رسمت أكثر من 100 لوحة لكوكب الشرق أنا ابن «ثورة ناصر» عشت العصر الذهبى لمصر تألقت كرسام كاريكاتير فى مجلة «روز اليوسف» عشت فى فرنسا ملتقى العالم من كل جنس ولون أجمل أوقات عمرى ولم يزعجنى فيها مخلوق على طريقة الأفلام السينمائية فى سرد الأحداث، ينتقل الفنان العالمى جورج البهجورى بسلاسة وتلقائية ما بين نجع حمادى بقنا حيث ولد، والمنوفية حيث تربى، والقاهرة حيث تعلم وباريس، فى رواية سيرته الذاتية التى كتبها تحت عنوان «ذكريات الجوافة.. رسم على رسم»، الصادرة حديثًا عن دار الثقافة الجديدة. يصف جورج طفولته بقرية «بهجورة» بالتعيسة، إذ فقد والدته «رحمة» التى كانت تعمل مدرسة لتعلم الأولاد والبنات مبادئ الدين، بعد إصابتها بالتواء فى المصران الغليظ خضعت على إثرها لعملية حراجية لم تقم منها: «ذكراها لا تفارقنى ليلا أو نهارا، كانت تحب كل أولادها، لكن حبها المميز، كما يرددون، دائما للابن الأكبر «جميل»، كان يذكرها بثمرة زواجها الأولى، وليلتها الأولى على شاطئ النيل»، وبسبب ذلك يرى أن: «كل أم معها طفلها أيقونة، لذلك أطلقت على بعض لوحاتى أيقونة الشوارع وهى ذاتها فى كل مكان وزمان فى العالم الثالث». «ثقة عجيبة بداخلى أننى سألتقى بها يوما فى الحياة صدفة أو غير صدفة، لأنى أؤمن بسذاجتى الطفولية بأن الأرواح لا تنتهى ولكن الأجساد تتغير أو تتبدل حتى آمنت بالبعث فى طائر أو نبات أو شجرة أو سحابة أو عاصفة أو ربما حيوان طيب». «هذا هو ابنك الثالث بعد جميل وحنا، يولد له صيحة تشبه صيحة الديك دليل أن الرب يباركه».. ارتبط اسم الطفل باسم قريته بهجورة ومنها جاء اسمه الفنى «جورج البهجورى» الذى يرتبط بالقرية والأصل الفرعونى المصرى. انتقلت أسرة «عبدالمسيح أفندي» إلى محافظة المنوفية حيث تزوج للمرة الثانية، يعمل مدرسا للغة الإنجليزية وكان يقول دائما: «اللغة الإنجليزية هى نافذة النجاح فى العالم، المستقبل ملىء بفرص التعليم العالى فى جامعات كامبريدج وأكسفورد وجامعات أمريكا.. مش بس إنجلترا». «أنا ابن ثورة عبدالناصر فى الخمسينيات، عشت العصر الذهبى لمصر حتى الستينات والسبعينيات، وتألقت كرسام كاريكاتير فى مجلة روز اليوسف، قدمتنى السيدة «روز اليوسف» واحتضننى ابنها «إحسان عبدالقدوس»، كونت مدرسة خاصة فى الرسم بعد «صاروخان» و«رخا» و«عبد السميع» و«زهدي» وارتبطت رسومى برسوم «حجازي» و«رجائي» و«جاهين» و«بهجت» و«مصطفى حسين» بعد «صلاح الليثي» و«إيهاب» و«جمعة» و«شريف». اشترى والدى قطعة أرض فى الحى الشعبى بجوار محطة منشية الصدر لأخى الأكبر «جميل» الملتحق بكلية الهندسة ولى وقت أن كنت طالبا بكلية الفنون الجميلة بالزمالك: «قالوا لى هذه رسوم أطفال لها تلقائية خاصة ولكن لابد أن تتعلم الرسم على أصوله وقواعده فى كلية الفنون الجميلة بالزمالك ولكن احذر عليك أن تجتاز اختبار المواهب». فى كلية الفنون الجميلة حيث التقى أستاذه حسن بيكار وتعلم ألا ينظر إلى لوحة جاره ولكن احتفظ بشخصيته فى الرسم التى تبدو ظاهرة فى أسلوبه المميز، لا يسمع رأيا ولكن استمع إلى داخله، لا يشغل نفسه بدراسة الاتجاهات الحديثة فى الرسم فلا يزال الوقت متوافرًا فى خطواته القادمة. ذاع صيته فى الكلية كأفضل رسام للوجوه الكاريكاتورية، وكان النجاح حليفه لأن الوجوه نجحت بدرجة عالية