لم ترتدى زيًا معينًا للحصول على صك الفضيلة الأديان تحث على الفضيلة والأخلاق وليس على تشجيع مصممى الأزياء السيدة مريم العذراء، هى شخصية نسائية دينية تمثل النقاء والعفة لدى اتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية على السواء، لذلك فالاسم متعارف عليه بين المؤمنين، فمن الطبيعى أن تسمى فتاة مسيحية مريم، كذلك من المنطقى أيضا أن تجد فتاة مسلمة اسمها مريم، ورغم اتفاق اتباع الديانتين على مفهوم عفتها وطهارتها وأمومتها للمسيح ومعجزة حملها بأمر من الله، إلا أن صراعا نشب بينهما حول حقيقة ارتداء العذراء لما يسمى «الحجاب». وهو مصطلح استحدثته دول الخليج حول لباس النساء المسلمات، وتم تسويقه من خلال المصريين والعرب الذين توجهوا بكثافة للعمل فى دول الخليج فى فترة السبعينيات وبعدها، حيث أضيفت له مع الوقت صبغة دينية متشددة رفعته لمصاف الفروض الواجبة، وحينما كانت المسلمات يسألن أحيانا.. لماذا لا ترتدى المسيحيات الحجاب كفرض دينى كونهن تابعات لعقيدة سماوية أيضا؟ دوما كان الرد يأتى من قبل مشايخ المذهب الوهابى الذى يرى الحجاب بل والنقاب أيضا فرض دون نقاش «مين قال إن الحجاب مش فرض فى المسيحية، شوفوا صور العذراء مريم فى الكنيسة كلها بالحجاب، وكل الراهبات لابسين الحجاب زى أمهات المؤمنين تمام». وهنا يجب التوقف عند الزى التاريخى بمفهوم عصره وزمانه، وبين الزى الدينى الذى يحاول المروجون له، الربط بينه وبين مفاهيم النقاء والعفة والطهارة، فالجميع يعلم أن العذراء مريم وكذلك أمهات المؤمنين فى الإسلام لم يكن يرتدين تلك الملابس للحصول على صك الفضيلة من الرب، بل كن يرتدينه كزى متعارف عليه فى عصرهن وبيئتهن، ولم تذكر أى فضيلة لشخصية العذراء، بناء على ملابسها أو تغطية شعرها أو احتشامها سواء فى الإسلام أو المسيحية، فالحديث كله عن طهارتها وعفتها الداخلية وليس عن عفة زيها وحشمته. والدليل على تلك الأكذوبة التى يزايد بها المروجون للحجاب على مكانة العذراء فى قلوب أتباع الديانتين، هو أن ملابس العذراء التى تظهر فى غالبية الصور لا تمت لما يسمونه الحجاب الإسلامى بأى صلة، إذ أن غطاء رأسها مزحزح لمفرق شعرها ورقبتها ظاهرة بوضوح، وهو ما يخالف تلك البدعة الوهابية المسماة بالحجاب الشرعى، الذى يشترط تغطية كامل الشعر وعدم إظهار الرقبة باعتبارها موضع فتنة، هذا بخلاف وجود العذراء فى مجتمع من النساء اليهوديات اللواتى يرتدين هذا الزى. وأكاد أجزم أن العذراء لو كانت قد وجدت فى فرنسا مثلا، لارتدت من أرقى بيوت الموضة الفرنسية، ولو عاشت فى الهند لظهرت صورها وهى متشحة بالسارى الهندى بألوانه المبهجة، ولو عاشت فى مصر القديمة لظهرت بالملابس الفرعونية الراقية، ولصففت شعرها بنفس الطريقة الفرعونية، كذلك أمهات المؤمنين عند المسلمين ارتدين ما يناسب بيئتهن القبلية الصحراوية التى لم تشذ عن ملابس عصرهن، ولم يأت الإسلام ولا غيره ب«يونيفورم» محدد لتحديد الهوية الدينية، لأن الأديان فى مضمونها تحث على الفضيلة والأخلاق، وليس على تشجيع مصممى الأزياء على مدار العصور. أما بالنسبة للأكذوبة الأخرى والتى تبدو أكثر سذاجة وسطحية، فهى الخاصة بحجاب الراهبات المسيحيات، إذ أن الراهبات يرتدين ملابس تكفين الموتى، وليس زيا شرعيا يقصد به إخفاء مواضع شهوة الرجال الحجاب الإسلامى، كما أن الراهبات يتصرفن كالأموات، ويتخلين عن كل مغريات الحياة الدنيا فى سبيل خدمة الرب فى معتقدهن، وهو ما يلاقى تحريما ونهيا قاطعا فى عقيدة المسلمين، التى ترى الرهبانية بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، فكيف لهؤلاء المتاجرة بتقليد مسيحى صرف لا يعترفون به فى عقيدتهم، وماذا عن حجاب الرهبان من الذكور؟ هل يغطون مواضع الفتنة أيضا ويرتدون زيا شرعيا؟ أم أنكم توظفون ملابس الراهبات لخدمة مشروعكم الإسلاموى لأنها تصب فى صالحه، ثم ماذا أيضا عن الصلبان المعلقة على صدور الراهبات؟ أليست هذه من أساسيات ملابس الراهبة؟ أم أنكم تغضون الطرف فقط عما تكرهون؟ الحجاب وهم كبير، وكل ما يتعلق بهيئة الإنسان وملابسه هو تعد سافر على كرامة الإنسان، الذى تعتبره جميع الديانات السماوية أكرم المخلوقات وأكثرها تعقلا وحكمة، لا يعقل أبدا أن يختزل الإنسان فى هيئته التى تناسب ذوقه، ولا يعقل كذلك أن الله الذى خلق الإنسان بكامل تفاصيله وعمل على تهذيبه وتعليمه سيكون منشغلا إلى هذا الحد بأزيائه عبر التاريخ، وليس منطقيا أن الله أراد للعلم والطب والمواصلات والبشرية بكامل تفاصيلها أن تتطور وتتقدم، ثم اشترط على النساء زيا موحدا لا يغيرنه على مدار العصور، واختلاف البيئات والأزمنة. وفى النهاية أحب أن أعرب عن خالص التهانى القلبية لشركاء وطنى المسيحيين بمناسبة صوم العذراء، ويسعدنى أن أشارككم احتفالكم بشخصية تقدسونها وتحبونها، ليس لأنها ترتدى زيا معينا، لكن لأنها تمثل لكم قيمة إنسانية جميلة، ورمزا يدل على الصفاء والمحبة والطهارة الداخلية. اتركوا مزايدات الجهلاء جانبا ولا تردوا عليها أو تعيرونها اهتماما، فأنا على ثقة أن كثيرا من المسلمين يشاركونكم محبتها واتخاذها رمزا للفضيلة والمحبة.