طوال عام مضى لاقى برنامج “,”البرنامج“,” للإعلامي باسم يوسف نجاحا باهرا وشعبية طاغية، وكان دور “,”البرنامج“,” حاسما في غضب وسخط غالبية المصريين ضد الرئيس السابق محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين؛ مما تكلل بعزل الرئيس وإبعاد جماعته في نهاية المطاف بعد ثورة 30 يونيو. خلال عام كامل حاول الإخوان كثيرا إبعاد يوسف عن المشهد، تارة عن طريق التحذير، وتارة أخرى عن طريق التهديد ببلاغات النائب العام ومحاولات إيقاف برنامجه، بل وإيقاف القناة التي تعرضه بكامل برامجها لكنهم لم يستطيعوا. خلال هذه الفترة، ساند باسم يوسف وفريق عمله المئات من المدافعين عن حرية الرأي والتعبير داخل مصر وخارجها. اعتبروا أن الأمر يمثل اعتداء صارخا من جماعة مارقة -تريد السيطرة على كل شيء- ضد حرية الكلمة. سانده الرأي العام المصري، الذي رأى في “,”البرنامج“,” الفرصة الوحيدة للتنفيس عن حالة غضب وكبت، عانى منها كثير من المصريين طوال فترة حكم مرسي وجماعته. اعتبر هؤلاء أن اتهامات من عينة محاربة الإسلام أو استخدام إيحاءات جنسية أو لفظية لإهانة الرئيس ورفاقه؛ مجرد محاولة رخيصة من قبل الجماعة لوأد حرية الإعلام وإسكات أي صوت معارض. نفس هؤلاء الأشخاص الذين أشادوا ب“,”باسم“,” وبرنامجه بالأمس، وتغاضوا عن أي إيحاءات استخدمها في الماضي، هم من ينتقدونه الآن لاستخدامه نفس الأسلوب ضد السلطة المؤقتة التي تحكم البلاد حاليا، ولمجرد نقده على استحياء للفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع. الأغرب هو موقف إدارة القناة التي تبث “,”البرنامج“,”، والتي طالما دافعت عن باسم يوسف، وساندت برنامجه طوال عام مضى، ورفضت أي حديث عن وجود إسفاف أو إيحاءات جنسية تحت شعار الدفاع عن حرية الإعلام، فإذ بنفس الإدارة تستهجن التلميحات والإيحاءات التي صدرت عن “,”البرنامج“,” مع عودته للظهور مرة أخرى الأسبوع الماضي. كنت أعتقد أن ثورتي 25 يناير و30 يونيو قد غيرتا الكثير من الثوابت في حياة المصريين، وأن مفاهيم مثل الحرية والشفافية والنزاهة قد أصبح لها معنى بالفعل في حياة الناس، لكن يبدو أننا ما زلنا في بداية الطريق، فمن غير المعقول أن نتحدث عن دستور شفاف يمثل المصريين جميعا، وانتخابات ديمقراطية نزيهة يتباهى بها العالم، واحترام للحقوق والحريات المتعارف عليها في غالبية دول العالم، ونحن لا نتقبل أي نقد ولا نسمع الرأي الآخر لمجرد أنه يقدم فكرا مختلفا عن النمط السائد. بالمناسبة أنا أختلف مع كثير مما طرحه باسم يوسف في حلقته الأولى بعد العودة؛ لكن لا يعني ذلك أن أطالب الرجل بتغيير ما يقول أو أن أؤيد ما قام به البعض بتقديم بلاغات كيدية للنائب العام ضد مضمون برنامجه أو أن أطالب بإيقاف البرنامج، ومحاكمة فريق عمله لمجرد انتقاده لشخص أو عرضه لرؤية مختلفة. الطبيعي أن نتقبل الرأي الآخر، وندرك جيدا أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء إذا ما أردنا فعلا إحداث تقدم حقيقي لمجتمعنا ونهضة ثقافية قائمة على حرية الفكر والإبداع في بلادنا مصر.