أنظر إليه وهو يقدم حلقاته كل يوم، لا يمكن أن يكون شخصًا طبيعيًا، إنه يستمتع وهو يرى الآخرين يتعذبون أمامه، وبعد أن يوقعهم فى فخه، يتذلل لهم من أجل أن يسامحوه، لا يفعل ذلك من أجل المال وحده فيما يبدو، إنه يستعذب عذابات الآخرين، وهو ما يجعلنا نبحث فى تكوينه النفسى. وأنا أفتش فى أرشيفه الشخصى، وقعت عيناى على صور له وهو لا يزال طفلا صغيرا، وجدته يسخر من زملائه، عندما يرفع أصبعيه خلف رءوسهم، وهى حركة يفعلها من يريدون الحط من كرامة الآخرين، ويجعل منهم فرجة. ما يقوم به رامز جلال هذا العام، حيث يحرق أصحابه، وما فعله خلال السنوات الماضية من إغراقهم وإرهابهم بالرصاص وبالحيوانات، يؤكد أن ما يحدث الآن ليس إلا امتدادًا لما كان يفعله وهو صغير. التفاصيل عن حياته ليست كثيرة، لكن يبدو لنا أنه كان طفلًا مهانًا، لا يهتم به أحد، ولذلك يحاول أن يجعل من نفسه محط اهتمام الجميع، ليس أفراد الأسرة فقط، ولا أصدقاءه فى الوسط الفنى، فهو ممثل نصف موهوب، ونصف ناجح، أفلامه خفيفة لا تحقق نجاحًا يذكر، وشباك الإيرادات يفصل بيننا وبينه. السؤال المهم: هو لماذا يفعل رامز جلال ما يفعله؟ المراجع العلمية قد تسعفنا هنا. طبقًا لأدبيات علم النفس فإن من يقومون بالمقالب فى أصدقائهم هم نوعان من الشخصيات، النوع الأول يميل إلى المرح والفكاهة ونشر البهجة وكسر الحواجز، والثانى لديه ميل للمخاطرة والمجازفة والعنف وفرض السيطرة وإخضاع الآخرين والتلذذ بخوفهم ورؤية مشاعر القلق والذعر والهلع على وجوههم. يجمع رامز جلال فى شخصيته بين النوعين إلى حد كبير، لكنه يميل أكثر إلى النوع الثانى، وهو بالتفسير العلمى النفسى شخص سادى لا يتوقف عن مواصلة المقلب إلا عندما يرى دموع ضحيته وآلامها. علميًا تحمل الشخصية المشابهة لرامز جلال ملامح الشخصية السيكوباتية والهستيرية، ومن سماتها الاندفاعية والميل لجذب الانتباه والعنف والمبالغة فى أفعاله وعدم الاهتمام بمشاعر الآخرين. تتكون ملامح هذه الشخصية من الطفولة، وعادة ما يكون أصحابها مصابين باضطراب سوء السلوك، والمرضى بهذا المرض ينتهكون الحقوق الأساسية للآخرين، ولا يترددون فى انتهاك الأعراف والقواعد الاجتماعية. فى هذه المساحة يقوم الشخص المصاب باضطراب السلوك بالعنف ضد البشر والحيوانات، ويتنمر ضد الآخرين ويهددهم ويرهبهم، ويبدأ بعراكات جسدية، ويستخدم أسلحة (مثل المطواة والزجاجات المكسورة والأسلحة النارية) يمكن أن تسبب أذى جسدى للآخرين. ليس لنا أن نفتش فى تربية رامز جلال، أو كيفية نشأته داخل أسرته، لكن مما يفعله، يتأكد لنا أنه عانى داخل أسرته، فأمثاله حتما عانوا من الإحباط داخل الأسرة، وهو ما يترتب عليه أن يشعروا بالفشل، أو أنه لم يستطع تحقيق أحلامه نظرا لصعوبات كثيرة فى تركيبته، كضعف إمكانياته وملكاته الجسمانية