«دور الشباب في تحقيق رؤية مصر 2030» فعاليات المؤتمر الطلابي الأول بسوهاج    وصلت لحد تضليل الناخبين الأمريكيين باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي.. «التصدي للشائعات» تناقش مراجعة وتنفيذ خطط الرصد    «تعليم الأقصر»: اليوم الثقافي الياباني تجسيد حي للصداقة بين مصر واليابان    رئيس جامعة المنوفية يعقد اجتماع لجنة البحوث العلمية «أون لاين»    "المصري الديمقراطي" يعقد جلسة نقاشية بعنوان "الإصلاح الاجتماعي من منظور الديمقراطية الاجتماعية"    رئيس «كهرباء جنوب الدلتا» يقود حملة ضبطية قضائية للحد من سرقات التيار    سفيرة الاتحاد الأوروبي ومدير مكتب الأمم المتحدة للسكان يشيدا باستراتيجية مصر لدعم الصحة والسكان    نتنياهو: الهجوم الجديد على غزة سيكون مكثفاً    جانتس: التأخير في تشكيل لجنة تحقيق رسمية بأحداث 7 أكتوبر يضر بأمن الدولة    مشادة بين لاعب بتروجت وسيراميكا وبطاقة حمراء «فيديو»    رئيس الخلود ل «المصري اليوم»: لن نترك ديانج يشارك في كأس العالم    سيخضع لفحص طبي جديد.. يوفنتوس يعلن إصابة كامبياسو    مصر تحصد 62 ميدالية بالبطولة الأفريقية للمصارعة بالمغرب وتتصدر كؤوس المركز الأول    مشهد جنائزي مهيب.. أهالي الشرقية يودعون روان ناصر طالبة كلية العلوم    الأرصاد: طقس غداً الثلاثاء حار نهاراً معتدل ليلاً على أغلب الأنحاء    جنايات بورسعيد تؤيد سجن متهم ثلاث سنوات لتهديد سيدة بصورها الخاصة وابتزازها ماليًا    وفدان من تايلاند ورومانيا يزوران المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية    تعرف على مكان وموعد عزاء الفنان نعيم عيسى    الغرف السياحية: التأشيرة الإلكترونية ستؤدى إلى زيادة كبيرة في أعداد السائحين    حظك اليوم.. تعرف على توقعات الأبراج اليوم 5 مايو    مهرجان مسرح الجنوب يُكرم الكاتب محمد ناصف    ما حكم الاقتراض لتأدية فريضة الحج؟.. عضو مركز الأزهر تُوضح    هل يجوز التحدث أو المزاح مع الغير أثناء الطواف؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    محافظ الدقهلية يتفقد مستشفى المنصورة التخصصي: يثني على أداء المستشفى والاطقم الطبية والتمريض    تقارير تكشف موعد سحب قرعة بطولتي كأس العرب ومونديال الناشئين    حقيقة تعثر مفاوضات الزمالك مع كريم البركاوي (خاص)    بعد جنازته بمصر.. كارول سماحة تقيم عزاء زوجها في لبنان الخميس    الرئاسة الروسية: سننظر إلى أفعال المستشار الألماني الجديد    أسعار الأسماك اليوم الإثنين 5 مايو 2025 .. البلطي ب 100 جنيه    «المركزي» يطرح سندات خزانة ب3 مليارات جنيه    لمدة 20 يوما.. علق كلي لمنزل كوبرى الأباجية إتجاه صلاح سالم بالقاهرة    رئيس الاتحاد الدولي للترايثلون: مصر تستحق تنظيم دورة الألعاب الأولمبية    مستقبل الذكاء الاصطناعي ضمن مناقشات قصور الثقافة بالغربية    شام الذهبي: الغُناء بالنسبة لي طاقة وليس احتراف أو توجه مهني    وزير التعليم العالي يُكرّم سامح حسين: الفن