إعداد: أيمن عبدالعزيز وأحمد محمود وماهر بركة ومصطفى عبدالله وحسنى دويدار مواطنون دفعهم الفقر للقبول بالعيش بجانب الموتى، لم يرحمهم أحد، فلا أجهزة دولة تهتم بحمايتهم، ولا البلطجية يتركونهم حتى ينتقلوا من فوق الأرض إلى أسفلها فى سلام، غياب الأمن جعل من المقابر وكرًا لجميع الأعمال غير المشروعة والمنافية للآداب، لم يراعوا حرمة الموتى أو يرحموا سكانا أجبرتهم ظروف الحياة على العيش بجانب الموتى، «البوابة» التقت سكان المقابر الذين تحدثوا عن مأساة تحول المقابر لأوكار إجرامية وجرائم غير إنسانية مثل نبش القبور لسرقة الجثث، واغتصاب الفتيات وتعاطى المخدرات. ■ ■ ■ تتعرض مقابر دمنهور بمحافظة البحيرة إلى كارثة مجتمعية وأخلاقية، حيث تحولت إلى وكر لتجارة المخدرات وممارسة الدعارة وتعاطى المواد المخدرة، وسط تقاعس المسئولين بمجلس المدينة لحل المشكلة التى تتفاقم يومياً، بالإضافة إلى سرقة أبواب المدافن الخاصة بالمقابر من قبل العناصر الخارجة على القانون. يقول صلاح الجمال، أحد السكان القريبين من المقابر: «إن القمامة تحاصر مقابر دمنهور من جميع الاتجاهات، هذا بالإضافة وجود كميات كبيرة من السرنجات المستخدمة فى تعاطى المخدرات بين المقابر وزجاجات الخمرة الفارغة». وأضاف الجمال، أن المقابر تتحول ليلاً لوكر للبلطجية والخارجين على القانون وسط غياب الأجهزة الأمنية والتنفيذية بمجلس المدينة ببناء سور حول المقابر. وقال السيد الرفاعي، مؤسس حملة تطوير مقابر دمنهور: «إن مقابر دمنهور تتعرض لكارثة أخلاقية ومجتمعية»، مضيفا أنها أصبحت وكراً لمتعاطى المخدرات والمدمنين. ■ ■ ■ عشرات الأسر خارج نطاق الحياة، يعيشون بين المقابر، تعودوا على رؤية المشاهد الجنائزية بين كل حين وآخر، يجاورون الموتى، ويجلسون على أعتابهم، يتسامرون فى المساء دون خوف، حين تطأ قدماك منطقة مساكن حى النصر بمدينة كفر صقر بمحافظة الشرقية، ستجد نفسك أمام مقابر «الشيخ الأربعين»، محرر «البوابة» زار الحى والتقى عددا من الأهالي، وقضى معهم يومًا كاملاً بين «الشواهد الصماء» لرصد أزمتهم. تقول الحاجة «زينب محمد» 77 عامًا: «كنت إحدى سكان الحى منذ 8 سنوات، ولكننى غادرته لأننى أعتبره «مشئومًا»، خاصة أن أبنائى وأحفادى كان لديهم اعتقاد بأن «الجن والعفاريت» تلاحقنا أينما ذهبنا، فانتقلت للسكن وسط المدينة خوفًا عليهم من التعرض للأذى أو الإصابة بالأمراض النفسية». أضافت الحاجة زينب: «هنا الناس غلابة، وكلهم على قد حالهم، ويعتبروا عايشين ومش عايشين بس ولدوا واتربوا فى المكان، وتعودوا على الهدوء وراحة البال اللى فيه، وأصبح عندهم أجمل من السكن فى الزحام ومجاورة الأحياء الدوشة». يقول وليد عادل 16 عامًا: «أعيش بالقرب من مقبرة والدى رحمه الله وأثناء خروجى من منزلى وذهابى للمدرسة كل صباح أمر أصبح عليه وأقرأ له الفاتحة، والحياة تسير بشكل طبيعى بعيدا عن الضوضاء وزحام السيارات التى نادرًا ما تمر من هنا، أما فى المساء يعم الهدوء على أرجاء المكان ويصبح مخيفًا». أما محمد عبد الرحمن 40 عاما، موظف فأكد «لا نرغب فى تحميل الدولة فوق طاقتها، وليس لنا مطالب سوى أن