إذا ظلمت ودافعت عن نفسك ربما تنتصر، ولكن الحق سيخرج ضعيفًا باهتًا، لأنك لم تدع الله يدافع عنك، ولكن إذا ظلمت وصمت ولم تدافع عن نفسك، فحينئذ سيدافع الله عنك بنفسه ويخرج الحق قويًا ناصعًا، وحينما يحكم الله ببراءتك حينئذ سيحكم الجميع مرغمين، الأعداء قبل الأصدقاء بهذه البراءة.. بهذا الفكر الروحانى العميق صمت الأب متى المسكين عن كل سهام الظلم التي وجهت له على مدى 40 عاما من منصة مقدسة في عيون أغلب الأقباط، وهى منصة الكاتدرائية المرقسية التي اعتلاها البابا شنودة الثالث، لذلك إذا سألت أي قبطى عن الأب متى المسكين سوف يمتعض، ولو لم يقل عنه كلمات مشينة من نوعية «مهرطق» فسوف يقول، إنه صاحب تعاليم منحرفة، وإن سألته عن تفاصيل هذه الهرطقة والأفكار المنحرفة للأب متى، سوف يصمت أو يقول إن البابا شنودة قال ذلك. وفى الوقت الذي تمنع فيه كتب الأب متى في مصر، وبمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لوفاته نظم دير بوزى بإيطاليا بالتعاون مع دير القديس أنبا مقار في مصر، أول مُلتقى دولى ومسكونى مخصَّص لإحدى أهم الشخصيات في الرهبنة القبطية المعاصرة، هذا الرجل الأسطورى الذي خرج من بطون التاريخ القبطى القديم ليبعث الحياة الرهبانية من جديد ويعيد الوصل المقطوع مع الفكر الآبائى الحقيقى، تعرض للظلم بكل قسوته ودخل معصرة الألم، حُورب حيا وميتا، حرقت كتبه كأعظم المفكرين، اعتبر من المبتدعين والمهرطقين، ظل البابا شنودة يعظ ضده بلا رحمة ولا هوادة، إنه الأب متى المسكين الذي مرت ذكراه كالعادة بلا ضجيج ولا احتفال!! فمن هو هذا الرجل الذي لم يحصل على رتب كنسية ضخمة مثل الأسقف أو المطران، لكنه في رتبته الصغيرة عملاق يرعب بسن قلمه الصغار. ثراء المسكين متى المسكين هو الأب الروحى لدير القديس الأنبا مقار «من مايو 1969 – 8 يونيو 2006 بناء على تكليف رسمى من قداسة البابا الراحل كيرلس السادس»، وموافقة الأنبا ميخائيل مطران أسيوط، ورئيس الدير وهو باعث النهضة في الحياة الرهبانية القبطية، منذ أن باع صيدليته بدمنهور لانخراطه في سلك الرهبنة عام 1948 في أربعة أديرة: دير الأنبا صموئيل غرب مغاغة (1948 - 1951)، ثم دير العذراء مريم السريان بوادى النطرون (1951-1956) ثم دير الأنبا صموئيل مرة أخرى (1956 - 1959) ثم مغائر وادى الريان صحراء الفيوم (1960 - 1969) وأخيرًا في دير أنبا مقار وادى النطرون، لقد حمل مسئولية تجديد الحياة النسكية - العزلة والعبادة - مع الاحتفاظ بالأصالة الآبائية القديمة، وإضافة إلى ذلك حمل مشعل العلم والتنوير اللاهوتى والروحى في الكنيسة بنفس منهج الأصالة والرجوع إلى الجذور الإنجيلية والآبائية ولكن مع التقديم العصرى المناسب لذهنية الحاضر، وانتقل بالرهبنة من عصر احتضان بسطاء الفكر - غير المتعلمين وأصحاب العاهات الجسدية - وغير الجادين في الحياة الدينية إلى الرهبنة المتفانية في العبادة، وفى الوقت نفسه المتفاعلة مع الناس بتقديم القدوة الصامتة في الزهد في مشتهيات الأرض الزائلة، مقابل خدمة الفقراء والمساكين وبؤساء الأرض الذين لا يذكرهم أحد، فبأيدى الرهبان يزرعون ويعملون ليُقيتوا أنفسهم بالقليل، ويُفرحوا قلوب المساكين بالكثير، وهذه كانت أعز خدمة