إيمان عمر الفاروق - خبراء الأمن: ليست ذات جدوى ووجدها رمزيا أكثر منه تكتيكيا
- لا يتوافر إجماع بين أعضاء الناتو على خفض حجمها أو سحبها حاليا
- خبراء الأمن والاستخبارات: التطورات الأخيرة بتركيا تثبت أن الترسانة النووية لا يتوافر لها شروط السلامة لأنها تقع فى بوتقة من نار
- مجلة "نيويوركير" الأمريكية: المحاولة الانقلابية الفاشلة ذات تداعيات على الأمن القومى الأمريكى بالنظر إلى المخزون النووى بقاعدة إنجرليك
برميل وقود قابل للاشتعال فى أى لحظة، أخدود نار بالقرب من مدينة أضنه، يمكن أن يستخدم أو يساء استخدامه برغم وجود أكواد خاصة به، إنه أكبر مخزون نووى لحلف شمال الأطلنطى تنام فوقه قاعدة أنجرليك بجنوب شرق تركيا، أحد أهم وأخطر بؤر العلاقة التركية – الأمريكية بل والأطلسية عامة، حيث يوجد به نحو 50 قنبلة هيدروجينية، فعلى خلفية المحاولة الانقلابية الفاشلة التى شهدتها تركيا ليلة 15 من يوليو، ثار الحديث عن انعكاسات تلك العاصفة الخاطفة على علاقتها بحلفائها بالناتو بل وعضويتها به، التى يلوح البعض باحتمالات تعليقها. فتح الله كولن رقما صعبا فى العلاقة بين واشنطن وأنقر،ة وإن كان ما يثار حوله فى العرف الأمريكى مجرد بروباجندا، لكن ما يثير الفزع الحقيقى لدى حلف شمال الأطلنطى هو الترسانة النووية بقاعدة أنجرليك فهى الهاجس الأمنى الأكبر للحلف الذى يبحث عن سبيل لطمأنته، فما هى تداعياته على الأمن القومى الأمريكى والعالم بصفة عامة ؟ وهل سيقود ذلك إلى خفض حجم تلك الترسانة أو سحبها بالكامل بعد ما تعرضت له القاعدة من مخاطر، لدرجة رفع حالة التأهب لأقصى درجة؟
تعتبر تركيا الخط الأمامى والقاعدة الأم لكثير من عمليات التحالف الدولى لمواجهة الإرهاب فى سوريا المجاورة، و تركيا هى الحَكم بشأن أزمة اللاجئين الفارين من الشرق الأوسط إلى أوروبا والذين يضغطون على القارة الأوروبية بشكل كبير. وهى ثانى أكبر جيش بالحلف بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية . ويعتمد البنتاجون بشكل متزايد على المنشآت العسكرية التركية لشن حرب من أجل مكافحة الإرهاب فى كل من العراقوسوريا، مثل قاعدة إنجرليك الجوية جنوبى تركيا قرب الحدود مع سوريا، ومطار ديار بكر جنوبى شرقى البلاد، وقاعدة إزمير جنوبى غربى إسطنبول والتى يستخدمها الجنود الأمريكيون، وكذلك قاعدة أكساز البحرية على ساحل بحر إيجة.إلا أن قاعدة إنجرليك وهى الأكثر شهرة، الأهم والأكثر خطورة على الإطلاق ولهذا كانت إحدى جبهات المواجهة والساحات التوتر إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة، حيث تم إغلاقها وقطع الكهرباء عنها ثم أعيد فتحها وتم اعتقال قائدها التركى بكير أرجان فان، وترددت أنباء عن رفض السلطات الأمريكية طلبه بمنحه اللجوء، حيث أفادت صحيفة "نيويورك تايمز"الأمريكية بأنه تلقى ردا سلبيا من المسئوليين الأمريكيين بعد فشل محاولة الانقلاب . وقاعدة إنجرليك ذات طبيعة خاصة، فهى ليست فقط أضخم مخزون أسلحة حربية تابعة للقوات الجوية الأمريكية فى الخارج، لكنها تضم إلى جانب المنشآت العسكرية مدينة متكاملة للعاملين فيها، تضم نحو سبعة آلاف عسكرى إلى جانب الموظفين المدنيين. سمحت أنقرة فى يوليو 2015 للقوات الأمريكية باستخدام هذه القاعدة لشن هجمات ضد تنظيم الدولة الإسلامية بالعراقوسوريا. المحاولة الانقلابية الفاشلة التى هزت تركيا، أثارت تساؤلات عريضة حول جدوى الاحتفاظ بتلك الترسانة النووية، بقاعدة إنجرليك، لاسيما أن الهدف من وجودها رمزيا أكثر منه تكتيكيا، حيث تُعد قرينة حية على الالتزام الأمريكى بالدفاع عن الحلفاء بالحلف ورأس حربة فى مواجهة روسيا. وقد عبر عن تلك المخاوف عدد من الخبراء والمحللين مثل السيد هانز كريستيان – خبير الأسلحة النووية باتحاد العلماء الأمريكيين – الذى صرح قائلا "أعتقد أن التطورات الدرامية الأخيرة بتركيا كشفت بجلاء حجم المخاطر المحدقة بمخزوننا النووى بقاعدة