من خلال هذه المقالة نحاول أن نثبت أهمية الإيمان بقيامة المسيح من الأموات في الإيمان المسيحى ونجد في الكتاب المقدس نصًا في غاية الأهمية يلخص حقيقة القيامة: "وَلكِنْ إِنْ كَانَ المَسِيحُ يُكْرَزُ بِهِ أَنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَكَيْفَ يَقُولُ قَوْمٌ بَيْنَكُمْ إِنْ لَيْسَ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ؟ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ فَلَا يَكُونُ المَسِيحُ قَدْ قَامَ! وَإِنْ لَمْ يَكُنِ المَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ، وَنُوجَدُ نَحْنُ أَيْضًا شُهُودَ زُورٍ لِلّه، لِأَنَّنَا شَهِدْنَا مِنْ جِهَةِ اللّهِ أَنَّهُ أَقَامَ المَسِيحَ وَهُوَ لَمْ يُقِمْهُ - إِنْ كَانَ المَوْت ى لَا يَقُومُونَ. لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ المَوْت ى لَا يَقُومُونَ فَلَا يَكُونُ المَسِيحُ قَدْ قَامَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنِ المَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أَنْتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُمْ! إِذًا الذِينَ رَقَدُوا فِي المَسِيحِ أَيْضًا هَلَكُوا!،،، فَإِنَّهُ إِذِ المَوْتُ بِإِنْسَانٍ، (وهو آدم)، بِإِنْسَانٍ أَيْضًا (المسيح) قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ. لِأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الجَمِيعُ هكَذَا فِي المَسِيحِ سَيُحْيَا الجَمِيعُ".. "1 كورنثوس 15: 12-22". وبناء على هذا النص الكتابى نسرد بعض الأدلة على قيامة المسيح: 1 شجاعة أتباع المسيح وسرورهم.. لو أن المسيح لم يقم من الأموات، لبدت على تلاميذه علامات اليأس والفشل، بل ولتشتت شملهم وانقطعت أواصر الصلة بينهم، بعد أن بدد موتُ المسيح الآمال الدنيوية التي كانوا يرجون الحصول عليها من وراء تبعيتهم له، ولعاد كل منهم إلى قريته وإلى حرفته كما تشهد بذلك تصرفاتهم في أول الأمر "يوحنا 20: 3" ولكن بالرجوع إلى التاريخ نرى أنه في اليوم الثالث لموت المسيح، ظهرت عليهم علامات الفرح ولازمهم هذا الفرح كل حياتهم، على الرغم من الاضطهاد الذي كان ينزل بهم من وقت لآخر "أعمال 5: 38-41"، فضلًا عن ذلك، فقد استعادوا وحدتهم وأخذوا ينادون بقيامة المسيح بكل جرأة أمام اليهود والرومان وغيرهم من الناس، حتى أن التلميذ الذي بسبب خوفه وجبنه كان قد أنكره أمام جارية "يوحنا 18: 17"، أصبح ينادي بأعلى صوته أمام رؤساء الكهنة بأنهم أجرموا بصلبهم المسيح، ومع ذلك فقد أقامه اللّه من الأموات "أعمال 2: 22-24"، الأمر الذي يدل على أن المسيح لا بد أنه قام فعلًا بعد موته، وأن كهنة اليهود أنفسهم كانوا يعرفون هذه الحقيقة كل المعرفة. 2 إصرارهم على الشهادة بقيامة المسيح.. كما أنه لو كانت قيامة المسيح أمرًا مختلقًا كما يقول المعترضون، لكانت عبارات الشك والتلعثم قد ظهرت في حديث التلاميذ عنها، شأن الذين يعرفون الحقيقة لكن يخفونها لغرض في نفوسهم.. أو كانوا قد لجأوا في مناداتهم بقيامته إلى الأدلة التي يرونها كافية لإقناع الناس بها، لكن بالرجوع إلى أقوالهم، نراها في غاية اليقين والصراحة، وخالية أيضًا خلوًا تامًا من أي محاولة لإثبات صدق قيامة المسيح، الأمر الذي يدل على أن قيامته حقيقة واقعة عرفها كل الناس وقتئذ، حتى أنه لم يكن هناك داع لإثبات صدقها بأي دليل أو برهان. 