تهتم بنا من ناحية توفير السلع والمنتجات الغذائية بما يتناسب مع مستوى محدودى الدخل، لأن «العيشة صعبة» و«الأسعار نار»، وتوفير فرص عمل لأولادنا الشباب، أما من ناحية السكن فالمكان إحنا مرتاحين فيه ومش عاوزين حاجة من مصر غير إنها توفر لنا الأمن والأمان وتكون أحسن بلد فى الدنيا». وأضاف: «إن المنطقة بها 8 عقارات مساكن شعبية يبلغ ارتفاع الواحد 5 طوابق، فضلا عن المئات من المنازل العادية، وتتخللها مدافن كثيرة جدا فى صورة تبعث الفزع والوجوم فى نفوس سكان الحى حين يطلون عليها كل صباح ويشعرون بالحزن والتشاؤم، خاصة مع وفاة «مرحوم جديد»، وتعالى صراخ أقاربه ومودعيه أثناء دفنه، وهذه المشكلة لا تزال قائمة منذ عشرات السنين». ■ ■ ■ أصبحت مقابر الإسكندرية مأوى للمشردين والهاربين من القانون والمدمنين والبلطجية، ونظرًا لتواجد المقابر داخل الكتل السكنية وبجانب المرافق الحيوية أصبحت مألوفة لدى الكثير، وفقدت رهبتها وجزءا كبيرا من قدسيتها، ولم يعد لدى الكثير منا أى رهبة من المرور عليها أو اقتحامها أو الجلوس فيها، فما بالك بالخارجين على القانون. رصدت «البوابة» المقابر الملاصقة للمناطق المأهولة بالسكان، فوجدت أن معظم مقابر مدينة الإسكندرية تتوسط الكتل السكنية، ومنها مقابر عامود السوارى بمنطقة كرموز التى تصل مساحتها إلى 75 فدانا، وتمتلئ بالمقابر التى تخدم قطاعا كبيرا من سكان مدينة الإسكندرية، ومقابر المنارة بالشاطبي، ومقابر سيدى بشر، ومقابر الورديان، وأما عن المقابر التى تبعد عن المناطق السكنية، ومنها مقابر أبو سليمان، ومقابر العامرية، ومقابر العجمي، ومقابر البيطاش التى تبعد عن السكان بمسافات بعيدة. التقى «محرر البوابة» الحاج ياسر، أحد معلمى مهنة دفن الموتى بكرموز، يقول: «أعمل فى مقابر عامود السوارى بكرموز منذ طفولتي، وتدرجت فى المهنة من صبى معلم حتى أصبحت معلما مسئولا عن جزء كبير فى مقابر «عامود السوارى»، ومنذ بدأت العمل فى مهنتى وأنا أرصد تعدى البلطجية على المقابر كل يوم، من خطف البنات فى سن المراهقة وسرقتهن واغتصابهن، ودعارة فتيات الليل، واستغلال المقابر أوكارا لتجارة المواد المخدرة، ومأوى للهاربين من الأحكام القضائية، مضيفًا باتت المقابر ملجأ كل مجرم يريد أن يرتكب جريمته دون أن يشاهده الناس». من جانبه، يقول ناجى أبو يوسف، عامل دفن بالمقابر: «الظلام الذى يكسو المقابر بعد أذان المغرب، والهدوء الذى ينفرد به هذا المكان، يعدان من عوامل إقبال الخارجين على القانون، مستغلين ما تبقى من هيبة المقابر ورعب الناس منها ستارا لممارسة الأعمال المخالفة للقانون وانتشار مافيا الاتجار فى الجثث والأعضاء، فضلا عن هوس بعض المدمنين فى استخدام مسحوق الجماجم بديلا من الهيروين، بجانب المواد المخدرة الأخرى». ■ ■ ■ منذ سنوات يعيش أهالى أحياء البارودية والمشتل والمطافئ القديمة ودرب الطباخين بالفيوم حالة من الرعب اليومى بسبب تواجد المقابر وسط الكتلة السكنية وعشرات المدارس لمختلف مراحل التعليم، خصوصا مع ما تشهده هذه المقابر من جرائم، كان أكثرها بشاعة واقعة اختطاف الطفلة سمر صاحبة الثلاثة عشرة عاما، واغتصابها