جدا وكل طالب احتفظ برسمة له وأصبحت الكلية كلها تعرفه وتتابعه، ولم يمل ولم يتعب فى بداية عمله فى كلية الفنون الجميلة كرسام للوجوه، كان يرى أن رسم الوجه يصبح أسهل دائما عندما يكون المرسوم بلا قناع أو رياء، يستمتع برسم وجوه عمال أحد المقاهى وماسح الأحذية بباب اللوق. البهجوري والصحافة بدأت علاقته بالصحافة فى السنة الأولى بالجامعة عندما قدمه أستاذه إلى مجلة روز اليوسف ليرسم وجوه المشاهير من أهل السياسة والفن، وفى إحدى المرات كان الغلاف الرئيسى عن هذا الجديد الذى بدأ اسمه يلمع وسط أعضاء مجلس قيادة الثورة «جمال عبدالناصر،» الفكرة واضحة للغلاف حيث يبدو عملاقا، ولكن قدرته على الرسم تنحصر فقط فى فن الوجوه، رغم ذلك أراد أن يرسم تعبيرا جديدا لعبدالناصر لكن الصفحة امتلأت ولم يعد بها مكان لبقية الفكرة الأساسية مما دفع «أبوالعينين» السكرتير الفنى، إلى قص الوجه ونقله على صفحة بيضاء، ومحا بنفسه كثيرا من الخطوط التى اخترعها البهجورى الطالب الناشئ آنذاك». غادر الدار رسامها الكبير «عبدالسميع» بعد خلاف مع رئيس التحرير وإغراء دار أخبار اليوم ليصبح رئيسا لتحرير ملحق أسبوعى كاريكاتوباك، كان أول تحد له هو رسم غلاف لوجه «أيزنهاور» حاملا بؤجة على عصاه وهو يدور حول الكرة الأرضية حاملا مشروع أيزنهاور فى الشرق الأوسط وكل ما يحمله على ظهره من استغلال أمريكى واستعمار ممثلا فى العلم الأمريكى. ارتبك «جورج» واهتز القلم الرصاص فى يده فى لحظاته الأولى، والاثنان يرقبان التفاصيل «أبوالعينين» و«عبدالقدوس»، فأحضرا له صورة من الأرشيف القديم من صحيفة بالية ليرسم الوجه الأمريكى يملأ الصفحة، وهنا انتبه البهجورى إلى أن الرسم وحده لا يكفى ولابد أن يصاحبه الوعى السياسى، وبدأ التفكير هل يمكن أن يجعل للرسم دورًا سياسياً؟، كلا إنه يرى أن الفن لا بد أن يكون بعيدًا عن هذا. عن تفاصيل الصدام الأول فى عمله الجديد بينه وبين رئيس التحرير إحسان عبدالقدوس، يحكى أن «عبدالقدوس» خرج غاضبا يسأل عن رسام الكاريكاتير الجديد «البهجوري» ويصيح فيه: «لماذا رسمت صلاح سالم صغيرا إلى جوار «عبدالناصر» العملاق، فيرد البهجورى: ما عرفش. يعيد عبدالقدوس السؤال مرة أخري: «صلاح سالم» زعلان جدا جدا تحب «أدهويلك» على التليفون؟. «بلاش الرسم فى المجلة أنا هارجع الفنون الجميلة بكره علشان أرسم عطيات الموديل بمزاجى وبلاش رسم الشخصيات السياسية الكبيرة، بلاش سياسة اعمل معروف.. اعتبرنى أنا طالب فى الفنون الجميلة وقدامى دراسة كتير للفن ومش عاوز سياسة». رد عبدالقدوس وقد هدأ قليلا: «أنا ما بتكلمش فى الفن، أنت رسمت «صلاح سالم» كويس أوى من الناحية الفنية لكن صغرته أوى جنب «عبدالناصر» من حيث الحجم ده اللى عاوز أفهمه وعملتلى أزمة كبيرة وانت عارف أعضاء مجلس قيادة الثورة ممكن يعملوا فيك إيه؟.. اتفضل روح أوضة الرسم. لينهى البهجورى أول المواقف الحادة فى حياته العملية قائلا: حاضر وأكبره فى العدد الجاى. أيام في باريس بعد عدة نجاحات صحفية بمجلة «صباح الخير» و«روز اليوسف»، رسم خلالها «عبدالناصر « وهو يضحك وهو يغضب وهو يهمس فى أذن محمد حسنين هيكل، أو يدلى بسر إلى شعراوى جمعة وزير الداخلية، يتابعه فى صوره الفوتوغرافية يقصها من الصحف اليومية والمجلات، ويتابعه على شاشة التليفزيون، قرر