3 وضعهم قيامة المسيح أساسًا للإيمان المسيحي.. إن الرسل وقفوا إزاء قيامة المسيح موقفًا حاسمًا قاطعًا.. نرى كل إقرارات الإيمان المسيحى عبر التاريخ تقر بقيامة المسيح، إذا آمنوا به إيمانًا حقيقيًا، الأمر الذي يدل على أن الرسل كانوا متأكدين تمامًا من قيامة المسيح من الأموات، أن القيامة حدث جعلهم يموتون من أجل رسالتهم. 4 كمال المسيح وتقوى تلاميذه ونزاهتهم.. إن المسيح كما نعلم كان كاملًا كل الكمال، ولذلك ليس من المعقول أن يكون قد أدخل في عقل التلاميذ بمكر أو ألقى شبه على أحد آخر أو أنه قام من الأموات بجسده الذي صلب به، لو لم يكن قد قام فعلًا به.. كما أن تلاميذه كانوا على درجة عظيمة من التقوى حتى استطاعوا بكرازتهم بالمسيح مماتًا ومقامًا، أن يجعلوا الوثنيين الفجار، أشخاصًا قديسين أمناء، فقد حولوا قلب الإمبراطورية الرومانية إلى الإيمان بالمسيح ولذلك ليس من المعقول أيضًا أن يكونوا قد لفقوا حادثة قيامة المسيح، بل لا بد أنها حادثة حقيقية. 5 انتشار المسيحية.. كما أنه لو لم يكن المسيح قد قام من بين الأموات، لما قامت للمسيحية قائمة "إذ ليس من المعقول أن تقوم على آراء شخص قال إنه سيقوم بعد موته لكنه لم يقم" بل ولما فكر في اعتناقها إنسان على الإطلاق (وذلك لعدم توافقها مع ميول البشر وغرائزهم الجسدية، وتعرض أتباعها للاضطهاد والآلام في الحياة الدنيا)، لذلك فانتشار المسيحية دليل واضح على أن المسيح قام من الأموات، ودليل أيضًا على أنه يبعث في أتباعه حياة جديدة تسمو بهم فوق الأهواء والشهوات، وتجعلهم قادرين على احتمال الاضطهاد والآلام بكل فرح وسرور. 6 شهادة بعض علماء اليهود وغيرهم عن قيامة المسيح.. إن عددًا كبيرًا من العلماء والفلاسفة والمؤرخين الذين كانوا ينكرون فيما سلف قيامة المسيح، قد درسوا الوقائع الخاصة بها دراسة دقيقة فانتهى بهم الأمر "مع اختلاف مبادئهم وعقائدهم" إلى الاعتراف بصدقها، ولا نستطيع ذكر أقوالهم جميعًا، لذلك نكتفي بما يأتي: قال الحبر اليهودي كاوزنر في كتابه يسوع الناصري: من المُحال أن نفترض وجود خدعة في أمر قيامة المسيح، لأنه لا يعقل أن تظل خدعة 19 قرنًا -هذا لأن كاوزنر عاش في القرن التاسع عشر. وقال وستكوت: لا توجد حادثة تاريخية واحدة دعمتها أدلة أقوى من تلك التي تدعم قيامة المسيح. وقال دكتور ديني: لا مجال للشك في قيامة المسيح، بعد أن غيرت يوم الراحة الذي كان اليهود يتمسكون به بكل شدة. وقال تيودور: لو كان حماس تلاميذ المسيح هو الذي ولّد الاعتقاد بقيامته لديهم، لكان هذا الحماس قد برد شيئًا فشيئًا حتى وصل إلى درجة الخمول والجمود.. لكن إن كان ظهور المسيح لهم بعد موته، هو الذي بعث فيهم النشاط المتواصل في ميدان خدمة الإنجيل، فلا ندحة من التسليم بأن ظهوره كان أمرًا حقيقيًا وليس خياليًا. وقال ستروس أحد النقاد المشهورين للكتاب المقدس، ما ملخصه: لو كان المسيح قد أنزل عن الصليب قبل أن يموت "كما يدعي بعض الناس"، ثم استطاع بعد دفنه أن يخرج من القبر بوسيلة ما، لاحتاج إلى مدة طويلة من الزمن للعلاج.. ولعجز أيضًا عن بعث الإيمان في تلاميذه بأنه انتصر على