الأولى: بعض الموظفين فى مجلس مدينة طما يتعاطفون مع الإخوان ويتسببون فى تعطيش السوق الثانية: بعض شباب «العتامنة» أوقفوا السائق وأجبروه بدون تهديد بأى سلاح على بيع الأنابيب لأهالى القرية الثالثة: لم يحدث شىء ولا أزمة في الأنابيب كما أكد مصدر مسئول بمديرية الأمن وما حدث أمر عارض لزحام الناس فى منتصف سبعينيات القرن الماضى.. أصبح من العيب فى قرى سوهاج ألا يكون عندك «مسجل».. ذلك الجهاز الذى جاء به العائدون من ليبيا.. وأصبح بديلا عن الراديو الخشبى العتيق.. ودليلا على التميز والارتقاء المالى بعد أن تكاثرت رحلات الشتاء والصيف إلى الخليج أيضا. فى البداية كان أبوزيد الهلالى وألبوماته التى طبعها «فلفل فون» أو «حمزة» بتاع نجمة العتبة وصوت القاهرة فى وقت لاحق.. والأبنودى وجابر أبوحسين هم نجوم ذلك «المسجل» مع عدد غير محدود من شرائط بدوية وأخرى عاطفية لسعدون جابر، خاصة مع العائدين من العراق.. ثم جاء الأخوان فتحي.. الأول من قبيلة هوارة وأصبح اسمه فتحى الهوارى وكان يغنى الصعيدى مقرونا ببعض كلمات إنجليزية وأسمى ذلك الفن الصعيدى الذى كان يقدمه -فرانكوأراب، والثانى اسمه فتحى العتمونى، ويعتبره المتابعون للفن الشعب وريثا للريس حفنى أحمد حسن صاحب الأغنية الشهيرة «مظلوم»، التى أعاد محمد محيى غناءها بنفس لحنها وكلماتها. فتحى العتمونى صاحب الألبوم الشهير «مجاريح» لم يكن الدليل الوحيد على وجود «جزيرة العتامنة التى يعيش على أرضها التى لا تزيد على خمسمائة فدان حوالى 20 ألف نسمة حسب تعداد 2006.. ينتمون لاثنتى عشرة قبيلة تعود أصولها لأربع قبائل عربية -حجازية فى الأغلب الأعم- ولا علاقة لها بقبائل «آل عثمان» التى تنتشر فى منفلوط بأسيوط، وآل عثمان فى «قنا».. ودارفور السودانية.. سوى أنها جميعها قبائل عربية من المغرب أو الحجاز. جزيرة العتامنة هذه والتى أصبحت «نجما وحدثا» فى عالم ال«فيس بوك» خلال الساعات الفائتة.. أرض طرح نهر.. تكونت من خصوبة فيض النيل فى فوراناته المتعددة قبل بناء السد العالي.. وبسبب خصوبة أرضها وموقعها الرائع على النيل بموازاة مركز البدارى التابع لأسيوط كانت سببا فى مشاجرات عائلاتها لسنوات طويلة، وتسببت تلك المشاجرات فى سقوط ضحايا لسنوات طويلة وخصومات ثأرية انتهى معظمها بجلسات عرفية.. وخلّفت أطنانا من الأسلحة التى يُجبر الأطفال على استخدامها ويعرف رجال الشرطة هناك أنها موجودة وبغزارة.. لكنهم يعرفون أيضا أنه لا رجل فى الصعيد يستطيع العيش بدون وجود سلاح فى بيته. ومع ظهور الجمعية الشرعية أيام المد الأصولى فى ثمانينيات القرن الماضى تسلل إلى أفكار معظم أبناء القرى فى سوهاج الكثير مما كانوا يزعمون.. وحلت عصبية الجماعة بديلا لعصبية عائلات مركز طما.. مثلما حلت فى أماكن أخرى من المحافظة الفقيرة.. ووجود