حتى الموت على يد بعض المسجلين خطر، فضلا عن اتخاذ بعض تجار المخدرات لتلك المقابر وكراً لمزاولة نشاطهم الإجرامى فى بيع السموم وحوادث السرقة التى يتعرض لها عدد من الأهالى ممن تتوسط المقابر منازلهم. ورغم المطالبات والشكاوى العديدة التى تقدم بها الأهالى لأكثر من محافظ سابق وعلى مدى سنوات طويلة لنقل المقابر التى تحولت إلى أخطر بؤر الإجرام بمدينة الفيوم إلى خارج الكتلة السكنية، إلا أن الرد يكون دائمًا إن الأمر ليس سهلا، ويحتاج لقرار من مجلس الوزراء. التقت «البوابة» عددا من الأهالى المتضررين من وجود تلك المقابر التى أصبحت قنبلة موقوتة وسط منازلهم، قال المهندس محمد صبحى: «إن مقابر مدينة الفيوم أصبحت من أخطر البؤر الإجرامية، ويمارس داخلها كل أشكال الجريمة، ويتخذها أرباب السوابق والمسجلين ملاذا آمنا لهم خصوصا أنها تتوسط أكثر من منطقة وحى سكنى، وهو ما يساعدهم على الهرب عند الشعور بقدوم رجال الأمن»، مضيفًا، الموتى أكثر رحمة بنا من الخارجين على القانون الذين لا يجدون من يردعهم عن أفعالهم. ويضيف الصيدلى أحمد مصطفى، يسكن بجانب إحدى المقاب: «إن تلك المقابر أصبحت كارثة فعلية تهدد بتفشى وباء فيروس الإيدز بعد أن اتخذها مجموعة كبيرة من تجار المخدرات والمدمنين ملاذا آمنا لهم، ويكفى كم السرنجات الملوثة الملقاة داخل وأمام المقابر، فضلا عن أن المقابر تتوسط الكتلة السكنية والعشرات من المدارس لمختلف مراحل التعليم، وهو ما يهدد حياة التلاميذ والطلاب بالعديد من المخاطر. ويشير أشرف عبد الله، أحد المواطنين المتضررين من السكن بالقرب من المقابر، إلى أن أجهزة الأمن تقوم بحملات مستمرة على المقابر لضبط الخارجين على القانون، ومعتادى الإجرام، ويبذلون جهودا كبيرة لمحاولة تطهير المقابر، إلا أن الطبيعة الخاصة بتلك المقابر تساعد المجرمين على الهرب، لذلك يجب أن يكون هناك حل جذرى لتلك المشكلة يتمثل فى نقلها إلى خارج الكتلة السكنية، وتعيين خدمات أمنية ثابتة ومتحركة عند مدخلها، لحين تنفيذ قرار النقل الذى أصبح ضرورة ملحة، ونطالب المستشار وائل مكرم محافظ الفيوم بالعمل على تنفيذه. ■ ■ ■ لم تعد المقابر فى أسيوط مكانًا للموتى فقط، بل أصبحت أشبه بحى سكنى متكامل، ومصدرا للرزق لعدد من العائلات، وبين تجارة «الطوب الأبيض» المستخدم فى بناء القبور، وقراءة القرآن تكتسب تلك العائلات رزقها. يتحدث حسن عمر حسن، مقيم بقرية عرب العطيات البحرية، بجوار جبانات القرية، عن نوع آخر من تجارة القبور، فيقول: «أشاهد بعض الأشخاص بعد منتصف الليل يدخلون المقابر، لينبشوا القبور لسرقة الجثث، لذلك أطالب بتوفير خفير على المقابر بصفة رسمية حتى يحفظ للموتى حرمتهم». فيما اشتكى «صليب زاخر صليب» مقيم بقرية بنى محمديات، من تراكم أكوام القمامة والمخلفات بطرق الجبانات الخاصة بهم، بقرية الدير الجبراوى، ويؤكد «صليب» أن تراكم القمامة يتسبب فى وقوع مشاجرات كثيرة ويخشى البعض أن تتحول لفتنة بين المسلمين والمسيحيين، فالقمامة تعيق حركة تقدم السيارات التى تحمل المتوفى، ما يؤدى لغضب أهله وهو ما يقابله عدم رضا من السكان الملاصقين للمقابر.