الهادف يصنع جيلًا واعيًا    "قومي حقوق الإنسان" ينظّم دورتين تدريبيتين للجهاز الإداري في كفر الشيخ    وزير الاتصالات يغادر إلى طوكيو للمشاركة في فعاليات مؤتمر "سوشي تك"    محافظ الجيزة يوجه بصيانة مصعد فرع التأمين الصحي ب6 أكتوبر    محافظ المنوفية يلتقى وفد الهيئة العامة لاختبارات القطن    الهند تحبط مخططا إرهابيا بإقليم جامو وكشمير    العملات المشفرة تتراجع.. و"بيتكوين" تحت مستوى 95 ألف دولار    ترامب يرسل منظومتي باتريوت لأوكرانيا.. ونيويورك تايمز: أحدهما من إسرائيل    وزارة الصحة تعلن نجاح جراحة دقيقة لإزالة ورم من فك مريضة بمستشفى زايد التخصصي    قطاع الرعاية الأساسية يتابع جودة الخدمات الصحية بوحدات طب الأسرة فى أسوان    "وُلدتا سويا وماتتا معا".. مصرع طفلتين شقيقتين وقع عليهما جدار في قنا    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    فيديو.. ترامب يكشف عن نيته بناء قاعة رقص عالمية في البيت الأبيض    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    جوري بكر في بلاغها ضد طليقها: "نشب بيننا خلاف على مصروفات ابننا"    هيئة الرعاية الصحية: نهتم بمرضى الأورام ونمنحهم أحدث البروتوكولات العلاجية    جدول امتحانات الترم الثاني للصف الثاني الثانوى في القليوبية    الكرملين: بوتين لا يخطط لزيارة الشرق الأوسط في منتصف مايو    مصرع طالبة صعقًا بالكهرباء أثناء غسل الملابس بمنزلها في بسوهاج    مقتل شاب على يد آخر في مشاجرة بالتبين    نتنياهو: خطة غزة الجديدة تشمل الانتقال من أسلوب الاقتحامات لاحتلال الأراضى    ارتفعت 3 جنيهات، أسعار الدواجن اليوم الإثنين 5-5-2025 في محافظة الفيوم    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    على ماهر يعيد محمد بسام لحراسة سيراميكا أمام بتروجت فى الدورى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة جديدة في أوراق العباسيين "4"
نشر في البوابة يوم 02 - 07 - 2016

أورث أبوجعفر المنصور، ثانى الخلفاء العباسيين، ولده المهدى رعية مطيعة، وثغورًا منيعة، وأورثها المهدى إلى ولديه الهادى ثم هارون الرشيد وأورثها هارون الرشيد لأولاده الثلاثة الأمين فالمأمون فالمعتصم وأورثها المعتصم لولده الواثق، وبحكم الواثق انتهى ما يعرف بالعصر العباسى الأول، أكثر عصور الدولة الإسلامية نهضة وحضارة، وإذا توخينا الصدق لزدنا (وفقهًا وطهارة) وإذا أردنا استكمال الصورة لأضفنا وفسقًا ومجونًا، وليس فيما ذكرناه مبالغة أو سعى وراء سجع الكلمات أو طنطنة الروى، وإنما هى الحقيقة لا أقل ولا أكثر، فقد اجتمع كل ذلك معًا، ففى النهضة والحضارة يزهو عصر المأمون ويتألق فكر المعتزلة، وتزدهر الترجمات ويكفى أن نذكر فى العصر العباسى الأول من أسماء اللغويين: سيبويه والكسائى ومن أسماء الأدباء والمؤرخين والشعراء: حماد الراوية والخليل بن أحمد، والعباس بن الأحنف، وبشار بن برد، وأبونواس، وأبوالعتاهية، وأبوتمام، والواقدى والأصمعى، والفراء وغيرهم.