ختم بها حياته. وُلد يوسف إسكندر في بنها عام 1919، تخرج في كلية الصيدلة عام 1943 واشتغل في المهنة حتى سنة 1948، كان يمتلك صيدلية في دمنهور لكنه قرر الترهبن، وباع كل ما يملك ووزعه على الفقراء ولم يحتفظ إلا بثمن التذكرة ذهابًا فقط، ترهبن في دير أنبا صموئيل في الصعيد يوم 10 أغسطس 1948 «اختار هذا الدير لأنه كان أفقر دير وأبعد دير عن العمران وأكثرها عزلة»، كان يطوى الليالى في قراءة الكتاب المقدس بتعمق شديد وفى الصلاة والتسبيح حتى الصباح، وهناك بدأ يخط أولى صفحات أهم وأول كتبه وهو كتاب: «حياة الصلاة الأرثوذكسية»، الذي صدر عام 1952 ونُقِّح وزيد عام 1968، وترجم ونُشر بالفرنسية عام 1977 وبالإيطالية عام 1998، ثم بالإنجليزية ونُشر بواسطة دار نشر SVS التابعة لمعهد سانت فلاديمير اللاهوتى بنيويورك عام 2002. ولكنه أجبر على الانتقال إلى دير السريان بعد أن هزلت صحته في وادى النطرون (سنة 1951). وهناك رسم قسًا رغمًا عنه، عاش متوحدًا في مغارة وسط الصخور بعيدًا عن الدير، وبعد سنتين كلف أن يصير أبًا روحيًا لرهبان الدير وعلى الأخص للشباب المتقدم للرهبنة حديثًا، وهكذا صار رائدًا للنهضة الرهبانية في الكنيسة القبطية في هذا الجيل، أرجع الرهبنة إلى حياتها الأولى وأحيا من جديد روح الآباء النُسّاك الأوائل بحياته الروحية والنسكية على أعلى مستوى، إضافة إلى روح أبوة وتلمذة وتدبير لأول مرة في برية الأسقيط (وادى النطرون) منذ عصر الآباء الأوائل، ما جمع الشباب المسيحى حوله، ومن هنا بدأت أول جماعة رهبانية في العصر الحديث متتلمذة على أب روحى واحد كما كانت الرهبنة في بدء تكوينها، ظل يدبر هذه الجماعة الرهبانية الأولى وهو في مغارته بعيدًا عن الدير لمدة سنتين (1952-1954). في 1954 اختاره بابا الإسكندرية الأنبا يوساب الثانى (1946-1956) وكيلًا له في مدينة الإسكندرية (بعد أن رفع درجته الكهنوتية إلى إيغومانس «قمص») حيث مكث نحو سنة وشهرين هناك، ترك في شعبها أثرًا روحيًا عميقًا ما زال ظاهرًا حتى اليوم في كهنة وشعب الكنائس القبطية في الإسكندرية «نحو 40 كنيسة». إلا أنه في أوائل عام 1955 آثر العودة إلى مغارته بالدير ليكمل حياته الرهبانية في الوحدة والسكون، وآنذاك ازداد الإقبال على التتلمذ على يديه في طريق الرهبنة. في 20 يوليو 1956 ترك دير السريان إلى ديره القديم (الأنبا صموئيل) طلبًا لمزيد من الخلوة والهدوء، فتبعه تلاميذه الجدد إلى هناك، ظل هناك 3 سنين رُشح خلالها للمرة الأولى ليكون بطريركًا. 29 يناير 1960 عاد هو وتلاميذه إلى دير السريان استجابة لطلب البابا القبطى الجديد البابا كيرلس السادس (1959-1971)، لكنهم آثروا أن يرجعوا إلى حياة الوحدة والهدوء للحفاظ على روح الرهبنة الأولى. فذهبوا إلى صحراء وادى الريان 11 أغسطس 1960 (تبعد 50 كيلو عن أقرب قرية مأهولة بالسكان في محافظة الفيوم - في عمق الصحراء). وعاشوا هناك في كهوف في الجبال حفروها بأيديهم، بحياة مشابهة تمامًا وفى كل شيء لحياة آباء الرهبنة الأوائل أنطونيوس ومقاريوس، واستمروا هكذا 9 سنوات، وازدادت جماعتهم الرهبانية بالرغم من انقطاع كل صلة بينهم وبين العالم. في هذه الفترة ألَّف كتبًا روحية كثيرة ما زال يقرؤها