احتشد عشرات الآلاف من أنصار الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة في تركيا -رغم الخلافات الحادة بينهم- أمس الأحد تأييدًا للديمقراطية بعد الانقلاب الفاشل في حين يشدد الرئيس طيب أردوغان قبضته على البلاد. واكتظ ميدان تقسيم بوسط إسطنبول بالمشاركين في التجمع من أجل "الجمهورية والديمقراطية" لإظهار روح الوحدة في أعقاب الانقلاب الفاشل الذي أدى إلى مقتل 246 شخصا وإصابة أكثر من 2000 آخرين. وفي خطوة نادرة الحدوث نقلت قنوات تلفزيون مؤيدة للحكومة بثا مباشرا للكلمة التي ألقاها زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو على المنصة أمام التجمع. وقال كليجدار أوغلو أمام التجمع "هذا يوم للوحدة.. يوم لرفض الانقلابات والنظم الدكتاتورية.. يوم لسماع صوت الشعب"، ونظم حزب الشعب الجمهوري -وهو حزب علماني يتزعمه كليجدار أوغلو- التجمع لكن أيده حزب العدالة والتنمية الحاكم ذو الجذور الإسلامية وأحزاب معارضة أخرى، وأضاف زعيم حزب الشعب "كلنا نقف معا هنا في تقسيم اليوم. اليوم هو يوم نصنع فيه التاريخ كلنا معا". وسيحاول أردوغان على الأرجح استغلال هذا الحشد الضخم من كل ألوان الطيف السياسي في إحكام قبضته على البلاد وهي عضو بحلف شمال الأطلسي وشريك مهم في الحرب التي تقودها الولاياتالمتحدة على تنظيم الدولة الإسلامية. وفي محاولة جديدة لإظهار وحدة الصف بعد الانقلاب الفاشل الذي قام به مجموعة من الجيش أصدر قائد القوات الجوية التركية بيانا نادرا من نوعه أكد فيه على "الطاعة المطلقة" لرئيس هيئة الأركان العامة بالجيش، وكان بعض أفراد السلاح الجوي ضمن منفذي محاولة الانقلاب. وأدان الجنرال خلوصي أكار رئيس هيئة الأركان العامة الذي احتجزه الانقلابيون رهينة مساء يوم 15 يوليو المتآمرين يوم الأحد ووصفهم بأنهم "جبناء في زي رسمي" ألحقوا ضررا بالغا بالبلاد وجيشها. وأعلن أردوغان -الذي نجا بالكاد من الاحتجاز وربما القتل أثناء محاولة الانقلاب- الطوارئ في البلاد مما أتاح له إصدار قوانين دون موافقة مسبقة من البرلمان في إطار مسعى لاجتثاث أنصار الانقلاب. ويخشى منتقدو أردوغان أن يستغل الرئيس محاولة الانقلاب الفاشلة لشن حملة على معارضيه، فقد أوقفت السلطات التركية عن العمل أو اعتقلت أو استجوبت أكثر من 60 ألف شخص بين جنود وأفراد من الشرطة والقضاء ومدرسين وموظفين حكوميين وغيرهم خلال الأسبوع الماضي. وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم يوم السبت إن السلطات تحتجز نحو 13 ألف شخص بسبب محاولة الانقلاب منهم 8831 جنديا، وتعهد بأن تكون محاكماتهم عادلة. وقالت منظمة العفو الدولية إنها حصلت على أدلة موثوق بها على أن المعتقلين يتعرضون للضرب والتعذيب والاغتصاب منذ محاولة الانقلاب. وقال جون دالهويزن مدير المنظمة في أوروبا في بيان "من الضروري تماما أن توقف السلطات التركية هذه الممارسات البغيضة وأن تسمح لمراقبين دوليين بزيارة كل هؤلاء المعتقلين في أماكن اعتقالهم". ومدد أردوغان في مرسوم أصدره مدة احتجاز المشتبه بهم من أربعة أيام إلى 30 يوما في خطوة قالت منظمة العفو الدولية إنها زادت من مخاطر التعذيب أو أشكال أخرى من سوء معاملة المعتقلين، لكن حتى الآن تحظى هذه الحملة بشعبية واسعة فيما يبدو. وقال هارون كاليانجو (34 عاما) الذي شارك في التجمع وهو مصمم أثاث من أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم "حالة الطوارئ أمر جيد ومن الجيد أيضا اعتقال كثير من الأشخاص وتمديد فترة الاحتجاز"، ومضى يقول: "إذا فقد الناس وظائفهم لابد أن يكونوا مذنبين"، وقالت زوهال تولبرت وهي موظفة متقاعدة إن الحكومة يجب ألا تقصي أحدا. وأضافت: "على الحكومة أن تفكر في الأخطاء التي ارتكبتها. عليها أن تفكر في النصف الآخر من المواطنين (الذين لم يصوتوا لها)، علينا جميعا أن نوحد صفوفنا". واتهم أردوغان رجل الدين التركي المقيم في الولاياتالمتحدة فتح الله كولن الذي يتمتع بقاعدة شعبية واسعة في تركيا بتدبير الانقلاب الفاشل. وفي أول مرسوم أصدره أمر أردوغان بإغلاق آلاف المدارس الخاصة والجمعيات الخيرية والمؤسسات التي يشتبه في صلتها بكولن الذي أنكر أي صلة له بمحاولة الانقلاب. وسارع قادة حزب الشعب الجمهوري وغيره من الأحزاب السياسية بالانضمام للحزب الحاكم في إدانة محاولة الانقلاب آخذين في الاعتبار أربعة انقلابات عسكرية سابقة في تركيا خلال 60 عاما مضت. وأدى أحدث انقلاب في عام 1980 إلى اعتقالات جماعية لسياسيين وغيرهم وعمليات تعذيب وإعدام. وتغطي أعلام تركيا ميدان تقسيم كما تغطي أغلب أرجاء إسطنبول ومدن تركية أخرى ويحمل أنصار حزب الشعب الجمهوري كذلك صور بطلهم كمال أتاتورك الذي أسس الجمهورية العلمانية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية عام 1923. ويميل أنصار حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي له أردوغان والذي يحكم البلاد منذ 2002 عادة إلى رفع الشعارات الدينية. لكن الانقلاب وحد الجانبين مع تصاعد المشاعر الوطنية، ووفر رئيس بلدية إسطنبول قدير طوب باش وهو من حزب العدالة والتنمية مواصلات مجانية للمشاركين في التجمع. وأبدت أحزاب المعارضة دعما لحملة التطهير ضد أنصار الانقلاب ممزوجا بدعوات للمصالحة وضبط النفس. وقال "إعلان تقسيم"، الذي أصدره كليجدار أوغلو: "يجب تطهير تركيا تماما من حكم الانقلابيين، يجب ألا تحكم الدولة بالغضب والانتقام، يجب محاكمة من قاموا بالتمرد المسلح بشكل قانوني مع الالتزام بحكم القانون". ومن المقرر أن يجتمع المجلس العسكري الأعلى برئاسة أردوغان يوم 28 يوليو، وقال أردوغان لرويترز في حديث يوم الخميس إنه سيعيد هيكلة القوات المسلحة ويضخ "دماء جديدة" في الجيش. وبعد محاولة الانقلاب تعهدت الدول الغربية بدعم الديمقراطية في تركيا لكنها أبدت قلقها كذلك من نطاق عمليات التطهير لمؤسسات الدولة.