أما فى الفقه والطهارة فهناك: أبوحنيفة ومالك، والشافعى، وابن حنبل، والأوزاعى، والليث بن سعد، وسفيان الثورى، وعمرو بن عبيد، وأبويوسف (الحنفي) وأسد الكوفى (الحنفي)، والزهرى، وإبراهيم بن أدهم الزاهد، ونافع القارئ، وورش القارئ، وأبومعاوية الضرير، وسفيان بن عيينة، ومعروف الكرخى الزاهد، وعلى الرضى بن موسى الكاظم، وأحمد بن نصر الخزاعى، وغيرهم، أما الفسق والمجون فأبوابهما كثيرة، وفنونهما شتى، وهناك فى البداية ما يمكن أن نسميه بالمناخ العام، وهو الإطار الذى يسمح بالفسق، ولا يستنكف المجون أو ما هو أكثر، فقد امتلأت عاصمة الخلافة بالحانات، وانتشر شرب الخمور والغناء فى مجالس الرعية، ووجد الجميع مخرجًا طريفًا لما يفعلون، فقد اشتهر عن فقهاء الحجاز إباحة الغناء، واشتهر عن فقهاء العراق من أتباع أبى حنيفة إباحة الشراب، فجمعوا بين فتوى الفريقين، ولخصوا مذهبهم فى قول الشاعر:
رأيه فى السماع رأى حجازى وفى الشراب رأى أهل العراق
أو فى قول ابن الرومى:
أباح العراقى النبيذ وشربه وقال حرامان المدامة والسكر
وقال الحجازى:
الشرابان واحد فحل لنا من بين قوليهما الخمر
سآخذ من قوليهما طرفيهما وأشربها لا فارق الوازر الوزر
ولعل بعض القراء يندهشون، وربما يسمعون للمرة الأولى أن أبا حنيفة قد أباح أنواعًا من الخمور، بل ولعلى أصارحهم بأن فتوى أبى حنيفة قد أجابت عن سؤال حائر كان يدور فى داخلى وأنا أقرأ عن الشراب والمنادمة فى مجالس الخلفاء: هل وصل بهم التحلل من قيود الدين، والخروج على قواعد الإسلام، أن يجاهروا بشرب الخمر فى مجالسهم، دون أدنى قدر من الحفاظ على المظاهر أمام الرعية؟
ولعل فيما عرضه الأستاذ أحمد أمين فى كتابه «ضحى الإسلام» عن خلاف الفقهاء حول الخمر، ورأى أبى حنيفة فيها ما يوضح الأمر للقارئ:
(ذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد بن حنبل إلى سد الباب بتاتًا، ففسروا الخمر فى الآية السابقة بما يشمل جميع الأنبذة المسكرة من نبيذ التمر والزبيب والشعير والذرة والعسل وغيرها وقالوا كلها تسمى خمرًا وكلها محرمة، أما الإمام أبوحنيفة ففسر الخمر فى الآية بعصير العنب مستندًا إلى المعنى اللغوى لكلمة الخمر وأحاديث أخرى، وأدى به اجتهاده إلى تحليل بعض أنواع من الأنبذة كنبيذ التمر والزبيب إن طبخ أدنى طبخ وشرب منه قدر لا يسكر، وكنوع يسمى «الخليطين» وهو أن يأخذ قدرًا من تمر ومثله من زبيب فيضعهما فى إناء ثم يصب عليهما الماء ويتركهما زمنًا، وكذلك نبيذ العسل والتين، والبر والعسل. ويظهر الإمام أبو حنيفة فى هذا كان يتبع الصحابى الجليل عبدالله بن مسعود، فقد علمت من قبل أن ابن مسعود كان إمام مدرسة العراق، وعلمت مقدار الارتباط بين فقه أبى حنيفة وابن مسعود، ودليلنا على ذلك ما رواه صاحب العقد عن ابن مسعود من أنه: كان يرى حل النبيذ، حتى كثرت الروايات عنه، وشهرت وأذيعت واتبعه عامة التابعين من الكوفيين وجعلوه أعظم حججهم، وقال فى ذلك شاعرهم:
من ذا يحرم ماء المزن خالطه فى جوف خابية ماء العناقيد؟
إنى لأكره تشديد الرواة لنافيه، ويعجبنى قول ابن مسعود
كان ما سبق هو المناخ العام أو الأرضية الممهدة للغناء والشراب وما يرتبط بينهما من لهو وقيان وغلمان، أما اللهو فسمة العصر، وأما القيان ففارسهم المهدى وولده الرشيد، وأما الغلمان ففتاهم الواثق، وسوف يأتى حديث كل منهم فى موضعه، غير أننا نتوقف قليلًا أمام فتاوى الخمر السابقة متأملين، متعجبين من تشدد المعاصرين.