عناصر من جماعة الإخوان بها أمر طبيعى وإن كان محدودا فى معظم قرى المحافظة منذ وطئت قدما مأمون الهضيبى أرض قرية الدويرات ليشق أول شعبة للإخوان فى تلك المحافظة البعيدة عقب نشأة الجماعة بسنوات قليلة. ومثلما وُجِد الإخوان وُجِدت قيادات سياسية أخرى فى مقدمتها حزب التجمع الذى أسس له على إسماعيل الذى كان موظفا بالتموين وعضوا بنادى الفكر الناصرى بجامعة القاهرة مكتبا فى سوهاج، معظم عناصره الأولى من أبناء مركزه طما.. وبالتحديد قريته كوم العرب التى تجاور «العتامنة». ملخص القول.. العتامنة قرية سوهاجية.. مثلها مثل مئات القرى هناك.. عنوان بابها أنها بنت أصول عربية تعتمد على «العصبة».. وتعيش على مساحة محدودة من أرض زراعية فقيرة.. ورغم فقرها فأهلها معروفون بكرمهم وجودهم.. وقدرتهم على التحمل.. والهجرة.. والسعى خلف الرزق فى حوارى الجيزةوالقاهرة والإسكندرية التى يبنون فيها أبراجا بعشرات الأدوار.. أو فى بلاد العرب حيث الخليج فى أيام عزه.. أو العراق وليبيا أيام عزهما. وإذا كانت سوهاج -وأهل العتامنة منها، قد منحت محمد مرسى ملايين الأصوات.. فقد منحت السيسى أيضا ملايين الأصوات.. ومثلما خرج من طما شباب مثل الحسينى أبوضيف.. خرج عشرات من شباب السلفيين والإخوان.. مثلما جاء من أبنائها جلال أبوالدهب أحد أشهر وزراء التموين فى عهد مبارك جاء د. سيد طنطاوي.. والشاعر محمد أبودومة.. ومثلما جاء متطرفون وقتلة.. جاء محمود الكردوسي، وهشام الشريف مؤسس مركز معلومات مجلس الوزراء. قبل حادث الأنابيب بسنوات فى نهاية التسعينيات منذ عصر مبارك.. تذكرت الحكومة فجأة أن هناك محافظة فقيرة اسمها سوهاج.. كان بها مصنع للنسيج تم تدميره بفعل فاعل.. ومصنع للنيلة بناه محمد على لاستخراج صبغة النسيج اختفى من الوجود.. ومصنع لتجفيف البصل تم تدميره أيضا وتشريد عماله.. وقرر مبارك الذى كان يخشى من الذهاب إلى هناك لولا تشجيع حسن الألفى الذى كان يشغل منصب المحافظ وكان محبوبا من الأهالي.. قرر مبارك بناء مصنع للسكر بمدينة جرجا.. وكان أن قررت الحكومة بغباء أن يزرع الأهالى «قصب السكر» جبرا.. ولأن أهالى العتامنة -أصولهم فى تقدير أقرب للدقة تعود إلى آل عثمان «الدولة العثمانية».. أتراك يعنى -عرق أزرق- ولا ينتسبون إلى عثمان بن عفان.. ومن أشهر عائلاتهم المعروفة ببأسها الشديد «الجحش والمحرم وأولاد عمر والبدري».. ولأنهم تعودوا على التحرك بشكل جماعي.. قرروا تحدى الحكومة وعدم زراعة القصب.. وكالعادة تعاملت الحكومة بغباوة وقبضت على الكثيرين من العتامنة بجوابات اعتقال.. وكان من بين المقبوض عليهم عدد كبير من أبناء حزب التجمع، وقد كان لهم خبرة سابقة فى الثورة على قرارات السادات الاقتصادية فى نهاية عصره. وبدلا من حل مشكلة قصب السكر بحكمة.. تكرر خروج