حتى الآن الشباب المسيحى في مصر والشرق الأوسط ويتأثرون بها. في عام 1969 دعاه البابا كيرلس السادس مع جماعته الرهبانية (12 راهبًا) للانتقال إلى دير أنبا مقار (منتصف المسافة من القاهرةوالإسكندرية) بوادى النطرون، الذي كانت الحياة الرهبانية فيه توشك أن تنطفئ وعهد إليه بمهمة تعمير الدير وإحياء الحياة الرهبانية في الدير من جديد، لم يكن في الدير أكثر من خمسة رهبان (مسنين ومرضى) ومبانى الدير توشك أن تتساقط، ومن هذا التاريخ بدأت النهضة العمرانية والنهضة الرهبانية الجديدة الملازمة لها، اتسعت مساحة الدير ستة أضعاف المساحة الأصلية بحيث تتسع لمائة وخمسين راهبًا، وأصبح محجًّا للزائرين ليس من مصر وحدها بل ومن كل العالم. استمرت حركة التأليف الدينى وأصبح له أكثر من280 كتابًا بخلاف ما ينشره من مقالات في مجلات وجرائد دورية «أكثر من 300 مقالة»، وفى عام 1988 بدأ في تأليف شروح لبعض أسفار العهد الجديد صدرت في 16 مجلدا تتسم بالشرح الأكاديمى والتفسير الروحى واللاهوتي، ويتراوح حجم هذا التفسير ما بين 500 – 800 صفحة، وكان قد سبق أن ألَّف مجلدًا ضخمًا عن القديس أثناسيوس الرسولى سيرة حياته وجهاده ولاهوته (800 صفحة)، ومجلدًا عن الرهبنة القبطية في عصر القديس أنبا مقار (800 صفحة)، ومجلدًا عن سر الإفخارستيا (700 صفحة)، ومجلدًا عن حياة القديس بولس الرسول ولاهوته. بعض هذه الكتب والمقالات تُرجم إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والروسية واليونانية والإسبانية والهولندية والبولندية «بلهجاتها». وظل حتى وهو على فراش المرض في سن السابعة والثمانين يكتب ويؤلف، وأصدر 4 أجزاء من سلسلة «مع المسيح»، في هيئة مقالات تأملية في الإنجيل تجرى حاليًا ترجمتها إلى الإنجليزية. لعبة الزمن «كانت الساعة السابعة مساء، والسكون يخيم على أرجاء المكان، حين بدأت وأبى الراهب نضرب بأقدامنا في رمال الصحراء، نتمشى حينا ونقف حينا آخر، متأملين في موضوعات أسمى من أن يكتبها قلم بشري.. وقد طال بنا التجوال ونحن لا ندرى، أو نحن لا نود أن ندرى، حتى استقر بنا المطاف أخيرًا على عتبة الدير، فجلسنا نناقش موضوع: انطلاق الروح.. وهنا التفت الأب الراهب وقال: هل يحسب البعض أن السيد المسيح عندما قال: {إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال لن تدخلوا ملكوت السموات} كان يقصد: إن لم تصغروا وتصيروا مثل الأطفال كلا. بل كان يود أن يقول: {إن لم تكبروا في الروح جدًا حتى تصيروا مثل الأطفال فلن تدخلوا ملكوت السموات}» هذا المقطع من كتاب انطلاق الروح للبابا شنودة وهو أول كتاب يكتبه وكان اسمه نظير جيد ويتردد على الدير قبل رهبنته، أما الأب الراهب المقصود في هذه السطور فهو الأب متى المسكين الذي كان المرشد الأول لنظير جيد. هكذا كانت العلاقة ولكن لعبة الزمن والسلطة غيرت كثيرا في شكل هذه العلاقات، وبدا الاختلاف بين الراهب أنطونيوس السريانى ومتى المسكين ترجع إلى اختلاف الهدف من الرهبنة، من ناحية أن الأول زحف إلى الدير رغبة في الإصلاح الكنسى لمخالفات البابا يوساب الثانى البابا ال115 بينما الثانى اتجه للرهبنة راغبا في دراسة الكتاب المقدس، وتعزيز الجانب الروحي، ثم تفرعت الأسباب