وقعت فى غرام ما يكتبه خالد محمد خالد من أول كتاب. «أفكار فى القمة».. هذا اسمه، وأعتقد أنه كتاب مغمور له، لا يحظى بشعبية كتبه الأخرى، خاصة «رجال حول الرسول»، وخماسيته عن الخلفاء الراشدين، لكنه فى اعتقادى الكتاب الأهم عنده، لأنه يكشف جوهره الإنسانى السمح، الذى يحصد فى صدره كل ما قاله عباقرة البشر بصرف النظر عن دينهم أو معتقدهم، ثم ينسج منه ما يرتديه الإنسان فى كل مكان. فى مقدمة الأفكار يقول خالد محمد خالد: «لست فى هذا الكتاب مؤلفًا، إنما أنا قارئ، ومع الفكر الإنسانى فى شتى آفاقه، سنمضى معا وقتا طيبا مباركا فيه، وهذه المختارات التى طالعتها - بين ما طالعت - عزيزة على، أثيرة لدى، ومن أجل هذا أحببت أن تشاركونى متعتها والانتفاع بها، وهى قليل من كثير، مما تركه لنا الفكر العظيم». استند خالد إلى النبى محمد فى كلماته التى تشكل موقفًا باهرًا ضد ما فى الحياة البشرية من عجز، إنه بالنسبة له الرسول الصادق الأمين، الذى حبا البشرية من قلبه الكبير، وأعطاها من ذات نفسه، ما يجعل مكانه الأول دومًا كلما جاء ذكر الذين آزورها ومهدوا لها الطريق. التقى خالد على الورق مع مفكرى الصين «لاوتسى» و«كونفوشيوس» و«منشيس»، كانوا بالنسبة له عمالقة يستنبطون الحكمة من أعماقها، ويهدون سواء السبيل، وفى الهند يقابل «بوذا» هذا الطود الشامخ، وفى مصر القديمة يصغى ل«امنموبى» و«بتاح حوتب» و«خيتى» وهم يفكرون تفكيرًا أخلاقيًا عذبًا. ولما تلاشى الزمان به يرى نفسه وجها لوجه أمام «توم بين» إحدى معجزات العبقرية البشرية والضمير الإنسانى، هذا الذى قال «هذا العالم قريتى».. وبعده يلتقى ب«جوركى» الذى غنى للحقيقة والمستقبل، ومن يد جوركى إلى محمد إقبال شاعر الهند وباكستان، الذى تحدث كثيرًا عن التجربة الدينية وعن مكانها فى عصر العلم والتجريب. لم يخف خالد محمد خالد إعجابه الشديد بفرويد، عالم النفس الشهير، قال عنه: إنه رجل يجب أن يخشاه الناس ويحذروه، فله على فضح النفوس وكشف خفاياها مقدرة خارقة، ومع ذلك فهو يهدى إلينا من خير أطيب الفكر البشرى وأكثرها نفعا. يتعلم خالد محمد خالد من «إمرسون» الحكيم الذى لا يمكن أن يمل أحد من سماعه، إنه يحذر البشر جميعًا: «من يختار الراحة لن يشاهد الحقيقة، ومن يختار الحقيقة يقضى العمر سابحًا بعيدًا عن كل مرفأ».. وعندما يسرع الخطى يقابل تولستوى الرجل الذى ودع الراحة والمرافئ، وآثر رفقة العذاب العظيم والنبيل بحثًا عن الحقيقة. ■ ■ ■ لماذا أشير إلى مقدمة كتاب «أفكار فى القمة» لهذا الحكيم الكبير، وأنا أتحدث عن القرآن فى مصر؟ المسألة ببساطة أن خالد محمد خالد الذى يحلو للبعض أن يختصره فى كونه كاتبًا إسلاميًا، أكبر بكثير من مجرد كاتب، هو مفكر وفيلسوف ومناضل بالكلمة، كان شجاعًا بما يكفى لأن يراجع أفكاره، ويعلن ذلك على الملأ. عبرت بحياته المديدة (15 يونيو 1920 - 29 فبراير 1996) عصور عديدة، كانت حرية الإنسان هدفه، وكرامته مبتغاه، ولذلك قفز على حدود الأديان، واهتم بما أنتجه مفكرو العالم جميعا، ولذلك فنظرته للقرآن مختلفة، يمكن أن تعتبرها أكثر إنسانية وعمقًا. لخالد كتاب مهم جدا هو «كما تحدث القرآن»... يقول هو عنه: «فى فبراير 1962 صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب، وكان يمثل أول محاولة من جانبى للدراسات القرآنية المباشرة، ولم يكن كما سيراه القارئ يتبع المنهج التقليدى الذى يتناول القرآن العظيم عن طريق تفسير السور والآيات، بل كان يمثل نمطًا آخر يتناول القرآن من خلال القضايا والموضوعات». التفسير الذى يحمل بصمة خالد محمد خالد يعرض من بين ما يعرض قضية الإنسان العادى رمز الكادحين البسطاء الودعاء، أو قضية وحدة الدين أو سواهما