البهجورى وهو فى الثلاثين من العمر - السفر إلى باريس مدينة الضوء التى تستهويه، مستعينا بالخريطة والمترو الباريسى. استطاع البهجورى أن يتنقل بين ميادين باريس كأنه يعرفها منذ زمن بعيد «عشت فى الغربة (باريس) ملتقى العالم من كل جنس ولون 3 أشهر أجمل أوقات عمرى، فهى أشهر ممتعة، لا يزعجنى مخلوق ولا يأتى إلىّ أحد لأنى مجهول وعنوانى وحجرتى أيضا». قضى فترة إقامته بها يتعلم الفرنسية فى الصباح فى مدرسة الأليانس فرانسيز ويرسم على المقاهى الباريسية فى المساء، استطاع عبر الصديقين «لطفى الخولى» و«أنور عبدالملك» الحصول على صفحة الكاريكاتير بمدرسة إفريقيا الشابة: «مصرى أنا، حالم فى بلاد الغربة وسط أهل الفرنجة، أسير بطيئا وهم يسرعون، أفكر ربما أكثر منهم أتأمل كثيرا، أنبهر أحيانا بالحضارة الجديدة وفى بعض الأوقات أشعر كأننى أولد من جديد، أسير على ضفاف السين متخيلا إياه النيل العظيم.. وكأننى ممثل مائى فى فيلم سخيف». باريس بلد الحرية حرية الفنان وحرية الإبداع وحرية التعبير، قلت فى نفسى سأستمتع بجميع هذه الأنواع من الحريات، فى باريس تألقت ألوان الملابس أهل الفرنجة، وأدهشتنى حرية الرجل بالذات لارتدائه الملابس الزاهية الألوان، وقالت لى صديقته الفرنسية ذات مرة هنا الزينة أيضا للرجل مثل الديك الذى يتباهى بعرفه الأحمر وريشه الملون. سعدت بتحررى الشكلى فى المجتمع الباريسى الجديد وخاصة أنى رسام أحب الالوان التى أستعملها فى لوحاتى وأختارها لملابسى أيضا. ذهبت إلى مونمارتر، حى الرسامين أقدم وأعرق أحياء باريس حيث يوجد متاحف وقاعات العرض حول كاتدرائية الساكركير التاريخية، تنبع شهرة مونمارتر فى تاريخ الفن من بعض أعلام فن الرسم أمثال «رنوار» و«أوتريللو» و«مودليانى» و«سوتين» و«بيكاسو» الذين عاشوا هناك واستلهموا لوحاتهم من مقاهيه ومطاعمه وميادينه». السجن في الغربة «فرنسا تواجه الإرهاب الدولى، ثمة إرهابى خطير اسمه كارلوس مطلوب القبض عليه، الشقى كارلوس يختفى فى مكان ما بين سورياوالعراق والمغرب ويوغوسلافيا ولسوء الحظ أنها البلاد المسجلة فى جواز سفرى»، قبض عليه ويقول «عندما تجد نفسك وحدك فى قفص من الأسلاك الشائكة ماذا تفعل لا مفر من أن تغوص داخل نفسك ستكتب أروع نبذة تاريخية حية». البهجوري والسياسة رغم أنه له أصدقاء فى السجون بتهمة الشيوعية الا أنه بدأ يأخذ أول موقف سياسى عاطفى فنى ثقافى أثناء حرب الخليج، رغم أنه لم يكن سياسيا على الصعيد الأول «بكيت فى أول يوم لحرب الخليج ضد العراق واحترقت بالصدفة سجادتى العراقية المهداة من وزارة الثقافة نتيجة لحادث من جهاز التدفئة أحرق مرسمى فى باريس بجزيرة القديس لويس بالحى الرابع»، هل تتصور أن يحترق بيته فى باريس وتحترق بغداد فى يوم واحد فى ذات الوقت واللحظة والتاريخ. فن الكاريكاتير عند عودته من باريس فى التسعينات، رأى أن فن الكاريكاتير تدهور ولم يبق على الساحة سوى مصطفى حسين بريشته الشقية التى تصل إلى قلوب المصريين، ومعها كلمات أحمد رجب. ويرى أن السبب ربما يكون الحظر على مواضيع الرسامين التى تناولها كل يوم أو الافتقار إلى النكتة اللاذعة الحراقة التى تضحك الناس فى مصر، أو هو الاحتراس من إزعاج الحكومة أو عدم ظهور رشات لها طابع جديد ولها مواقف محددة بعكس ما حدث فى الستينيات.