وتعددت وكأنه أكثرها شراسة في ذهنية البابا شنودة اجتماع السادات بأبونا متى المسكين قبل وبعد قرارات سبتمبر 1981، حيث كان اجتماعا مغرضا قصد به السادات ضرب الكنيسة من الداخل، وإثارة البلبلة واللغط في الكنيسة القبطية، ما كان سببا في غضب بعض آباء الكنيسة القبطية على أبونا متى المسكين. وقد تم إقحام أبونا متى، كى يصالح بين الكنيسة والدولة، وكانت النتيجة أنه اُتهم برغبته في الحصول على الكرسى البابوي، والحقيقة أن السادات هو من عرض عليه ذلك، ولم يلق منه سوى الرفض التام ، كان السادات قد أعلن أنه كان عرف من ممدوح سالم وزير الداخلية، أن متى المسكين وقت أن كان مرشحا للكرسى البطريركى كان شيوعيا بسبب مقالات للأب متى عن الاشتراكية، وعندما التقاه قال له: لقد ضحكوا عليّ وقالوا عنك شيوعى!! وفى اللقاء اعترض الأب متى المسكين أولا على قرارات سبتمبر باعتقال المعارضين من السياسيين وبعض رجال الدين مسلمين ومسيحيين، ورجاه أن يتراجع عنها لأن العنف يولد العنف، فرد عليه الرئيس بأن كل شيء قد أعد ولا يمكن التراجع عنه. ولما تطرق الحديث إلى ما ينوى اتخاذه مع قداسة البابا من اعتقال ومحاكمة قال له أبونا متى المسكين: «يا سيادة الرئيس، أي إنسان قبطى يتعلم من صغره أن يؤدى مطانية «أي سجود للأرض» أمام رئيس الكنيسة لذلك فأى مساس برئيس الكنيسة يحدث جرحا عميقا في مشاعر الأقباط، وبالمناسبة يا سيادة الرئيس أتوسل اليك ألا تدعوه في خطبك شنودة بل الأنبا شنودة أو البابا شنودة، لئلا تجرح مشاعر الشعب القبطى في الصميم»، ثم قال له: «ليس من حقك عزل البابا لأنه يظل بابا في الكنيسة طيلة حياته». لكن البابا شنودة غضب من كل من التقوا السادات ومن اللجنة التي كونها من خمسة أساقفة لإدارة الكنيسة، وعندما عاد إلى كرسيه عام 1985 بدأ سلسلة انتقام منهم شرحها الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمى بالتفصيل في مذكراته، وتم توجيه اتهامات للأب متى الذي أعاد من خلال كتبه التواصل مع كتابات آباء الكنيسة الأوائل، وهذا التواصل أتاح من العلم اللاهوتى منابع جديدة رفضها البابا شنودة، بل واتهم الأب متى بالشرك بالله، لأن ردد أقوال الكنيسة عن تأليه الإنسان في الفكر المسيحي، وتهم أخرى عديدة وكلها باطلة، لأن البابا لم يستطع أن يقدم الأب متى إلى محاكمة كنسية تحاكم هذه الادعاءات الباطلة، وهكذا اختلط الشخصى مع اللاهوتى، ليأتى الوقت الذي ينير فيه الأب متى بتعاليمه العالم المسيحى شرقا وغربا ولو كرهه الكارهون، ورغم آثار الحرب الشعواء التي استمرت لمدة 40 عاما منعت فيها كتب الأب متى، بلا قرار مجمعى رسمى وحرقت عن طريق الأنبا بيشوى، وفى نفس الوقت لم يحدث أن تقدم الأب متى لمحاكمة كنسية؟ وعندما جاء البابا تواضروس سمح بوجود كتب الأب متى المسكين لأول مرة في معرض الكتاب القبطى 2013 وهلل التنويريون، ولكن ضغط الأنبا بيشوى ملوحًا بكتاب البابا شنودة «بدع حديثة» فمنع البابا تواضروس كتب الأب متى في دورة معرض الكتاب 2014 مجددا. ولكن تكليف البابا تواضروس للأنبا أبيفانوس رئيس دير أبومقار بحضور المؤتمر الإيطالى الضخم بمناسبة الذكرى العاشرة للأب متى يعطى أملا جديدا يلوح في الأفق، ويكشف عن ميل واضح للبابا