من القضايا التى تناولها القرآن فى آياته. خطط خالد إلى أن يكون «كما تحدث القرآن» جزءًا أول تتبعه أجزاء أخرى، إلى أن سيرة الخلفاء الراشدين وسير الرجال الذين نهضوا حول الرسول شدته، فاستغرق فى تأليفها وإخراجها من الوقت ما شغله عن متابعة تفسيره للقرآن، كل ما فعله أنه عاد للكتاب فى العام 1994، قدم طبعة جديدة منه، لكنه لم يكمل مشروعه الكبير، فلم تصدر أجزاء أخرى. ■ ■ ■ بتواضع شديد يقول خالد عما أنتجه: «هذه الصفحات التى تطالعها تحت عنوان (كما تحدث القرآن) لا تزعم لنفسها أنها تقدم القرآن أو تفسره، أو تنتظم بحثا عنه - إنها تلقى السمع أكثر، وترسل البصر وراء موكب من آياته الباهرات، إننا نقرأ الآية من القرآن فلا تلبث حتى تذكرنا بآية أخرى مماثلة لها، ثم تنادى الآية الثانية إلى خواطرنا آيات أخرى كثيرات، وإذا نحن آخر الأمر أمام قضية كاملة، كونت الآيات المبثوثة هنا وهناك كل عناصرها، وقالت فيها قولًا بليغًا، ولقد أغرانى هذا بأن أتتبع بعض الآيات البينات على هذا النسق، فإذا بآيات يتحدث القرآن خلالها عن نفسه، ويطرح بنفسه كل ما يدور حوله من أسئلة الشك واليقين». عبر رحلته مع القرآن لم يحاول خالد محمد خالد أن يخلع على الآيات معنى يريده، ولم يكلفها بغايات لا تريدها، بل تركها تقوده وحدها إلى غاياتها الجليلة، فإذا هو أمام فتح عظيم مبين، أتمه القرآن لحساب الإنسان، لحساب عقله وكرامته وضميره. ■ ■ ■ هنا سأهتم بما يمكننا التعامل معه على أنه دفاع القرآن الكريم عن نفسه، لم ينص خالد على ذلك فى كتابه، اكتفى بتخصيص مساحة لا بأس بها من بحثه وتفسيره أشار فيها إلى أن هذا هو كلام القرآن عن نفسه. فى الكتاب العظيم مائتان وثلاثون آية أو تزيد تحدث فيها عن نفسه، وطرح خلالها كل الأسئلة التى تتعلق به وأجاب عنها، ما هو؟ من أين جاء؟ ولماذا جاء؟ هل هو سحر؟ هل هو شعر؟ هل هو إفك مفترى؟ هل هو أساطير الأولين؟ هل هو نقض لما سبقه أم مصدق الذى بين يديه من الكتاب؟ ولماذا لم يأت جملة واحدة؟ وهل جاء لقريش وحدها أم هو ذكر للعالمين؟ وما موقفه من الذين ارتابوا فيه، والذين خاصموه وولوا عنه مدبرين؟ أجاب القرآن عن هذه الأسئلة، كل ما فعله خالد أنه وضحها، ويمكن أن نصيغ الأمر فى نقاط محددة حتى لا تتوه من بين أيدينا. أولًا: أول ما يلقاك حين تفتح المصحف هذه الآيات «الم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون، أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون». يقول خالد: هذا هو القرآن، وهذه هى أسرته، أما هو فكتاب «لا ريب فيه هدى للمتقين»... وأما أسرته فهم الذين «يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك» وهى بداية سعيدة ومبهرة ينحى القرآن بها عن نفسه صفة الإقليمية والعنصرية والطائفية، فجميع الذين لهم إيمان بالله وبالحق وبالغيب القرآن كتابهم، وهو لم يأت لينتقص ما سبقه بل جاء يكمل ويتمم، والذين يؤمنون به يؤمنون حتما وضمنا بكل ما سبقه من كتب، أما الذين يقفون بإيمانهم عند بعض الكتب السابقة لا غير، فأولئك يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض. فإذا كانت التوراة والإنجيل - الكتابان اللذان يتحدث عنهما القرآن - لم يكونا فرية ولا ضلالا، إنما كانا رحمة للناس وهدى، فكذلك القرآن الذى جاء يتمم رسالة الكتب السابقة والصادقة، وهذه لدى القرآن حقيقة لا ينبغى أن تغيب عن المؤمنين بالكتب السابقة إذا كانوا لا يبخسون إيمانهم ولا يحرفون الحقيقة أو ينكرونها، وإذا كان هناك فريق سيجمد إيمانه عند أحد الكتب السابقة حين يدعى إلى الإيمان بهذا القرآن سيكفر، فإن القرآن يرى فى هذا الموقف إنكاراً لقضية الإيمان كلها، فما دام هو مصدقا لما بين يديه من الكتب، فلماذا لا يشمله إيمان المؤمنين بها؟ ثانيًا: يلتفت القرآن إلى النبى محمد، فيخبره بأن الذين يجحدونهما معا - القرآن والرسول - إنما يستجيبون لجهالات تملى لهم وأحقاد تستحوذ عليهم، والذى يتصرف تجاه القرآن منطلقًا من جهل أو تعصب أعمى أو حقد لا يزيده وضوح الحجة وانتصارها إلا صدودًا وجحودًا، ولذلك يوصى القرآن النبى بأن يمضى فى طريقه غير عابئ بكل هؤلاء، ولا يأسى عليهم. ثالثًا: حاجج القرآن عن نفسه عبدة الأوثان ومشركى مكة وكفارها، هؤلاء الذين لم يدعوا اتهاما ينال من القرآن فى زعمهم إلا اقترفوه، فقد رأوا فيه قدرا جاء يذيع نعى آلهتهم، ونعى الضلال الذى وجدوا آباءهم عليه عاكفين، تدرج القرآن معهم فى سبيل تصحيح فهمهم وتأليف قلوبهم. ولأن القرآن يدرك دور الأنانية التى تحرك الناس وتحدد الكثير من وجهاتهم، فإنه يسأل كفار قريش: لماذا تخاصمون القرآن؟ أخوفًا على أمجادكم؟ ويحكم إذن: إنه إذا كان لكم مجد يرتقب فلن يصلكم به سبب مثلما يصلكم به هذا الفرقان، وإذا كانت الأمم لا يخلد أمجادها شىء مثلما يخلدها انتشار لسانها ولغتها، فهذا الكتاب سبيلكم إلى الخلود. يستدرك خالد فيما يقوله، لأنه يصدر القرآن للناس بصورته النفعية، فيقول: على أن هذا القرآن وهو يذكر المشركين بهذا النفع الأدبى الذى سيعود عليهم من إيمانهم به، لم يكن يريد أن يتملقهم أو يحملهم على أن ينشئوا علاقاتهم به وفق هذا النفع أو الاعتبار، إنما كان يذلل بعض الصعاب التى تلقيها غرائزهم فى طريقهم، فهو إذ يمن عليهم بأنه عربى مبين، يكشف فى نفس الوقت عن التبعات الكبرى التى تترتب على هذا الاعتبار. رابعًا: حين يذهب خصوم القرآن فى عداوته كل مذهب، يتعقبهم ناقضًا إفكهم، وداحضًا باطلهم بأسلوب إيجابى سمح، لا يعنى بتفنيد قولهم، لأنهم لا يقولون منطقًا يستحق التفنيد، إنما يعنى بكشف محاسنه هو ومزاياه، وتبيان نفعه، وإلقاء مزيد من الضوء على حقيقته، فهم مثلا يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم «قلوبنا فى أكنة مما تدعونا إليه، وفى آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب».. فيرد عليهم القرآن مقرراً أن ذلك أمر طبيعى جدًا، ويقول: «قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون فى آذانهم وقر وهو عليهم عمى، أولئك ينادون من مكان بعيد». خامسًا: حين يلجأ المشركون تارة واليهود تارة أخرى، إلى التشكيك فى القرآن، زاعمين أن الله لا ينزل على أحد من الناس وحيا، وقائلين «ما أنزل الله على بشر من شىء»، يجيبهم القرآن الكريم قائلا: «قل من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى نورًا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم»، ثم يلتفت إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، قائلا: «قل الله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون»... ويقول له: «بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله»، وحين تأخذهم العزة بالإثم، ويعجبون لماذا لم يجد الوحى سوى محمد ليتنزل عليه، ويأتيه بهذا القرآن يجيبهم: «الله أعلم حيث يجعل رسالته». سادسًا: وعندما يمعن الكفار فى إفكهم، يمعنون فى محاولتهم العاجزة المفلسة، فينعتون القرآن بكل ما توحى به أحقادهم، فهو فى زعمهم سحر، وتارة شعر، وتارة مفترى، وتارة كهانة، ويدمدم القرآن عليهم بمنطق يخطف أبصارهم، ويدك أباطيلهم، وتتتابع الآيات فى نشيد قدسى مجلجل، تقول «فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون، إنه لقول رسول كريم، وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون، تنزيل من رب العالمين، ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين، وإنه