■ مليار طن «حمولات» فى العام الأول من الافتتاح ■ تخفيض رسوم «عودة السفن» وصفقات مع الصين وأمريكا لمواجهة تراجع التجارة العالمية قال الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، إنه لا صحة لما أثير مؤخرًا عن تعرض «إيرادات» القناة لخسائر كبيرة، وأضاف: «رغم انخفاض حجم التجارة العالمية ل14% خلال العام الماضى، إلا أن القناة حققت زيادة فى العائد الدولارى مقداره 4%، و13.5% من العملة المحلية»، موضحًا أن المكاسب المتوقعة من المشروع مبنية على دراسة تستمر حتى عام 2023. وشدد «مميش»، فى حوار خاص مع «البوابة»، على أن التلويح بظهور عدد من قنوات المرور الملاحية الجديدة بمنطقتنا، حول قناة السويس، هو بمثابة حدث جلل ينذر بالخطر، ويؤثر بالتبعية على دخلنا من العملة الصعبة، الذى تحققه القناة سنويًا، ما استدعى فكرًا اقتصاديًا جديدًا جاذبًا لحركة التجارة العالمية، خاصة تلك المعتمدة على الملاحة البحرية فى نقل البضائع. ومن ملامح هذا الفكر الاقتصادى الجديد، كما يوضح «الفريق مميش»، اعتماد مسئولى القناة أسلوب «الخصم»، والذى يقضى بتخفيض رسوم المرور للسفن التى تمر من القناة خلال رحلة العودة، بعد تفريغ حمولتها فى البلد الذى تتجه إليه، بدلًا من فرض رسوم عالية عليها فى حركة عودتها «فارغة»، وهو الأمر الذى كان يضطرها للمرور عبر قنوات أخرى منافسة لقناة السويس. وأضاف: «ما تتعرض له حركة التجارة العالمية من صعود وهبوط، يجعلنا نتأثر بالإيجاب أو بالسلب، باعتبارنا جزءًا من تلك المنظومة الضخمة، فالاقتصاد العالمى يشهد أساليب دمج جديدة، تعمل على توفير المصروفات الإضافية، التى كانت تتكبدها أعظم الدول الاقتصادية الكبرى فى السابق»، لافتًا إلى أن من بين هذه المصروفات التى تعمل الدول الكبرى على توفيرها حاليًا، رسوم المرور بقناة السويس. ونظرًا لهذه التغيرات فى التجارة العالمية، فإن قناة السويس، بحسب «مميش»، بدأت اتباع أسلوب تسويقى جديد يمكنها من استيعاب حجم التجارة الهائل القادم من كيانات شرق آسيا، وعلى رأسها الصين، فضلًا عن الصفقات الناجحة التى أبرمت مع السعودية والكويت والدنمارك، إلى جانب عوامل الجذب الجديدة التى قدمت لأمريكا لتتخلى عن طريق «رأس الرجاء الصالح»، وتعتمد على قناة السويس. وانتقل «مميش» للحديث عن حفر «القناة الموازية»، وقال: «سيجنى الشعب مكاسبها الهائلة فى ظل زيادة حجم التجارة العالمى، لكن لن تتضح معالمها من العام الأول بشكل مرضٍ»، مشيرًا إلى أن بوادر تلك «التوسعات» بدأت تظهر جلية طبقًا لإحصاءات المرور بالقناة، بعد أن كانت توقعاتنا المبدئية مرور سفن بحمولات 340 مليون طن، خلال العام الأول من الافتتاح ل«الممر الموازى»، سجلنا حمولات تفوق المليار طن، بأضعاف ما كنا نتوقعه، ما يشير إلى استجابة العالم وتجديد ثقته فى ممرنا الملاحى. ويتضمن مشروع قناة السويس الجديدة مجموعة متعددة من المشروعات المتعلقة بالخدمات البحرية المكملة، والتى قال عنها «مميش»: «هى مصدر مهم للعملة الصعبة، فكلما قمنا بتحسين الخدمات البحرية، وطورنا من أساليب الإصلاحات السريعة التى تقدم للسفن، زاد مرور السفن عبر القناة، إضافة إلى المساهمة فى سرعة التفريغ». وكشف عن وجود مشروعات شراكة جديدة قدمتها 3 شركات عالمية، أولها إماراتية - دنماركية، وثانيها من الصين، وأخرى من الكويت، وذلك بهدف تحسين الخدمات