الأهالى الذين اقتحموا نقطة الشرطة واستولوا عليها فى أول تحد حقيقى لهيبة «النظام».. وهو ما حدث عقب عزل محمد مرسى أيضا.. وراح ضحية الاقتحام عميد شرطة وأفراد.. وتوالت عمليات العداء المستتر بين الشرطة والناس هناك.. إلا أن طبيعة جغرافيا المكان تجعل عملية إخلاء الجزيرة من السلاح أمرا مستحيلا. خطف شقيق أحمد موسى منذ عامين.. حدث أن اشتبك شباب من قرية العتامنة مع شباب من قرية شطورة الملاصقة لها.. بعد أن تعاركوا على السباحة فى النيل.. وقام شباب العتامنة بخطف شقيق المذيع أحمد موسى المعروف هناك بصلاته الأمنية النافذة.. ما اعتبره البعض رغبة من شباب العتامنة الذين قُبض على كثيرين منهم بشكل عشوائى عقب عزل مرسى تحديا لمرسى ومن يؤيدونه.. وأعلن مدير الأمن وقتها غضبه على القرية ومن فيها وتم تحرير الشاب المختطف ورنهاء الأمر بطريقة شبه ودية. هنا يحكم الإخوان الرواية الأولي: يروى الأهالى فى القرى القريبة من العتامنة أن بعض الموظفين فى مجلس مدينة طما ممن يتعاطفون مع الإخوان يتسببون عمدا فى تعطيش السوق.. ووصل سعر الأنبوبة إلى مائة جنيه فى بعض الأماكن.. وفى طما بلغ 60 جنيها.. وأن هؤلاء الموظفين اتفقوا مع سائق متعاطف مع الإخوان أيضا.. وعدد من أهل القرية -من الإخوان- اتفقوا فيما بينهم على عملية السطو.. حتى يظهر الإخوان مجددا باعتبارهم ينصرون الفقراء!! وأن صفحات محلية على ال«فيس» هى التى نشرت الخبر!! وهذا يعنى أن الواقعة جرت.. لكن منظميها إخوان لافتعال أزمة.. وتكرار الحادث فى أماكن أخرى تمهيدا لثورة جياع.. حدد لها بعض المهاويس يوم الحادى عشر من نوفمبر القادم موعدا لقيامها. والرواية من وجهة نظرى فيها تزايد كبير.. فإذا كان هناك موظفون إخوان بالمجالس المحلية، فعدد الذين يؤيدون النظام الحالى أكبر بكثير، ومن ينتمون للمعسكر المدنى المثقف كثيرون أيضا.. لاحظ أن أحد نواب المدينة ينتمى إلى حزب المصريين الأحرار مثلا.. كما أن المدينة ذاتها هى التى قدمت واحدة من أشهر النائبات المنتخبات واسمها ناريمان الدرملى فى وقت لم تكن امرأة تجرؤ على خوض أى عملية انتخابية فى الصعيد بالذات وفى عز وجود الإخوان.. المقصود أن رمى رواية مثل تلك دفن للرؤس فى الرمال.. واتكاء على شماعة الإخوان فى غير موضعها وكان يمكن لهؤلاء فضح الأمر بسهولة. عودة عزت حنفي.. م النهاردة مافيش حكومة الرواية الثانية والتى يشارك بعض الأهالى تأكيدها رمز من رموز سوهاج مثل الشاعر والمفكر د. مصطفى رجب، ومؤدى الرواية أن الحادث جرى بالفعل ظهر يوم الأربعاء على طريق القاهرة-أسوان السريع.. وأن السيارة كانت متوجهة إلى قرية مشطا.. وأن الأهالى كانوا قد اشتكو للمسئولين طيلة أسبوعين من ندرة الأنابيب، إلا أن أحدا لم يعرهم أى اهتمام.. وأن معظم البيوت استخدمت «مواقيد الحطب» فى العيد.. وأن عددا من شباب العتامنة لم يكن معهم سلاح ولا يحزنون.. بشكل عفوى أوقفوا السائق.. وأجبروه بدون تهديد بأى سلاح على بيع الأنابيب لمواطنى القرية.. وأعطوه ثمنها الرسمى.. 