نشرت الصفحة الرسمية للفاتيكان منذ قليل ، قيام البابا فرنسيس بزيارة كنيسة ال "Porziuncola" في أسيزي ، وذلك في إطار احتفالات المئويّة الثامنة لغفران أسيزي. قام باستقبال البابا فرنسيس كل من المطران دومينيكو سورينتينو رئيس أساقفة أسيزي ، والأب مايكل أنطوني بيري الرئيس العام لرهبنة الإخوة الأصاغر والأب روزاريو غوليوتا حارس كنيسة "Porziuncola" ثم قدّم تأمّلاً حول نص من الإنجيلي متى (متى 18، 21- 35). قال" فرنسيس": يطيب لي اليوم أولاً، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، أن أذكر الكلمات التي وبحسب التقليد قالها القديس فرنسيس هنا أما الشعب والأساقفة: "أريد أن أرسلكم جميعًا إلى الفردوس!" هل كان بإمكان فقير أسيزي أن يطلب شيئًا أجمل من نعمة الخلاص والحياة الأبديّة مع الله والفرح الذي لا يعرف نهاية الذي ناله لنا يسوع من خلال موته وقيامته؟ تساءل "فرنسيس" وما هو الفردوس إلا سرّ الحب ذاك الذي يربطنا إلى الأبد بالله لنتأمّله بلا نهاية؟ لقد أعلنت الكنيسة هذا الإيمان دائمًا بقولها إنها تؤمن في شركة القديسين. فنحن لا نعيش إيماننا وحدنا أبدًا بل يرافقنا القديسون والطوباوييون وأعزاؤنا الذين عاشوا إيمانهم ببساطة وفرح وشهدوا له في حياتهم. هناك رابط غير مرئي يجعلنا "جسدًا واحدًا" بقوّة المعموديّة الواحدة التي نلناها ويحركنا "روح واحد". ربما عندما كان القديس فرنسيس يطلب من البابا هونوريوس الثالث نعمة الغفران للذين يزورون كنيسة ال "Porziuncola"، كان يحمل في ذهنه كلمات يسوع لتلاميذه: "في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُن، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ إلى بيتي لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً؟ وإِذا ذَهَبتُ وأَعددتُ لَكُم مُقاماً أَرجعُ فآخُذُكم إِلَيَّ لِتَكونوا أَنتُم أَيضاً حَيثُ أَنا أَكون" (يو 14، 2- 3). أضاف "فرنسيس "إن درب المغفرة هي بالتأكيد الدرب الرئيسيّة التي ينبغي اتباعها لبلوغ ذلك المكان في الفردوس. من الصعب جدًّا أن نغفر. لنفكّر قليلاً: كم يصعب علينا أن نغفر للآخرين؟ وهنا في كنيسة ال "Porziuncola" كل شيء يتحدّث عن المغفرة! يا لها من هديّة عظيمة منحنا الرب إياها عندما علّمنا أن نغفر – أو أقلّه أن نتحلّى بالرغبة لنغفر – ونسمح ليد رحمة الآب بأن تلمسنا. لقد أصغينا منذ قليل إلى المثل الذي يعلّمنا يسوع من خلاله أن نغفر (متى 18، 21- 35). لماذا يجب علينا أن نغفر لشخص أساء إلينا؟ لأننا نحن أولاً قد غُفر لنا بشكل لامتناهي، ما من أحدٍ بيننا اليوم هنا لم يُغفر له في حياته... لنفكر في الأمور السيئة التي قمنا بها وكيف غفر الرب لنا. يقول لنا المثل: كما يغفر الله لنا هكذا علينا نحن أيضًا أن نغفر لمن يُسيء إلينا. تحديدًا كما في الصلاة التي علّمنا يسوع إياها، صلاة الأبانا عندما نقول: "وأَعفِنا مِمَّا علَينا فَقَد أَعفَينا نَحنُ أَيضاً مَن لنا عَلَيه" (متى 6، 12). ديوننا هي خطايانا أمام الله والذين يدينون لنا هم أولئك الأشخاص الذين ينبغي علينا أن نغفر لهم. واستطرد فرنسيس يقول يمكن لكل فرد منا أن يكون ذاك الخادم الذي عليه أن يؤدّي دينًا كبيرًا ولكنه كبير جدًّا لدرجة أنه لن يتمكّن أبدًا من تأديته. وعندما نجثو أمام الكاهن في كرسيّ الاعتراف نحن أيضًا نكرِّر تصرُّف ذاك الخادم ونقول: "أمهلني يا رب". نعرف جيّدًا أننا مليئين بالنواقص وغالبًا من نرتكب الخطايا عينها. ومع ذلك فالله لا يتعب أبدًا من أن يقدِّم لنا مغفرته في كلِّ مرة نطلبها. إنها مغفرة كاملة وشاملة يعطينا معها الثقة بأنه وبالرغم من أننا سنرتكب الخطايا نفسها فهو سيشفق علينا ولن يتوقّف أبدًا عن محبّتنا. وكالملك في المثل يُشفق الله، أي يشعر بالشفقة والحنان: إنها عبارة للإشارة على رحمته تجاهنا. إن أبانا في الواقع يُشفق علينا دائمًا عندما نكون تائبين ويعيدنا إلى البيت قلوبنا هادئة ويقول لنا أنه أعفانا من كل شيء وغفر كل شيء. إن مغفرة الله لا تعرف الحدود؛ تذهب أبعد من تصوّرنا وتطال كل من يعترف في قلبه أنه أخطأ ويريد العودة إليه؛ فالله ينظر إلى القلب الذي يطلب المغفرة. لكن المشكلة للأسف، أضاف "فرنسيس" يقول، تولد عندما نجد أنفسنا أمام أخ " فأَخَذَ بِعُنُقِه يَخنُقُه وهو يقولُ له: "أَدِّ ما علَيكَ" (متى 18، 28). في هذا المشهد نجد كل مأساة علاقاتنا البشريّة. عندما نكون مدينين لآخرين نتوقّع منهم الرحمة، لكن عندما يكون هناك أحد مدينٌ لنا نطلب العدالة! جميعنا نتصرّف على هذا النحو! ليست هذه ردّة فعل تلميذ المسيح ولا يمكنها أن تشكّل أسلوب حياة المسيحيين. يسوع يعلّمنا أن نغفر بلا حدود: "لا أَقولُ لكَ: سَبعَ مرَّات، بل سَبعينَ مَرَّةً سَبعَ مَرَّات" (الآية 22). إن ما يقترحه علينا هو محبّة الآب وليس إدعاؤنا بالعدالة. لا ننسينَّ إذًا الكلمات القاسية التي يختتم بها يسوع المثل: "فَهَكذا يَفعلُ بِكم أَبي السَّماويّ، إِن لم يَغفِر كُلُّ واحِدٍ مِنكم لأَخيهِ مِن صَميمِ قَلبِه" (الآية 35). وانهي فرنسيس خدمته بقوله أيها الإخوة والأخوات الأعزاء إن المغفرة التي جعل القديس فرنسيس من نفسه "قناة" لها هنا في كنيسة ال "Porziuncola" لا تزال "تولّد الفردوس" بعد ثمانية قرون. وفي سنة الرحمة هذه يصبح جليًّا لنا كيف يمكن لدرب المغفرة أن تجدد الكنيسة والعالم. أن نقدّم شهادة للرحمة في عالم اليوم هو واجب لا يمكن لأحد أن يتهرّب منه. العالم بحاجة للمغفرة؛ هناك العديد من الأشخاص الذين يعيشون منغلقين في الاستياء ويغذون الحقد لأنّهم غير قادرين على المغفرة، فيدمرون حياتهم وحياة الآخرين بدلاً من أن يجدوا فرح السلام. لنطلب من القديس فرنسيس أن يشفع بنا لكي نبقى على الدوام علامات متواضعة للمغفرة وأدوات رحمة.