لتذكرة للمتقين وإنا لنعلم أن منكم مكذبين، وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين». سابعًا: من عبقريات القرآن أنه يترك خصومه يتخبطون فى غيظهم، ويتهاوون تحت أضوائه النابغة كالفراش المخبول، حين يعلن فى حزم أنه لن يشغل نفسه بترهاتهم، وأنه سيمضى محققا نصرا بعد نصر، وفاتحا قلوبا إثر قلوب، وهاديا إلى الله وإلى الصراط المستقيم أجيالا من بعدها أجيال، متسلحًا بالكلمة المضيئة الهادية، يفعل ذلك بالكلمة وحدها، الكلمة التى لا تتكون من أسنة ولا رماح بل من حروف بسيطة سهلة، «الر، تلك آيات الكتاب الحكيم»، و«طسم، تلك آيات الكتاب المبين»، و«طس، تلك آيات القرآن وكتاب مبين» و«الم، تلك آيات الكتاب الحكيم»، بمثل هذه الكلمات المعجزة الميسرة فى تركيبها، المعجزة فى جوهرها، الفاصلة فى منطقها وحجتها، يمضى القرآن مخلفا وراءه كيد الكائدين له والمتربصين به، جاعلًا حسبه أولئك الذين فتحوا لآياته قلوبهم. ■ ■ ■ رصد خالد محمد خالد وبشكل واضح المنهج الذى سلكه القرآن للدفاع عن نفسه، ثم ينتقل بعد ذلك لرصد إجابات القرآن عن الأسئلة المعلقة فى رقبته. يجيب عن سؤال كيف يتنزل، ولماذا يجىء، بقوله: «بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين» و«وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين» و«نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين». أما بماذا نزل ولماذا؟ وما موضوعه وما وجهته ورسالته؟ فيقول: «وبالحق أنزلناه وبالحق نزل»، و«ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، إلا تذكرة لمن يخشى»، و«كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد» و«وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا، وما بين ذلك، وما كان ربك نسيا». وعن سؤال لماذا لم يتنزل القرآن جملة واحدة، يقول: «كذلك لنثبت به فؤادك ورتلانه ترتيلا» و«وقرآنا فرقناه لتقرأه على مكث ونزلناه تنزيلا». وإذا اعترضت طريقنا وقلت: لماذا لم يفتح القرآن جميع القلوب بنوره ما دام حقا، ولماذا لم يطو أفئدة الظالمين؟ ستجده يقول لك: «وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، ولا يزيد الظالمين إلا خسارا» و«وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين». وأما عن طبيعة تركيبه، فيقول هو عنها: «منه آيات محكمات هن أم الكتاب، وآخر متشابهات، فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون فى العلم يقولون آمنا به، كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب». وقبل أن تسأل: لمن جاء هذا القرآن؟ ألقريش وحدها، أم للعرب جميعا، أم للناس كافة، تجده يمنحك الإجابة: «وإنه لذكر لك ولقومك» و«هذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذى بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها» و«إن هو إلا ذكر للعالمين»... إنه تنزيل رب العالمين فليكن للعالمين جميعًا، للناس كلهم، ويقول: «إنا أنزلنا الكتاب للناس بالحق» و«هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون». ■ ■ ■ يختم خالد محمد خالد حديثه عن حديث القرآن عن نفسه بقوله: هكذا أعطانا طرفا مضيئا من قصته، ومن رحلته، كما أعطانا قبسا من جوهره وحقيقته. لقد أخذ الكاتب الكبير طريقا مختلفا، فسر القرآن بالقرآن، وهى صيغة لا يقدر عليها إلا من أخلص لكتاب الله، فحصل منه على بعض أسراره، لم يستشهد خالد بقصة من قصص التراث، ولم يأت بحديث واحد، ولم يشر إلى تفاسير الآخرين، اكتفى بالقرآن، فى إشارة إلى مدرسة من مدارس التفسير، لم تحصل على فرصتها كاملة، لكن يكفى جدًا أنها موجودة، وأعتقد أن انتباهنا إليها يمكن أن يفتح طريقا لها من جديد.