إمام اللغة العربية الكبير، في وقت عجز الناس فيه عن مجرد النطق السليم بالعربية الفصيحة، كان له عظيم الفضل في تعلُّم الكثيرين قواعد وأساسيات لغة القرآن، كان لديه غيرة جنونية على اللغة وكأنها معشوقته التي لا يقبل أن يلمح أطرافها أحد، احتل مكانة مرموقة في الأوساط الثقافية والأكاديمية في الوطن العربي، كما كان شديد التوجس من العين، ويستشهد بالحديث الشريف: "العين حق، تُدخل الرجل القبر، والجمل القدر". امتلأت حياته بالمواقف الطريفة حيث كان من أكثر الناس تواضعًا وبساطه وخفة ظل، مما جعل سيرته ما زالت تترد على عقول وألسنة كل من عرفه، وعشق أدبه، هو البروفيسير والأديب السوداني الكبير الراحل عبدالله الطيب، التي تحل اليوم ذكري ميلاده. ولد الطيب بقرية التميراب غرب الدامر في 2 يونيو 1921، وتوفي 19 يونيو 2003، والداه الطيب عبد الله الطيب وعائشة جلال الدين، وهو ابن محمد بن أحمد بن محمد المجذوب، تعلم بمدرسة كسلا والدامر وبربر وكلية غوردون بالخرطوم والمدارس العليا، ومعهد التربية ببخت الرضا وجامعة لندن بكلية التربية ومعهد الدراسات الشرقية والأفريقية. تنوعت اهتمامات الطيب وتعددت لتشمل مختلف مجالات الفكر والأدب واللغة العربية، فهو شاعر وكاتب وروائي ودارس متعمق في الأدب العالمي وله إسهامات أدبية متميزة في مجال النقد الدبي القديم عند العرب، وفي حقول الفكر والأدب عمومًا. فهو محيط بالشعر العربي وتاريخه وقضاياه إحاطة قلّ أن تتوافر في كثير من الدارسين. اهتم بالكتابة والتأليف تارة بالعربية وأخرى بالإنجليزية، تناولت قضايا الشعر والنثر والنصوص، وله عدة دواوين شعرية ومسرحيات وقصص للأطفال فمن دواوينه أصداء النيل، وبانات رامة، وأغاني الأصيل وزواج السمر... وغيرها، وأشهر كتاب له في هذا الميدان كتابه المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها، ويقع في خمسة أجزاء، استغرق تأليفه أكثر من خمسة وثلاثين عامًا حيث صدر الجزء الأول عام 1955م في مصر والخامس عام 1990م في الخرطوم. وكان للطيب علاقة صداقة قوية تربطته بالأديب العالمي طه حسين، حيث كانت تترد سيرة طه حسين في جميع النوادي والمقاعد الثقافية، وطالما حلم الطيب أن يصبح بهذه المكانة، فبدأت تلك العلاقة برساله ارسلها الطيب لطه الحسين، ومن بعدها تتالت الرسائل بينهم، حتى أنه قد نشرت مجلة القاهرة في عدد إبريل من عام 1995 اثنتي عشر رسالة كان أرسلها الدكتور عبد الله الطيب إلى الدكتور طه حسين، وذكرت تلك الرسائل مدى الإعجاب الذي كان يكنه الطيب للدكتور طه، ففي هذه الرسائل كان يخاطبه بسيدي الجليل وأحيانًا سيدي ومولاي العظيم، وأحيانا سيدي ومولاي الأستاذ الكبير، وأحيانًا سيدي وأستاذي الجليل، وأحيانًا سيدي أستاذنا الجليل أستاذ الجيل. تولي الطيب عدة مناصب ومنها، أنه نال درجة البكالوريوس والدكتوراه في الآداب من جامعة لندن، امتد تاريخه الأكاديمي أكثر من نصف قرن، انتقل فيها إلى بلدان عدة وتبوأ فيها بعض المناصب الأكاديمية. فقد عمل محاضرًا في معهد دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في لندن، ومدرسًا بكلية أم درمان الأهلية، وكلية غوردون وبخت الرضا، وكلية الخرطوم الجامعية وجامعة الخرطوم وغيرها، تولى عمادة كلية الآداب بجامعة الخرطوم، كان مديرًا لجامعة الخرطوم، أول مدير لجامعة جوبا، أشرف على إنشاء كلية عبد الله باييرو في جامعة أحمد بيلو في " كانو " بنيجيريا وكان أول عميد لها. وأصبحت الكلية فيما بعد جامعة مستقلة، عمل أستاذًا للدراسات العليا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في مدينة فاس بالمغرب، عيّن أستاذًا ممتازًا مدى الحياة ( Professor Emeritus ) بجامعة الخرطوم، كان عضوًا في هيئة تحرير الموسوعة الأفريقية في غانا، عضو عامل بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، أول رئيس اتحاد الأدباء السودانيين، أستاذ زائرًا لعدد من الجامعات العربية والأفريقية والبريطانية، فسّر القرآن الكريم كله من إذاعة أم درمان مع تلاوة الشيخ صديق حمدون، نال جائزة الملك فيصل العالمية عام 2000م. ومن أهم مؤلفاته الشعرية: أصداء النيل، اللواء الظافر، سقط الزند الجديد، أغاني الأصيل، أربع دمعات على رحاب السادات، بانات رامة، برق المدد بعدد وبلا عدد.