لما جاء اليوم الأول من الفطير الذى كان ينبغى أن يُذبح فيه الفصح (لوقا 22:7) أمر يسوع اثنين من تلاميذه أن يذهبا ويُعدا الفصح ليأكل معهما، وبعد الظهر توجه إلى المكان الذى أعد التلاميذ فيه الفصح فى بيت معلمنا مرقس الإنجيلى. كما يُخبر التاريخ فهو مرقس مبشر مصر بالمسيحية، وكما يظهر لنا من نفس إنجيله (مر 4: 13)، واليوم المشار إليه هنا هو اليوم الرابع عشر من إبريل الذى كان اليهود يكفون فيه عن الشغل عند الظهر ويخرجون كل مختمر من البيوت (خر 12: 15-17) ثم بين العشاءين، أو بين العصر والغروب (لا 33: 5) يذبحون خروف الفصح، وكانت الاستعدادات لذلك تصنع فى اليوم الرابع عشر، ولهذا السبب كان يُدعى هذا اليوم (اليوم الأول من الفطير). وبعد ظهر يوم الخميس رجع المسيح مرة أخرى إلى أورشليم ومعه تلاميذه ليأكل الفصح، هذا هو العيد العظيم عند اليهود الذين أمروا بعمله فى الإصحاح الثانى عشر من سفر الخروج. و «البصخة» لفظة عبرانية معناها «العبور»، ويعنى بها «عبور الملاك المهلك عن بنى إسرائيل حين قتل أبكار المصريين»، وكانت مدة العيد سبعة أيام تبدأ من اليوم الخامس عشر من شهر نيسان وتنتهى فى الواحد والعشرين منه (لا 32: 6)، وكان مُحتمَّاً على اليهود بمقتضى الناموس ألا يأكلوا فى هذه المدة سوى الفطير (خر12:15)، ولذلك سُمى بعيد الفطير، ويقتضى فى ممارسة الفصح خمسة أمور: الأول: ذبح الخروف الثاني: رش الدم على قائمتيّ الباب وعتبته الثالث: شيّ الخروف صحيحاً من دون أن يُكسر منه عظم. الرابع: أكله مع الفطير والأعشاب المرَّة. الخامس: عدم إبقاء شيء منه إلى الصبح. وقد أناب السيد المسيح من تلاميذه بطرس ويوحنا، وأعدا الخبز والخمر والأعشاب المرَّة، وكل ما هو ضرورى لإعداد الفصح، ولم يفهم التلاميذ أين هو المكان الذى سيأكلون فيه الفصح، ولذا سألوه عنه فأرسل بطرس ويوحنا وأعطاهما علامة يميزان بها صاحب ذلك البيت وهو إنسان حامل جرة ماء. وكان للمسيح حكمة فى إخفاء معرفة المكان عن تلاميذه إلى تلك الساعة حتى لا يتمكن يهوذا من أن يعلم جماعة اليهود فيقبضوا عليه ويحفظوه عندهم إلى ما بعد العيد، فأطلع بطرس ويوحنا فقط على ذلك، ولما أعدا كل شيء وجاءا به ذهب هو وتلاميذه الذين لم يكونوا يعرفون المكان حتى دخلوه فأكلوا الفصح هناك، وفى هذا الوقت حدثت مشاجرة بين التلاميذ فيمن يظن أن يكون الأول والأعظم فنبههم يسوع إلى تلك الأفكار الباطلة قائلاً: «الكبير فيكم فليكن كالأصغر والمتقدم كالخادم» (يو22: 24-26) وفى الحال قام بعملية غسل الأرجل للتلاميذ. وبعد ذلك أنبأهم بخيانة يهوذا بقوله: «واحد منكم يسلمني» (يو13: 21) يقصد يهوذا الذى إذ أخذ اللقمة بغير استحقاق دخله الشيطان، وقام فى الحال ومضى إلى اليهود يسلِّم لهم سيده مقابل ثلاثين من الفضة وهذه كانت قيمة العبد (خر 21: 32). فى هذا اليوم رسم لنا المسيح سر تناول العشاء الربانى الخبز النازل من السماء الواهب حياة للعالم، أى جسده المقدس ودمه الكريم، حيث أبطل أمام التلاميذ الرمز وأشار لهم إلى المرموز إليه، بل قد سلمه لهم عوضاً عنه عهداً جديداً غير العهد الأول، كما يوضح ذلك الإنجيلان قائلان: «وفيما هما يأكلون (الفصح) أخذ يسوع خبزاً، وبارك فكسر وأعطاهم قائلاً: «خذوا كلوا هذا هو جسدى الذى يُبذل عنكم اصنعوا هذا لذكري». وكذلك الكأس بعد العشاء قائلاً: «هذه الكأس هى العهد الجديد بدمى الذى يُسفك عنكم، فالأكل الأول والكأس الأول هما عشاء الفصح أما الخبز الثانى والكأس الثانية فهما العهد الجديد». فى هذا اليوم، أنبأ السيد له المجد تلميذه بطرس بأنه سينكره ثلاث مرات، وأكد له ذلك، ثم قام وعبر وادى قدرون، حيث دخل هو وتلاميذه وهناك صلى بجهاد عظيم حتى كان عرقه يتصبب على الأرض، وقد ظهر له ملاك من السماء يقويه قائلاً له: «لك القوة لك المجد لك البركة لك العزة يا عمانوئيل إلهنا وملكنا»، و«هى الترنيمة الكنسية الوحيدة هذا الأسبوع» فى المساء صلى فى بستان جسيمانى وقبض عليه وبدأت محاكمته.