أو النفسية. فى الغالب لم يكن متاحًا لرامز التعبير عن نفسه بما يكفى، وهو ما يفسر لجوءه إلى السلوكيات العدوانية على الآخرين، كنوع من إثبات الذات ومعاقبة الآخرين الذين أحبطوه، ولأنه لا يستطيع عقاب من أحبطه بشكل مباشر (لم يظهر شقيقه ياسر جلال رغم أنه ممثل فى أى حلقة من حلقات برامجه الكثيرة) فإنه يلجأ إلى عقاب الآخرين البعيدين عنه. لمحة أخرى لن نتوقف أمامها كثيرا، فقد يكون العنف الذى يمارسه رامز جلال ضد الآخرين ناتجا عن تعرضه لاعتداء ما وهو طفل صغير، وهو الاعتداء الذى عجز عن التعبير عنه للآخرين، وعليه فلم يتردد فى أن يلحق الأذى بهم، كنوع من الاحتجاج المتأخر، وربما كان فيما يفعله نوعًا من العلاج. ما يؤكد مرض رامز وخلله النفسى، أنه يفخر بما يفعله فى الآخرين، فى مقدمة برنامجه «رامز قرش البحر» الذى قدمه منذ عامين، قال وبعنف لفظى شديد: «إلى كل معجب بفنان معين، اشتم براحتك، علشان أنا أصلا شخص أوفر، أنا مريض وعايز أتعالج يا جماعة، أنا بحب أصحابى لدرجة إنى هموت أصحابى». ويمعن فى إظهار عدوانيته تجاه الآخرين، عندما يقول: «علشان ترعب إنسان لازم يكون بينه وبين الموت خطوة واحدة».. فهل نريد دليلا على خلله النفسى أكثر من ذلك؟. قد تقول إنه ممثل يقوم بدور ما، يصنع مقلبًا فى زميل آخر، وهى صيغة قد تكون مقبولة للتعرف على ردود أفعال الفنانين، عندما يجدون أنفسهم فى مشكلة معينة، ويمكن أن نقبل هذا الكلام بالطبع، لو كان رامز يكتفى بالمقلب، إنه يسخر ممن يستضيفهم سخرية فجة، مثل سخريته من بدانة ممثلتين معروفتين فى الوسط الفنى، وسخريته من أسماء الفنانين ودلالتها، فهو لا يضع الفنان فى حرج فقط، ولكن يتعمد إهانته والحط من شأنه، ليظهر أنه أفضل منه. سيرد رامز على ما نسبته إليه بأنه كان معروفا بين زملائه فى الوسط الفنى بعمل المقالب فيهم، وهو ما يجعله يندرج تحت الطائفة الأولى التى تشيع بمقالبها الفكاهة والبهجة، وليس أكثر من ذلك، لكن الحالة تطورت بعد ذلك، فقد أصبحت المقالب مزعجة، تثير الرعب والخوف، وهو ما يؤكد أنه تحول تحولا جذريا وانتقل من الحالة العادية إلى الحالة المرضية، التى تستدعى علاجًا عاجلًا. يبقى لنا سؤال مهم، وهو إذا كان ما يفعله رامز جلال انعكاسًا لمرض نفسى تبدو عليه ملامحه كلها، فلماذا يحرص الناس على مشاهدته كل هذا الحرص؟ لماذا يحصد كل عام كل هذا الإعجاب؟ ولماذا يحتل المرتبة الأولى فى المشاهدة؟ ولماذا تنهال عليه الإعلانات؟ هل يعانى المشاهدون هم أيضًا من مرض نفسى، يجعلهم يستعذبون عذاب الآخرين؟ سائق تاكسى قال لى بوضوح: الإحباط بيخلينى أبقى مبسوط لما أشوف نجم بياخد ملايين خايف ومرعوب، لم يزعجنى التفسير على أى حال، فالإحباط يولد العنف، وهو ما يجعلنى أقول إن رامز جلال ليس وحده الذى يستحق العلاج، بل جميعنا نستحق ذلك.