موضحًا أنه رغم ارتفاع أسعار السماد والرى والنقل، إلا أن التجار يرفعون الأسعار بشكل مضاعف، مستغلين الأخبار التى تنتشر بين الناس عن غلو المنتجات الغذائية: «لما السماد والرى يكلف المزارع جنيه واحد زيادة، التجار يرفعوا الأسعار 4 جنيه مرة واحدة، وبيستغلوا عدم وجود رقابة على الأسعار، وإن الناس مبتعترضش على السعر العالي». «توفير دوت كوم».. أشهر التطبيقات «بكام فى مصر».. التكنولوجيا فى مواجهة «جنون الجنيه» سخروا التكنولوجيا لصالح المجتمع، استغلوا التطبيقات لمساعدة المواطنين، حاربوا الأسعار التى تقف فى مقدمة صاروخ ينطلق فى عنان الزيادة المستمرة.. ظهروا كمحاربين مجهولين يتصدون لارتفاع مجنون فى الأسعار.. جنود استغلوا التكنولوجيا والإنترنت كسلاحين نافذين للوصول إلى أكبر قدر ممكن من أفراد المجتمع. «بكام فى مصر»، «فلوسى فين»، «يا قوطة» و«توفير دوت كوم».. مجموعة تطبيقات انطلقت كالسهم تنتشر على الهواتف المحمولة، لمساعدة المواطن فى الوصول لأرخص الأسعار، وأماكن طرحها، عبر جهد كبير وقاعدة بيانات تتسع لمزيد من الأفكار والمعلومات تتجدد يوميًا بشكل مستمر حسب آخر بيانات أكبر الأسواق، وتقارنها بالأسعار الحكومية التى تفرضها وزارة التموين، لكن لا يلتزم بها إلا قلة من التجار الشرفاء بين الكثير ممن يستغلون زيادة الأسعار لصالحهم. أحدث التطبيقات «يا قوطة»، الذى أطلقته مجموعة من المبرمجين الشباب، لمساعدة المصريين على المقارنة بين الأسعار المختلفة للمنتجات «اخترنا اسم يا قوطة، عشان له معنى خاص عند المصريين، فأسعار الطماطم مجنونة، كما هو الحال مع الأسعار الآن»، هكذا يوضح التطبيق الجديد، الذى تخصص فى طرح أسعار الخضروات، وأماكن بيعها عبر موقعه الإلكترونى. إمكانات مختلفة توفرها التطبيقات، التى تزايدت أعدادها خلال الفترة الأخيرة، بعضها يختص بالمنتجات والسلع المعمرة، والآخر عن أسعار الخضار والفاكهة، كما هو الحال مع تطبيق «بكام فى مصر»، فيما تحاول تطبيقات أخرى مساعدة المستخدم على وضع ميزانية واضحة للمشتريات، والتحكم فيما يتم صرفه منها. ردود الفعل من المواطنين على التطبيقات وتحديدًا يا قوطة جاءت إيجابية واعتبروه موفرًا للوقت والجهد ويضم قاعدة بيانات ضخمة، ويقارن بين أكثر من موقع على الإنترنت للوصول إلى الموقع المثالى بسرعة أكبر ويخبرك بأقرب مكان إليك يمكن أن تحصل منه على ما تبحث أيًا كان هو. أما السيدات وخاصة الأمهات منهن، اللاتي تكثر متطلبات حياتهن مع كل طفل جديد ينضم لأسرتهن، وجدن بغيتهن فى «فلوسى فين» و«بكام فى مصر»، فهو محاولة جيدة للتوفير جيدة، وأصبحت المسألة أكبر من مجرد العثور على أماكن تبيع المنتجات بأسعار أقل، ففى الوقت الذى تختلف فيه أسعار السلع من بائع لآخر دون ضابط، تختلف أيضًا الجودة دون عقاب واضح للمخالفين، فالتطبيق يشعر السيدات بالأمان والراحة بعد أن يتأكدن أن المكان الذى عثرن عليه هو الأفضل، والأكثر جودة، والأقل سعرًا. فى منطقة السيدة زينب جزار يذبح الأسعار: أى لحمة ب50 جنيهًا.. و«مش حمير» «خلاص بطلت اللحمة خلاص هاكل فراخ».. كلمات غناها المطرب شعبان عبدالرحيم، تعبيرا عن أزمة ارتفاع أسعار اللحوم التى تضرب مصر منذ سنوات، حتى وصل سعر الكيلو إلى أكثر من 100 جنيه.. لكن أحد الجزارين رفع شعار «الناس هترجع تاكل لحمة من تاني». ممدوح الوردانى، جزار