الموت، وعن توليد القدرة فيهم على المناداة بالإنجيل في كل مكان، على الرغم من الاضطهاد الذي كان يحيط بهم من جراء هذا العمل. وقال دكتور توماس الذي كان أستاذًا للتاريخ في جامعة إكسفورد: لما طلب مني أن أقوم بتدريس التاريخ القديم، وأفحص أدلة المؤرخين على صدق ما جاء به من أخبار، لم أجد خبرًا، أجمع على صدقه كل الأشخاص المحايدين مثل خبر قيامة المسيح. وقال السير إدوار كلارك أحد كبار رجال القانون: إذا كان الشاهد الصادق هو الذي يتجلى في بساطته وثباته، وترفعه عن التأثر بالحوادث المحيطة.. فإن شهادة الإنجيل عن القيامة تبلغ هذه المرتبة من الصدق.. وإني كمحام أقبلها دون قيد كشهادة رجال صادقين، على حوادث أمكنهم إثباتها بحجج لا سبيل إلى التشكك فيها. 7- شهادة بولس الرسول: إن بولس الرسول الذي كان من أشهر علماء الفلسفة والدين عند اليهود، قد صار من أكبر أنصار المسيحية والمجاهدين في سبيلها.. وبما أن شخصًا مثله لا يمكن أن يكون قد تحول عن عقيدته الأولى دون فحص أو تدقيق، لأنه كان مثقفًا ثقافة عالية، كما كانت له مكانة مرموقة في أمته.. إذن فشهادته عن قيامة المسيح بناء على ظهوره له بمجده السماوي في رابعة النهار، هي شهادة يوثق بها ويعّول عليها. ولو فرضنا جدلًا أن بصره قد خدعه كما يدعي بعض النقاد، فهل من المعقول أن يكون بصر رفاقه الذين كانوا معه وقتئذ، قد خدعهم هم أيضًا؟ طبعًا كلًا، لأن هؤلاء قد شهدوا جميعًا أنهم أبصروا نورًا وهاجًا، وسمعوا صوت صاحب هذا النور "وإن كانوا لم يتبينوا حقيقته أو يفهموا معنى أقواله"، فسقطوا على وجوههم خوفًا وارتعابًا.. وعندما نهضوا رأوا بولس أعمى لا يبصر، كدليل ملموس على تأثره بالنور الباهر الذي سطع من الشخص الذي ظهر له.. فاقتادوا بولس بأيديهم ودخلوا به إلى دمشق "أعمال 9: 3-9".. فإذا أضفنا إلى ذلك، أنه لم يستطع واحد من اليهود أو الرومان أن يخطئ بولس الرسول في شهادته، مع أن ذلك كان ميسورًا لهؤلاء وأولئك لو كان مخدوعًا "إذ كان من الممكن أن يستدعوا رفاقه المذكورين ويستجوبوهم أمامه، عن السبب في العمى الذي قال إنه أصابه عند ظهور المسيح له في نوره الباهر"، يتضح لنا أن شهادته عن قيامة المسيح وصعوده إلى السماء، وظهوره له بمجده من هناك، لا بد أنها شهادة صادقة. نرى أقوالًا صريحة في الرسائل التي كتبها بولس تعلن إيمانه الذي لا يتزعزع بقيامة المسيح من بين الأموات وحين رأى المسيح المقام في طريقه إلى دمشق وعرف أنه لا يمكن للتلاميذ أن يكونوا مخادعين بل أدرك أنه يستحيل على شخص مثل استفانوس أن يعانى حتى الموت من أجل خدعة ويقول بكل الفم ظهر لى ظهر لصفا.. ظهر للاثنى عشر.. ظهر ليعقوب.. واخر الكل كأنه للسقط ظهر لى انا.. ويقول لو لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا أي شهادتنا بالإنجيل. أخيرًا نقول: حقًا إن قيامة المسيح من الأموات تتعارض مع ما ألفه البشر من أحداث، لكنها لا تتعارض مع العقل بل تسمو فوق إدراكه.. وهناك فرق عظيم بين الأمور الأولى وبين الأمور الثانية.. فالأولى لا تتفق مع العقل إطلاقًا، أما الثانية فتتفق معه في أسبابها، لكن لسموها يعجز عن الإحاطة بها، ومن ثم فإنه لا يعترض عليها بل يرضخ أمامها.. وقيامة المسيح من الأموات حقيقة لا شك فيها.. المسيح قام بالحقيقة قام.