البحرية التى تقدم للسفن المارة، وعلى رأسها تموينها بالبترول والاحتياجات اللازمة لها، وأضاف: «نفاضل حاليًا بينها، بعد دراسة عروضها لنختار أنسبها لبدء التنفيذ فى أقرب وقت». وعن «تنمية محور قناة السويس»، قال إنه مشروع طويل الأجل، قائم على مولد صناعات جديدة بمنطقة «مثلث محافظات القناة»، إضافة إلى خدمات تجارية هائلة، ستشبع بالتبعية نهم السوق المصرية إلى رفع معدلات النمو، والقضاء على البطالة التى يعانى منها الشباب، ويعود بالنفع على احتياطى النقد الأجنبى. وعاد رئيس هيئة قناة السويس بالزمان للوراء، متذكرًا الظروف والملابسات السرية التى صاحبت حفر «قناة السويس الجديدة»، وقال عن فكرة الحفر: «كان من الضرورى أن تبدأ الدولة فى تنفيذ المشروع الجديد فورًا، نظرًا لجدواه الاقتصادية العظيمة، التى ستعود بالنفع على الأجيال القادمة من أبناء هذا الوطن، وهو ما وافق عليه الرئيس السيسى، فى بداية فترته الرئاسية، وفطن إلى ضرورة عدم إرجاء التنفيذ، نظرًا لارتفاع التكلفة يومًا بعد آخر، والأيام أثبتت أن ما تم تنفيذه ب7 دولارات فى السابق، كان سينفذ اليوم ب13 دولارًا». وأضاف «مميش»: «كنا دائمًا ما ندرس إمكانية امتلاك خطين لمرور السفن بالقناة، ذهابًا وإيابًا، توفيرًا للوقت، واستيعابًا لسفن أكثر من السابق، وتفاديًا لمعوقات قد تطرأ فى حال حدوث أعطال تصل إلى حد شل حركة الملاحة لساعات». وتابع: «بتولى الرئيس السيسى للحكم، عرضت الفكرة أولًا على المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء السابق، وشرحت له التطور الهائل فى بناء السفن، علاوة على سرعة نمو حجم التجارة المنقولة للعالم من دول شرق آسيا، خاصة الصين والهند، وهو ما سيزيد من دخل القناة بالعملة الصعبة، وأكدت له أن مصر إن لم تتوسع فى القناة، ستظهر مجار ملاحية أخرى بالقرب منا، وهو ما لوحت به إسرائيل مرارًا، وعلى الفور طلب منى دراسات مكتوبة لدراسة الموضوع مع الرئيس». وتابع: «بالصدفة دارت بينى وبين الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال نفس اليوم، مكالمة هاتفية حول موضوع آخر، ونقلت له ما دار بينى وبين رئيس الوزراء، فصمت للحظات وقال لى: (شدوا حيلكم)، وظننت أن الرئيس لم يأخذ الموضوع على محمل الجد، على الأقل فى الوقت الراهن، نظرًا للظروف الاقتصادية التى تمر بها مصر، لكنى فوجئت باتصال تليفونى منه فى السادسة صباحًا، يخبرنى خلاله أن مشروع القناة الجديدة، أرقه طوال الليل، وسألنى: (فكرتك جاهزة؟)، فأجبته: (جاهزة للتنفيذ من بكره الصبح) فطلب منى الحضور فورًا بالخرائط وأوراق الدراسات». واستكمل: «من هنا بدأ مشوارنا فى حفر القناة، وأجرينا دراسات مع القوات المسلحة لمدة شهر كامل، حتى هاتفنى الرئيس ذات يوم ليتحدث معى حول التطورات، ويخبرنى بأننا سنبدأ فورا فى التنفيذ، وحين سألته: (يعنى هنشتغل فعلا يا ريس؟)، كانت إجابته القاطعة: (أيوة هنبدأ.. توكل على الله.. وكلنا معاك ووراك)». وواصل «مميش» حديثه: «بدأنا الخطوات الأولى، لكن مصدر التمويل كان عائقًا، وكان التفكير الطبيعى موجهًا منذ البداية للاعتماد على جزء من عائدات قناة السويس، لكن تفكير الرئيس جاء عكس التوقعات، حيث راهن على تمويل الشعب لمشروع قناة السويس الجديدة، وأكد لنا أن المصريين لن يتخلوا عن دعم بلادهم فى مشروع كهذا، وقال حين اجتمعنا به: (المشروع ده بتاع المصريين.. وما حدش هيشتغل فيه غيرهم.. ولازم كلهم يشاركوا فيه.. عمالة وفلوس) وبالفعل كانت الفكرة ذكية جدًا لأنها خلقت تواصلًا حقيقيًا بين المصريين وبعضهم البعض، وانتمائهم للفكرة فى حد ذاته عزز ثقة الشعب فى بلدهم». وأشار إلى أن الرئيس صحبه فى سيارته يوم عرض المشروع، وأخبره أنه سوف يطلب منه «طلبًا مفاجئًا» أمام الجميع، وحين طلب منه إخباره عما يدور بخاطره، ابتسم وقال له: «لو قلت لك.. إزاى تبقى مفاجأة؟!»