يعيش فى منطقة السيدة زينب، يشاهد يوميا معاناة المواطنين أثناء شراء اللحوم، بسبب ارتفاع أسعارها، واستغلال التجار لارتفاع أسعار المنتجات الغذائية، بالإضافة إلى عدم معرفة مصدر الكثير من اللحوم الموجودة بالأسواق، وانتشار أخبار العثور على لحوم حمير فى المطاعم والمجازر. «الورداني» حارب غلاء الأسعار بطريقته الخاصة، بتحديد سعر موحد لكل أنواع اللحوم وهو 50 جنيهًا للكيلو الواحد، أى ما يقرب من نصف السعر الموجود بالأسواق، يقول: «الناس بقت تستغنى عن اللحمة، وبتشوفها فى الشهر مرتين بسبب أسعارها، سعر الكيلو بقي أكتر من 100 جنيه، يعنى لو موظف عايز يجيب لحمة هيدفع ربع مرتبه فى 2 كيلو لحمة يدوب يكفوا بيته أسبوع». «اكسب قليل وبيع كتير وربنا هيباركلك».. مبدأ اتخذه «الورداني» رفيقًا له فى تجارة اللحوم، فيبيع بأسعار لا يربح بها سوى القليل، لكن إقبال المواطنين على الشراء منه، يجعله يبيع الكثير من اللحوم، حسبما يوضح «الورداني»: «الزباين بتشترى من عندى مخصوص ومعظم زباينى أعرفهم ويعرفوني». يضيف «الورداني» أن هناك بعضًا من المواطنين يخافون من أن تكون أسعاره الزهيدة بسبب بيعه لللحوم الحمير، ولذلك لا يشترون منه، لكن أبناء منطقته يعرفونه جيدًا، ولذلك يشترون منه: «الناس الغريبة عن المنطقة بتخاف تشترى منى، لكن زباينى بيشتروا وعارفين كويس أنى ببيع لحوم سليمة». فايزة تصنع المربى فى المنزل نساء ضد الاستغلال.. دعاء وأسرتها «نباتيين» المرأة هى وزيرة اقتصاد المنزل، والتموين، والمالية، عليها تدبير كل شىء حتى يكفيها مرتب زوجها لنهاية الشهر، ولا تضطر إلى الاستدانة من الجيران.. بحيل منزلية بسيطة حاولت سيدات التغلب على غلاء الأسعار الجنونى.. فمنهن من صنعت الزبادى والمخلل فى المنزل، وأخرى أقنعت زوجها وأولادها بأن يصبحوا «نباتيين». فى المطبخ تقف «فايزة» تستخدم بعض الجزر فى عمل المربى، من أجل توفير بضعة جنيهات كانت ستُدفع فى عبوة مربى، وهو عنصر مهم لاستخدامه فى عمل «سندوتشات» لأطفالها فى المدرسة.. فيما تحتفظ بعبوة بلاستيكية كبيرة، تستخدمها فى صنع المخلل. تقول «فايزة» إنها تحاول تخفيف التكاليف عن زوجها، فى ظل ارتفاع أسعار كل السلع الأساسية، من طعام وملبس ومصاريف المدارس، موضحة أنها عندما تتمكن من توفير ولو بضعة جنيهات فقط، فإن ذلك يكون بمثابة عون كبير لزوجها: «الجنيه اللى بوفره من عمل المربى فى البيت، أنا وأولادى أولى بيه، لأن الحاجات أسعارها بقت نار ومبقيناش عارفين نعيش إزاي». تضيف «فايزة» أنها تصنع «المخلل» فى منزلها، وتبيعه إلى جاراتها وصديقاتها بأسعار أقل كثيرا من نظيرتها فى السوق، وفى المقابل تشترى الزبادى من إحدى جيرانها أيضا: «إحنا كستات بيوت ملناش دخل بنحاول ننفع بعض، يعنى واحدة تعمل زبادى وواحدة تعمل مخلل وفيه جارة لينا بتعمل الفول فى البيت، وبنستغنى عن منتجات الشارع بتكلفة بسيطة». دعاء حمدى سيدة منزل لديها ابنان، ويعمل زوجها بمهنة تدر دخلا بالكاد يكفى طلبات المنزل، لكنهم نادرا ما يشترون اللحوم، بسبب ارتفاع أسعارها، فلجأت الأم إلى طريقة غريبة لتعالج الموقف، وهو إقناع أبنائها وزوجها بأن يتبعوا النظام النباتى، وأن اللحوم فيها ضرر للجسم. توضح «دعاء» أنها اتبعت النظام النباتى خصيصًا من أجل إقناع باقى أفراد الأسرة به، وتخفيف تكلفة شراء اللحوم والدواجن