لكتابات وفكر الأب المسكين. ولعل هذه الكلمات للباحث الدكتور ماجد منصور تكشف حجم الظلم الذي تعرض له الراهب الثائر، في المجال العلمى الجامعى أو البحثى عموما عندما ينتج أحدهم بحثا جديدا، فلا بد أن يكون به فكرة ما ولو صغيرة جديدة ويتناولها بالشرح والإثبات، ثم يقوم بطبعه بحسب التقاليد العلمية ويقدمه للنشر في مجلة علمية متخصصة في المجال موضوع البحث، لأنه لا يعتد به بأى صورة طالما لم يقبل للنشر في دورية علمية مسجلة ومتخصصة، ولكى يقبل فإنه يخضع للتحكيم ممن هم أساتذة في التخصص موضوع البحث، وغالبا يكونون من شيوخ أساتذة الجامعات في هذا المجال، ومن المؤكد أن يكون إنتاجهم العلمى المنشور في التخصص، أكبر بمراحل من إنتاج صاحب البحث المطلوب تحكيمه، وعندما ينال البحث التقدير المطلوب «غالبا على الأقل جيد» من ثلاثة محكمين فإنه ينشر، وحينئذ يعتد به ويستخدم في النقاش العلمى في المجال المنتمى له، ويمكن لصاحبه أن يستخدمه في التقدم للترقى في وظيفته الجامعية، الأمر الثانى المهم هو قائمة المراجع التي استند إليها البحث وتذكر في نهايته فكلما كثرت كان أفضل لتقييم البحث وأيضًا كلما احتوت أسماء باحثين أو بحوث مشهود لهم أو لها في المجال وأيضًا كلما تنوعت بين مختلف اتجاهات البحث في المجال، فكل تخصص يتضمن العديد من الاتجاهات والمدارس الفكرية ولعل آخر أمر هنا هو أنه إذا كان البحث طويلا مثلا يتعدى الخمسين صفحة، وكان صاحبه ليس محتاجا لنشره في دورية علمية ليستفيد به في ترقيه الوظيفى، فمن الممكن أن ينشره ككتاب، ويكون الحكم عليه من خلال كتابات مماثلة ينشرها من يريد سواء كمقالات أو كتاب أيضا، ويبقى الحكم عليهما للتاريخ والنشر المتتالى للمتخصصين في المجال ليرجحا أفضلية أحدهما على الآخر، والآن لكم أن تتصوروا حجم الظلم الذي وقع على الأب متى، فمنذ بدايات نشره لكتبه عارضه من لم يكن قد نشر هو ربع ما نشره الأب متى، ولطالما أثاروا الزوابع حوله من دون أن يعقدوا لجنة واحدة تضم من هم مؤهلون للحكم على ما كتب، وغالبا لم يتواجد يوما من هو مؤهل للحكم، والتاريخ يسجل أن أشهر معارضيه وقد كان تلميذه وعندما رشحهما مجتمع الخدام والشمامسة في عام56 للكرسى البطريركى، فإنه قدم مذكرة اعتراض على ترشيحه بدعوى أن أحد كتبه المنشورة وقتها يحتوى تعليما مخالفا، وقد شكل أعضاء لجنة الترشيحات والانتخابات البطريركية، لجنة للنظر في الاعتراض وموضوعه وقرروا رفضه لعدم صحته، وتمر السنوات ويعاود التلميذ المنافس الاتهام للأب متى ويستغل منصبه الكهنوتى الكبير، وراح مرة بجهل يسخر من قائمة المراجع في كتاب يدافع عن آبائية تعليم الأب متى، ولم يكن الأمر بمستغرب، فكتاباته هو لا تعرف قائمة المراجع، وهكذا ظل حال الاتهام وبدون أي محاولة للرد المحترم مثلا بكتاب في نفس الموضوع، بل حدث أن أساقفة راحوا يجمعون كتب الأب متى من مكتبات الكنائس، ويقال إنهم أعدموها، وبدلا من أن يفتخروا بالأب متى الذي كتب أهم مرجع في الكنيسة عن الأفخارستيا «سر التناول من جسد المسيح ودمه القربان والعصير في القداس» في مجلد لا يقل عن 800 صفحة قطع كبير، راحوا يتصيدون منه أمورا ويسيئون فهمها ثم يردون على الإساءة التي نشأت في أدمغتهم.