تشير كافة التقديرات إلى أن مصير قاعدة انجرليك الجوية التركية سيكون كاشفا ومؤشرا على اتجاهات العلاقة التركية الأمريكية على المستوى الاستراتيجي والعسكرى فى الاشهر القادمة حيث تدور محادثات بين مسؤولين أمريكيين وأتراك حول مستقبل قاعدة انجرليك وإجراءات إعادة تنظيم العمل فيها على ضوء القرارت الاخيرة عن القيادة التركية بإغلاق قطاعات من القاعدة فى أعقاب المحاولة الانقلابية التى شهدتها تركيا يوم الجمعة قبل الماضى. وتفيد المعلومات المتوافرة حتى الآن بتراجع عدد القوة الأمريكية العاملة فى القاعدة إلى 100 فرد وعائلاتهم وجميعهم من العاملين فى الوظائف الفنية والحساسة فى القاعدة حيث أخلت الولاياتالمتحدة كل ما لا تستعدى الحاجة تواجده فى القاعدة خلال الأسبوع الماضي. وعاشت قاعدة انجرليك أسبوعا من الظلام بعد أن تم قطع الكهرباء عنها يوم الجمعة قبل الماضي فور قيام الانقلابيين بتحركهم، و بالأمس فقط عادت الكهرباء إلى قاعدة انجرليك، وتقرر أن تبدأ اعتبارا من غد / الاحد / كافة اعمال القتال الجوى المنفذة عبر قاعدة انجرليك لمحاربة داعش بوتيرة كاملة حيث ستستأنف طائرات التزود بالوقود من طراز / كى سى 135 / عملياتها غدا كما ستبدأ الطائرات القتالية التى تعمل بدون طيار / بريديتور / انطلاقاتها بصورة كاملة اعتبارا من الغد من القاعدة التركية لتنفيذ مهام مكافحة الارهاب المنوطة بها . و لقاعدة انجرليك أهمية خاصة للأمن الامريكى .. فعلى امتداد العامين الماضيين تراقب اجهزة الاستخبارات الامريكية باهتمام مجمل الاوضاع الامنية فى تركيا لتأمين وجود العسكريين والخبراء الامريكيين فى قاعدة انجرليك التركية، ففى يناير 2014 اعلنت قيادة القوات الجوية الامريكية – فرع عمليات حلف شمال الاطلنطى – ان عدد الخبراء و الفنيين الامريكيين العاملين فى القاعدة التركية / انجرليك / لن يتعدى 60 فردا وأن فترة عملهم فى القاعدة لن تتعدى 24 شهرا. وقال الميجور جيراردو جونزاليز الناطق باسم القوات الجوية الامريكية العاملة فى اوروبا وافريقيا ان احتياطيات أمنية مشددة يتم تطبيقها لحماية الاطقم الامريكية العاملة فى قاعدة انجرليك التركية على مدى العامين الماضيين، وكشف المتحدث العسكرى الامريكى عن صدور تعليمات فى اواخر العام الماضى لهم بالحد من التحركات خارج محيط القاعدة بمسافات بعيدة الا فى حالات الضرورة القصوى ولأغراض العمل. ثم جاءت التفجيرات الارهابية التى شهدتها تركيا فى اسطنبول و انقرة بدءا من فبراير الماضى لتصاعد من المخاوف الأمنية على حياة الاطقم الامريكية العاملة فى قاعدة انجرليك وعائلاتهم، وبات من غير المعلوم ما اذا كان سيتم السماح للاطقم الامريكية العاملة فى انجرليك باستمرار اصطحاب عائلاتهم معهم الى تركيا حال القدوم اليها مستقبلا، و تجدر الاشارة فى هذا الصدد الى ان غالبية عائلات العسكريين الامريكيين العاملين فى قاعدة انجرليك قد غادروا تركيا فى اعقاب بشكل متدرج منذ مارس الماضى. وسيظل مستقبل عمل قاعدة انجرليك التركية بكل من فيها من طائرات و طيارين موضع شك فى اعقاب المحاولة الانقلابية الاخيرة فى تركيا ، فقد أكدت القيادة العسكرية الاوروبية والأمريكية المشتركة أمس الجمعة، أن انجرليك ستظل فى وضع جهوزية دائم وكامل لتنفيذ اي مهام قتالية تتعلق بمكافحة الارهاب فى منطقة الشرق الاوسط و انه سيتم الاستعانة بمنظومة توليد احتياطية قوية لتشغيل القاعدة فى حالة معاودة التيار الكهربى انقطاعاته مستقبلا