عن زوجها، وبالفعل اقتنع الأب والأبناء بالنظام القائم على الامتناع عن اللحوم: «فى الأول مكنتش متخيلة إزاى هنقدر نعيش من غير لحمة، لكن بعد كده لقيت أن الموضوع عادى، وبالعكس صحتنا بقت أحسن لما بطلناها وعوضناها بالخضار والفاكهة، وتكلفة الأكل الشهرية بقت أقل بكتير». «لو الناس بطلت اللحمة فترة هترخص».. جملة أوضحت بها «دعاء» إحدى الأفكار التى تتمنى أن تنفذها الأسر، من أجل وقف الارتفاع الجنونى فى أسعار اللحوم والدواجن، مضيفة أن الشراء المستمر رغم ارتفاع الأسعار هو سبب استمرار تلك الظاهرة: «لو الناس خدت موقف ومراحتش تشترى اللحمة لمدة أسبوع واحد، هنلاقى اللحمة رخصت لأن التجار هيخسروا ومش هيعرفوا يبيعوا». عيادته فى منطقة غطاطى بالجيزة طبيب من أجل الفقراء: الكشف ب 3 جنيهات.. والعملية مجانًا فى أحد شوارع منطقة «غطاطي» بالجيزة، يقف جمع من الناس أمام أحد البيوت القديمة التى تشققت جدرانها.. داخل المنزل شباب، رجال وسيدات يحملن أطفالهن، يجلسون على مقاعد مهترئة، فى انتظار حلول دورهم فى الدخول إلى غرفة الكشف.. وفى غرفة الكشف التى تناثرت بها عبوات الأدوية المختلفة، يفحص طبيب - أبيض الشعر - مرضاه بكل تفانٍ وإخلاص، ولا يتقاضى من كل مريض سوى 3 جنيهات فقط، ويكتب دواء لمن يرى أنه سيستطيع الشراء، ويعطى الأدوية مجانا لمن يشعر بأنه لا يملك حق شرائها. «عبدالباسط محمد» طبيب يكاد يبلغ السبعين من عمره، أنهى رحلته المهنية كمدير لأحد المستشفيات الكبري فى محافظة أسوان بجنوب الصعيد، فقرر تكريس وقته وجهده وماله لعلاج الفقراء فى عيادته الخاصة، التى بلغ عمرها خمسة عشر عامًا، وبدأ يتقاضى جنيها واحدا فقط مقابل الكشف على المريض، وارتفع إلى 3 جنيهات خلال ال 15 عاما. لا يحتاج «عبدالباسط» استشارى الجراحة العامة إلى ممرضة تدير شئون العيادة وتنظم دخول المرضى إليه، فزواره من المرضى ينتظمون تلقائيًا فى أدوار دون الحاجة إلى من يدخلهم إلى الطبيب، ولا ينتظرون من يحجز لهم عبر الهاتف، فلا يوجد هاتف بالعيادة من الأساس، ولا يملك الطبيب رقمًا خاصًا، بالإضافة إلى أنه لا يحب الظهور الإعلامى، مفضلا التركيز فى عمله. يرى «الطبيب العجوز» أن شباب الأطباء يجب عليهم عدم النظر إلى الأمور المادية، والتركيز على صحة المرضى، وعلى تقديم رسالتهم كأطباء يحاولون الارتقاء بصحة المواطنين إلى أفضل حال، لأنها أمانة ثقيلة ومسئولية كبيرة يحملها الطبيب منذ تخرجه: «للأسف كتير من الدكاترة بيجروا ورا الفلوس زى بقية الشباب فى المجالات التانية، لكن الدكاترة بالذات لازم يبقى أهم حاجة عندهم المرضى مش الفلوس، أنا العيادة دى مبتجبليش مكسب يغطى تكلفة الأدوية والمجهود، لكن الأهم المرضى الغلابة». «اللى زى ده مبقاش موجود فى الزمن ده.. ربنا يكرمه زى ما بيساعد الغلابة.. ده أحسن دكتور فى مصر».. عبارات لا يكف المرضى المنتظرون - فى عيادته المتواضعة - عن ترديدها طوال فترة انتظارهم، ولا يملّون من الحديث عن الطبيب الخيّر، الذى يعالج الفقراء دون حب للمال ودون استغلال للباحثين عن الشفاء، ولا يكتفى بذلك بل يجرى الجراحات البسيطة مثل عين السمكة وختان الذكور، بالإضافة إلى إجراء الإسعافات الأولية فى الحالات الحرجة فى عيادته، مستخدمًا إمكانياته البسيطة باحترافية عالية، ولا يتقاضى أجرًا مقابل تلك العمليات أو الجراحات.