صناعة "الحُصر اليدوية" تعد ضمن أشهر الصناعات التي اشتهر بها كفر "الحصر" - والذي سمي بهذا الاسم نسبة للصناعة - في مدينة الزقازيق، وتعتبر "الحُصر اليدوية" من الصناعات التي اندثرت واختفت معالمها، فلم يتبق من صانعيها سوى 3 أشخاص تترواح أعمارهم ما بين 70 و80 عامًا.. "البوابة نيوز" انتقلت للشرقية والتقت شيوخ المهنة لتتعرف على أوجاع العاملين بها. "3" رجال مسنين.. جميعهم مصابون بأمراض الأعصاب والروماتيزم، ورغم هذا وذاك يصرون على الاستمرار في المهنة التي لم تعد تؤتي أكلها، وذلك للحفاظ على تراث أجدادهم الذي يمثل مصدر الرزق الوحيد للعواجيز من أمثالهم. اقتربنا من كبير الشيوخ وهو الحج محمد علي، 71 عامًا، أحد أقدم من احترفوا مهنة صناعة الحُصر، ليحكى تفاصيل الصناعة من المهد إلى اللحد، فيقول: "مضيت في المهنة ما يقرب من 60 عامًا منذ أن كنت طفلًا 9 اعوام، حيث أتممت حفظ القرآن الكريم وكانت الفرصة سانحة للالتحاق بالأزهر، ولكن وقفت الظروف المادية عائقًا، فاضطر والدى لإخراجى من التعليم لأمتهن صناعة الحُصر التي كانت مصدر الرزق الأساسى في ذلك الوقت لعائلتي كلها. ويتابع: "كان والدى أول من أدخل الحرفة إلى المحافظة، بعد أن تعلمها في الفيوم، فعكفت على تعلمها على يديه، حتى اصبحت من المهرة فيها ولكنى توقفت عنها لأن المهنة لم تعد كما كانت في الماضي". لينتقل الحاج محمد ويسرد لنا أهم نقاط صناعة "الحُصر" والتي تكون من أشياء طبيعية تماما فيوضح "نبات السمار هو المكون الأساسى لها، ويزرع بالفيوم ويسمى ب"السمار الزرباوى"؛ ولكنه نوع ردئ ولا يقبل عليه سوى الفقراء. بينما النوع الآخر هو "سمار الوادى" ويأتى من القصاصين والإسماعيلية، ويتمتع بجودة عالية ولا يقبل عليه سوى ذوي الطبقات الأعلى ماديًا. ويضيف أنه يتم تجفيف السمار وتشريحه عن طريق سكين خاص، ويوضع منوال يشبه منوال السجاد، خيطانه تأتى من مركز مشتول السوق وبعدها يبدع العامل في الزخرفة على الحصيرة وينسج سمارها، بشكل وطريقة معينة. ويستمر صانع الحصر في السرد قائلًا: "كنت قديمًا أبيع ما يقرب من "20" حصيرة بشكل يومى مع ازدحام المشغل بالعمال، ولكن الآن وبشىء من الحسرة يرثي حال المهنة ويقول: "لم يعد سوى 3 أشخاص هم أصدقاء طفولتى، ما زالوا يعملون بها حتى الآن". لننتقل إلى مُسن آخر من شيوخ المهنة وهو الحاج إبراهيم، الذي رسم الزمن خطوطه في وجهه وترك تلك الانحناءة على ظهره ليقول: "مهنة أجدادنا منعرفش غيرها نسيبها ونروح فين". في حين أصيب الشيخ الثالث بشلل جزئى في الساق، وما زال يعمل بالمهنة فقط حفاظًا على التراث أو كما قال "جنيه أحسن من مفيش". وأكدوا على ضرورة ضم العاملين بها إلى نقابة المهن الحرفية، حيث لا تعترف النقابة بهم ليعيشوا ويموتوا ولا يدرى بهم أحد، وذلك على حد قولهم.