على غرار ما حدث هذا الاسبوع . وتفيد التقارير العملياتية من انجرليك بأن عدد الطلعات الجوية المنفذة لمكافحة الارهاب الداعشى عبر القاعدة خلال الفترة من 16 و حتى 19 يوليو الجارى قد شهدت تراجعا طفيفا لكنها لم تتوقف، كما تم اللجوء على قواعد قريبة فى المنطقة لمتابعة شن الضربات الجوية على داعش ، و تبين ان عدد ساعات الطيران القتالى للمروحيات الامريكية من طرازات اباتشى / 10 / و اف – 15 و اف 16 و القاذفات / بى 52 / التى تتمركز جميعها فى قاعدة انجرليك التركية كانت أقل عن معدلاتها الطبيعية. ويرى رالف جوديز وهو كولونيل متقاعد وخبير فى عمليات القتال الجوى وقاعدة سابق للقوة الجوية المشتركة لحلف شمال الاطلنطى فى ازمير ان قاعدة انجرليك التركية تتمع بموقع استراتيجية وجغرافى جيد يعطيها اهمية كبرى فى الحرب على الارهاب تماما مثلما كانت قاعدة تمركز استراتيجية ابان ذروة الحرب الباردة. وبشكل عام.. يتوقع عسكريون امريكيون ان تؤثر اضطرابات الوضع الراهن فى تركيا على مسار تنفيذ برنامج التدريب العسكرى الامريكية على الاراضى التركية و فى مقدمتها برامج تدريب الطيارين و برامج ادارة عمليات الطائرات التى تعمل بدون طيار و التى يتم بعضها فى ازمير و بعضها الاخر فى انجرليك . وعلى الرغم من نقاط الخلاف التركية الامريكية حول تسليم واشنطن فتح الله جولن الذى يتهمه الرئيس التركى رجب طيب اردوجان بأنه الرأس المدبر لانقلاب 15 يوليو، لا يتوقع المراقبون اقدام الرئيس التركى على تجميد علاقات التعاون مع واشنطن فى المجالات العسكرية وهو ما تؤكده جولى سميث خبيرة شئون الشرق الاوسط فى مركز نيو اميريكان للتقديرات الامنية والاستخبارية ومقره واشنطن، وهى ترى كذلك ان علاقات التعاون العسكرى بين تركيا و الولاياتالمتحدة مفيدة للاتراك ربما بدرجة تفوق افادتها للأمريكيين وان القادة الاتراك يعلمون جيدا بأنهم سيكونون اول الخاسرين اذا اوقف العمل فى برامج التعاون العسكرى مع واشنطن . وعلى الجانب الآخر.. يرى متابعون للموقف الأمنى والعسكرى فى تركيا ان كثيرين من مسئولى برامج التعاون العسكرى مع الولاياتالمتحدةالامريكية من الجنرالات الاتراك قد تم اعتقالهم فى اعقاب المحاولة الانقلابية الاخيرة، وان مزاج القيادة التركية بعد الانقلاب يتجه بشكل واضح الى تقليص نفوذ العسكريين فى تقرير الابعاد السياسية لقضايا التعاون الدفاعى الخارجى، وكشفت مصادر أمريكية عن أن عددا غير قليل من خيرة المدربين العسكريين الأتراك من الضباط الذين دربتهم واشنطن فى إطار برامج تعاونها العسكرى مع تركيا قد تم اعتقالهم الامر الذى سيؤثر سلبا على برامج "إعداد المعلمين العسكريين" الذى يتم تنفيذه بصورة مشتركة بين انقرةوواشنطن منذ سنوات. وتشير التقارير الإخبارية إلى أن ما لا يقل عن 124 جنرالًا وضابطًا كبيرًا فى الجيش التركى قد تم اعتقالهم بما فى ذلك القادة المسئولين عن انشطة مكافحة الارهاب فى قطاعات بيتليس وحكارى وسرناك بجنوب شرق تركيا وجميعهم ضباط كبار يقودون عمليات التصدى لأنشطة حزب العمل الكردستانى المسلحة فى هذه المناطق، كما ترى الدوائر العسكرية الأمريكية أن السبيل المضمون لاستمرار التعاون العسكرى الأمريكى مع تركيا هو استمرار تلقى واشنطن لبعثات التدريب العسكرى التركية فى الولاياتالمتحدة وهى البرامج التى وضع أساسها وزير الدفاع الأمريكى آنذاك دونالد رامسفيلد قبل اعوام، مؤكدًا استراتيجية التحالف بين واشنطن وأنقرة فى محاربة التطرف.