فالبعض منهم يصر على أن عقوبة الخمر أحد الحدود، وهو فى ظنى يتجاوز الحقيقة بحسن النية، والأرجح فى تقديرنا أنها عقوبة تعزيرية، نشترك فى هذا مع رأى الشيخ محمود شلتوت وغيره، ومن الواضح فى فتوى أبى حنيفة، ومذهب ابن مسعود، أن العقوبة قاصرة على السكر البين، أما شرب القليل من أكثر أنواع الخمور فلا عقوبة عليه، وهنا يبدو منطقيًا أن تسقط عقوبة البائع والمشترى والناقل والصانع.. إلى غير ذلك مما اجتهد بشأنه المتشددون وساقوا عليه الأدلة والأحاديث، ولا بأس ما دمنا نتحدث عن المتشددين أن نذكر إصرارهم على الأخذ بالحد الأقصى للعقوبة وهو الجلد ثمانين، وهم فى ذلك يستندون إلى قياس لعلى ابن أبى طالب حين سأله عمر المشورة فقال:
من سكر فقد هذى، ومن هذى فقد افترى وحده ثمانون، ومعنى هذا أن عليًا افترض أن من يسكر يفقد عقله، وأن من يفقد عقله يسهل عليه قذف الآخرين، ومن هنا يمكن أن يجلد حد القذف أى ثمانين جلدة، والغريب أننا لم نناقش هذا القياس أو نراجعه، وشاع التسليم به وكأنه تنزيل من التنزيل، بينما هو فى تقديرنا قياس أقل ما يوصف به أنه غير دقيق، فما أيسر أن نسوق على منواله أكثر من قياس وأكثر من عقوبة، دون أن يملك من سلموا بالقياس الأول أن يعترضوا علينا.
فمثلًا نقول: من سكر فقد صوابه، ومن فقد صوابه زنى، أو قتل، أو سرق، وحده الرجم، أو القتل، أو القطع، بل نستطيع أن نقول: من سكر فقد صوابه، ومن فقد صوابه فلا عقاب عليه فيما فعل، ويسقط القياس والاستدلال من أساسه.
ولعل أغرب ما لاحظناه، على عكس ما كنا نتصور، أن السابقين كانوا أكثر تسامحًا، ربما لأن الحياة كانت معطاءة، وكان اتساع أبواب الاجتهاد إحدى عطاياها، وقد سقنا فى الأمور المشتبهات رخصة التنقل بين فقه الحجاز وفقه العراق، ونسوق أيضًا ما كان منتشرًا حتى عهد أجدادنا القريب، وهو تعدد الزوجات، الذى لم ييسره الدين فقط، بل يسرته أيضًا سبل الحياة، وتوسع البعض فيه مثل الحسن بن على، الذى ذكر أنه تزوج سبعين وقيل تسعين، وإنه كان يتزوج أربعًا ويطلق أربعًا، والذى خشى الإمام على من أن يفسد عليه القبائل بطلاق بناتها، فكان يبادرهم صائحاً: يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق (تاريخ الخلفاء للسيوطى 191).
ولم يسمع أحد كلامه، فقد طمع الكل أو تطلع إلى نسل ينتسب للرسول.
تعيد «البوابة» نشر مقالات للمفكر الراحل فرج فودة علها تكون نفعا لنا فى مثل هذه الأيام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.