، الأمر الذى أصابه بالتوتر والاضطراب طوال الطريق. المفاجأة كانت، والكلام لا يزال ل«مميش» أنه خلال عرض المشروع بالمؤتمر الذى حضرته وسائل إعلام محلية وعالمية، شرح أن المدة التى نحتاجها للانتهاء من الحفر 3 سنوات، ففوجئ بمقاطعة الرئيس لحديثه، قائلًا: «هيّ سنة»، ولصعوبة مناقشة الرئيس حول استحالة الفكرة، زاد اضطرابه أكثر، لكن التكليف كان بمثابة أمر أمام الرأى العام. واستكمل: «على الفور قلت له: (علم وينفذ يا فندم) لكننى لم أكن أتخيل مجرد فكرة أن ينفذ المشروع خلال سنة واحدة فقط، وما زاد من صعوبة الأمر، هو مجرد التفكير فى (التكريك)، فنحن نمتلك طاقة تكريك فعلية للقناة، لكن المدة التى ضغطها الرئيس تجعلنى مضطرًا إلى ثلاثة أضعاف ما تمتلكه القناة». وأوضح أن فكرة ضغط المدة إلى سنة، جعلته يغير أسلوب التنفيذ، والطاقة المستخدمة فيه، وكان الأمر صعبًا جدًا فى البداية، نظرًا لارتباط شركات «التكريك» العالمية بأعمال أخرى فى أماكن مختلفة، ويصعب جمعها فى توقيت محدد، هو مدة تنفيذ المشروع، ما جعل تلك الشركات تطلب أرقامًا مبالغًا فيها، وفى الوقت ذاته عرضت دول أخرى تنفيذ المشروع بالكامل شريطة ألا تتم الاستعانة بالعمالة المصرية، وهو ما جعلنا نرفض بالطبع، فأمر الرئيس كان واضحًا، أن يتم تنفيذ المشروع بأيدى المصريين. وأكد أن مرحلة التفاوض مع شركات التكريك العالمية كانت مليئة بالأحداث والمغامرات، فقد أوكلت المهمة لإدارة تابعة للهيئة، متخصصة فى أعمال التكريك، لصياغة العقود معها، وكانت بداية التعقيدات التى وضعوها، هى رفضها الاعتماد على أبحاث التربة الموجودة لدينا، مع قيامها برفع الأسعار تدريجيًا خلال مرحلة التفاوض، فطالت الجلسات معها لساعات طويلة، والتى لاحظ خلالها، أنها كلما شعرت بحاجتنا لإبرام العقود سريعا، ماطلت أكثر فى طلباتها، ورفعت الأسعار أكثر. وتابع: «اضطرنى ذلك إلى إصدار أوامر للأمن باحتجازهم داخل قاعة التفاوض، وقلت لهم ممنوع عنكم الأكل والشرب لحين الوصول معكم إلى اتفاق، وحين طالت فترة المناقشات من الثامنة صباحًا وحتى الواحدة والربع مساء، انهاروا تعبًا، ووافقوا فى النهاية على ما عرضته عليهم من أسعار، ولوحت لهم بتهديد مفاده (اللى عايز يمضى يتفضل واللى هيماطل يفتح الباب ومع السلامة)، وفى النهاية وقعوا جميعا على ما حددناه من أسعار». وأشار إلى أنه بعد أيام معدودة من تلك المفاوضات تواجدت فى مواقع العمل ما يقرب من 45 «كراكة» بدأت الحفر، ومع بدئها فى العمل تم وضع مجموعة من المصريين مع كل «كراكة»، لاكتساب خبرات من الأجانب، لافتًا إلى أن عددًا من المعوقات ظهرت وقتها، أبرزها تحرك الرمال تحت «الكراكات»، وسحبها باتجاه القناة. وكشف أن الرئيس السيسى كان يتصل بهم يوميًا خلال فترة العمل، ليسألهم عما أنجزوه من أعمال، وقال: «كنت بجهز ورقة بجميع التفاصيل يوميًا، منتظرًا مكالمة الرئيس».