كان عبد البديع عبد الحي، شيخ النحاتين، المولود في 30 يونيو عام 1916 في مدينة ملوي في محافظة المنيا فنان عصامي، علم نفسه بنفسه، حيث تعلم القراءة في الكُتّاب، ولم يكمل تعليمه، وكان يعمل طباخًا عند إحدي العائلات في ملوي، وكان يهوى الفن فيأخذ الطين ويصنع منه ثماثيل صغيرة للجنود الذين كان يعجب ببدلهم الرسمية، حتى أخبروه ذات يوم عن مسابقة الفنان محمود مختار للنحت، وكانت المسابقة عن "ست الحسن". تخيل عبد البديع ست الحسن على أنها فلاحة جميلة تمشط شعرها، وصنع هذا التمثال وتقدم به للمسابقة، وأعجبت به السيدة هدي شعراوي، فقامت بشراءه، ولما علمت بأنه طباخ من ملوي طلبت منه أن يعمل عندها حتى ترعاه فنيًا، وقامت بإرساله إلى القسم الحر بكلية الفنون الجميلة، ليعمل تحت إشراف المثال عبد القادر رزق، وأتاحت له إمكانات كثيرة، وأثناء الدراسة بالكلية حصل على الجائزة الأولى لمسابقة مختار مرتين لموضوعي "العامل المصري" و"الألعاب الرياضية" وحصل بعد انتهاء الدراسة بالكلية على جائزة تمنح للممتازين من القسمين الحر والنظامي. استمر عبد البديع، الفنان الفطري، يملأ الحياة بإبداعاته بجوار اخلاصه في عمله في كلية الفنون الجميلة كعامل بسيط في قسم النحت، وفي عام 1951 فاز بالميدالية الذهبية في مسابقة أنشئت بمناسبة انعقاد أول مؤتمر أفريقي-آسيوي بتمثال لصبي يصعد سلمًا ممسكًا بقوة ثعبانًا، وفي وفي مارس عام 1973 لفت أنظار الوطن العربي بتمثاله عن الثعبان والقط، وكان قد حصل على منحه تفرغ من الدولة منذ 1960 حتى 1970، وفي عام 1972 فاز بجائزة الدولة التشجيعية في النحت ووسام الفنون من الدولة. جاءت تماثيل عبد البديع لتعكس الآم ومعاناة الطبقة الكادحة من أطفال وحرفيين، وتجسيدًا رائعًا للطيور، والحيوانات، والألعاب الشعبية، والمواقف الاجتماعية، والسياسية، مما جعلها قريبة من وجدان الشعب وطموحاته، فمنحوتاته تتميز بالقوة، وصدق التعبير؛ وضرب عبد البديع مثالًا في الإصرار والتحمل والعناد مع الخامات القياسية، مثل البازلت، والرخام، والجرانيت، وأبداع أعمالًا تميزت بقوة التعبير، ويعتبر الوحيد في مصر من المثالين الذي قام بنحت تماثيله من البازلت، أو الجرانيت، أو الرخام، أو الخشب؛ وكان كذلك زاهدًا في الحياة ولا يستهوية المال بينما تكفيه كلمة تقدير وثناء، وكانت سعادته أن يري الحب في عيون الآخرين ويرى ذلك ثروته الحقيقية، وكان يجد السعادة أيضًا في أدواته البسيطة وتماثيله الرائعة التي تزين جدران المتاحف، وظل حتى آخر أيام حياته مصريًا بسيطًا متمسكًا بزيه الشعبي، وهو الجلباب الصعيدي، وبعادات وتقاليد وقيم ابن مصر الأصيل، رافضًا الانتقال لأحد الأحياء الراقية أو ارتداء الزي العصري؛ فظل كما جاء من صعيد مصر بتقليده وعادته. خلدت أعمال عبد البديع في متحف الفن المصري، وفي متاحف سوريا، وألمانيا، وغيرها؛ وقبل اثني عشر عامًا، رحل الفنان شيخ النحاتين عن دنيانا عن عمر ناهز 88 عامًا في عام 2004.