13 جنيها للأنبوبة.. ولأن أبناء القرية يعرفون بعضهم.. كما يعرفون عائلات وأبناء القرى المجاورة بالاسم.. فإن أحدا لم يتقدم بشكوى لأى جهة رسمية.. إلا أن الشرطة -كما يقول الأهالي.. ومجلس المدينة- يعرفان أن هذا حدث.. وعاملين من بنها.. والشرطة كما يقولون صادقة لأن أحدا لم ولن يتقدم بشكوى للمركز! وأن ما حدث يجد قبولا عند أهالى معظم القرى التى سمعت بالحادث وبهذا يجد السائق نفسه فى موقف الرجل الذى تعاون مع أهله «ضد الحكومة» التى تجاهلتهم. أحد الشباب أخبرنى بأن شركة الغاز فى مدينة نصر وضعت هاتفا خاصا لشكاوى الناس.. وأن المكالمة مسجلة.. يؤكد لك صاحبها أنهم سيحلون لك المشكلة خلال 48 ساعة بعد أن تترك رقم هاتفك وعنوانك، وأن الأنبوبة تصلك خلال هذه المدة فعلا.. ولأن سكان مدينة نصر أغنياء يمنحون من يصل لهم بالأنبوبة 50 جنيها على سبيل البقشيش.. لكن فى العتامنة لا يوجد «كول سنتر».. ولا مكالمات مسجلة.. ولن يجيب أحد على الهاتف أو غيره.. وإن حدث.. لا توجد 50 جنيها لندفعها للدليفري! رواية مفتوحة: لم يحدث شيء.إحنا من بنها الرواية الأخيرة تبناها -مصدر مسئول- بمديرية الأمن استنادا إلى رواية مركز شرطة طما.. أن شيئا من هذا لم يحدث.. وأنه لا أزمة فى أنابيب البوتاجاز.. وأن ما حدث أمر عارض لزحام الناس وجشع الموردين من أصحاب المستودعات أيام العيد. الأهالى يؤكدون رواية الأمن.. أن شيئا لم يحدث.. لأن أحدا لن يعترف مثلما لن يعترف طالب ثأر بمن قتل شقيقه.. لكنه لن يقيم سرادق العزاء.. ولن تعرف الشرطة بالقتيل الجديد إلا عندما يقام السرادق.. ويتوافد المعزون.. وربما لن تظهر جثة للمقتول. أهل سوهاج.. وأنا منهم.. طيبون.. وصابرون.. ويقدرون أن البلاد تعانى من أزمة اقتصادية طاحنة.. لكن كل أبواب رزقهم لو تعرفون تضيق.. فلا سفر الآن للخليج.. فيزا الكويت ب40 ألف جنيه.. و35 ألفا للسعودية.. ومن يذهب لا يجد عملا.. والطريق إلى ليبيا مقطوع.. وقطاع التشييد والبناء الذى يعمل فيه معظم الأهالى متوقف أو شبه ميت منذ سنوات.. والأسعار تزيد بشكل لا يتحمله أصحاب الدخول الثابتة.. الفلاحون هناك لا دخل لهم.. ومعاشات غادة والى لا تشترى شيكارة «سوبر فوسفات» واحدة.. وكل الوعود التى منحها لهم محمود محيى الدين ومن جاءوا بعده صارت سرابا على طريق البحر الأحمر.. أما عملية توسيع الكورنيش التى يقوم بها السيد المحافظ منذ عام ونصف العام فلن يستفيد منها سكان العتامنة. الواقعة حدثت.. أو لم تحدث.. نحن نحذر العتامنة قادمون لأن الحكومة -يسمونها هناك حكومة الخديو إسماعيل- عاملة من بنها.