إنجرليك، والتى تضاعفت بشكل ملحوظ على مدار السنوات الخمس الماضية وبدرجة باتت تفوق المنافع التى قد تعود علينا جراء الاحتفاظ به، فالأوضاع الأمنية هناك لا تساعد على توافر معايير السلامة الأمنية وهو إنذار بأن الوقت قد حان لسحب تلك الترسانة". إيان كيرنس – مديرمركز شبكة القيادة الأوروبية – يرى أن الاحتفاظ بتلك الترسانة بات يتنافى مع المنطق، لكونها تقع فى بوتقة غير آمنة وفق تقديرات خبراء الأمن والاستخبارات. مجلة "نيويوركير "الأمريكية دقت أجراس الإنذار بخطورة الأوضاع بالقاعدة بتقرير عنوانه ذات دلالة موحية "تركيا ..قنبلة الناتو الهيدروجينية " أشارت به إلى أن التطورات الدرامية الأخيرة أثارت علامات الاستفهام حول تداعيات ما حدث على الأمن القومى الأمريكى بالنظر إلى الترسانة النووية التى تم زرعها بقاعدة إنجرليك التركية تمثل حوالى 25% من أسلحة الناتو النووية بمخازنه الخارجية . جاء قرار بنائها عام 1943 خلال مؤتمر القاهرة الثانى آنذاك، لكن أعمال بنائها بدأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ووقعت هيئة الأركان العامة التركية والقوات الجوية الأميركية اتفاقية الاستخدام المشترك لهذه القاعدة عام 1954، وكانت الخطة الأولية للأمريكان تقضى باستخدامها قاعدة طوارئ وموقعا لإصلاح القاذفات المتوسطة والثقيلة. المستخدمون الرئيسيون لهذه القاعدة، هم القوات الجوية فى الجيش التركى والقوات الأميركية إضافة للقوات الجوية الملكية البريطانية. ترابط فى القاعدة قوات تركية قوامها حوالى سبعة آلاف عسكرى إضافة للموظفين المدنيين والمتعاقدين. وهى أيضا مقر للوحدة 39 للطائرات المقاتلة التابعة للقوات التركية والأمريكية، والتى تنفذ عمليات القتال والمساندة الجوية والبرامج التدريبية على الخطوط الأمامية لحلف شمال الأطلنطى وتحوى قاعدة إنجرليك أكبر مخزون للأسلحة الحربية التابعة للقوات الجوية الأميركية فى الخارج. كما تضم تقريبا 57 مأوى للطائرات. كانت إنجرليك أحد محاور العمليات الجوية ضد العراق خلال حرب الخليج الثانية، كما احتضنت القوات الدولية المشاركة فى مراقبة حظر الطيران شمالى العراق، واستخدمت خلال الأزمة اللبنانية عام 1958، إضافة لاستضافتها طائرات التزود بالوقود خلال العمليات العسكرية فى أفغانستان عقب هجمات الحادى عشر من سبتمبر2001. وبحسب مسئولين أمريكيين، فإن الرئيس الأمريكى باراك أوباما ونظيره التركى رجب طيب أردوغان اتفقا على استخدامها فى الحرب ضد ما يٌعرف بتنظيم الدولة الإسلامية خلال مكالمة هاتفية، وذلك بعد أشهر من المفاوضات الحساسة التى ظلت الولاياتالمتحدةالأمريكية تجريها مع أنقرة بشأن استخدام قاعدة إنجرليك والقواعد الأخرى فى تركيا. وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة الوطنية للأمن النووى فى وزارة الطاقة الأمريكية كانت تنوى أخيرا استبدال ترسانة الأسلحة النووية الموجودة فى قاعدة إنجرليك التركية بقنابل محدثة. وحسبما ذكرت وسائل إعلام تركية، فإن قاعدة إنجرليك تحوى حوالى 60-70 قنبلة من هذا النوع. ويدور الحديث عن القنابل من طراز "B61 -12"، التى سوف تحل محل النسخة القديمة "B61". وتمتاز القنبلة الجديدة بالذيل المعدل، الذى يزيد من القدرة على تتبع الهدف. بينما القنابل"B61" لا تتمتع بهذه الميزة. وأول اختبار للقنابل المحدثة وصف بأنه ناجح. ومن المقرر أن يكون التطبيق العملى للقنابل الجديدة ممكناً فى العام 2017. وتوجد حالياً ترسانات نووية أمريكية فى أوروبا، فى قواعد فى بلجيكا وألمانيا وهولندا وإيطاليا وتركيا. ووفقاً للتقارير، هناك فى هذه البلدان ما يزيد على 160 قنبلة نووية من طراز"B61" . ويبقى هذا السرداب بما يحويه من أسرار ومخاطر ونيران بركانا خامدا أو جحيما مستترا فالقاعدة ليست فقط منصة مساومات تركية أمريكية بل ترسانة تهديد إقليمى بالغة الخطورة والمثير لهاجس الأمن عدم توافر إجماع بين أعضاء الناتو حول كيفية التعامل معها.