يقول السائل: حين قرأت الكلمات التي قالها المسيح لتلاميذه في (لو 22: 35، 36) انزعجت جدًا، فكيف يقول لهم: «حِينَ أَرْسَلْتُكُمْ بِلاَ كِيسٍ وَلاَ مِزْوَدٍ وَلاَ أَحْذِيَةٍ هَلْ أَعْوَزَكُمْ شَيْءٌ؟» فَقَالُوا: «لاَ». 36 فَقَالَ لَهُمْ: «لَكِنِ الآنَ مَنْ لَهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ وَمِزْوَدٌ كَذَلِكَ. وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفًا". لماذا يأمر المسيح تلاميذه أن يشتري كل منهم سيفًا؟ وهل كان المسيح يريدهم فعلًا أن يستخدموا السيف؟ أليس هذا ضد تعاليمه التي علمها لهم من قبل؟ هل المسيح يناقض نفسه؟ ولماذا عندما قالوا له «يَا رَبُّ هُوَذَا هُنَا سَيْفَانِ». قَالَ لَهُمْ: «يَكْفِي!»؟ وللإجابة أذكر عدة حقائق: 1 رسالة المسيح هي رسالة السلام: فقد دعيّ "رئيس السلام" (إش6:9)، وقد رنمت له الملائكة ليلة ميلاده "عَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ" (لو14:2). وهو الذي علَّم قائلًا: "طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللَّهِ يُدْعَوْنَ"(مت9:5). وقال أيضًا: "مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. 40وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. 41وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلًا وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ.... أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ" (مت5: 39 – 45). فرسالة المسيح ضد العنف والقتل والسيف. 2 رفض المسيح استخدام السيف: بعد أن قال هذه الكلمات موضع التساؤل، إذا به يفاجأ بجمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب يتقدمهم يهوذا الإسخريوطي، الذي تقدم وقال له: «ٱلسَّلاَمُ يَا سَيِّدِي!» وَقَبَّلَهُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «يَا صَاحِبُ لِمَاذَا جِئْتَ؟» حِينَئِذٍ تَقَدَّمُوا وَأَلْقَوُا الأَيَادِيَ عَلَى يَسُوعَ وَأَمْسَكُوهُ. ويبدو أن ملخس وهو أحد عبيد رئيس الكهنة كان عنيفًا وهو يتعامل مع يسوع، فاستل بطرس سيفه وضربه، ضربة الخائف المندفع، فقطع أذنه. فقال له يسوع: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! (مت 26: 51 54)، وَقَالَ يَسُوعُ: «دَعُوا إِلَى هَذَا!» وَلَمَسَ أُذْنَهُ وَأَبْرَأَهَا" (لو51:22). فلو كان يسوع يدعوهم إلى استخدام السيف ما كان يمنع بطرس عن استخدامه في هذه المناسبة، وما كان يشفي أذن ملخس. 3 لم يكن المسيح في احتياج لمن يدافع عنه بالسيف: فبعد أن انتهر بطرس لأنه استخدم السيف قال له: "أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟" (مت53:26). ويقال أن الاثني عشر جيشًا كان يسمى فيلق، ويقدره البعض ب 60 ألف جندي، ويقدره البعض الآخر ب 72 ألف جندي. الفكرة أن يسوع لم يكن في احتياج لمن يدافع عنه. 4 لم يكن يقصد المسيح إطلاقًا السيف بمعناه المادي الحرفي؛ سيف الحرب والقتل وسفك الدماء، بل السيف بمعناه الرمزي الذي هو سيف الروح، لأن رسالة المسيح هي رسالة السلام والحب والغفران، والمسيح لا يناقض نفسه، الفكرة أن المسيح كان يتحدث إليهم بهذه الكلمات قبيل الصليب، وهو في طريقه إلى جثيماني، ولا يفصل بينه وبين الموت إلا خطوة، وينظر فيرى أن تلاميذه سيكونون كخراف في وسط ذئاب ( مت 10: 16 )، لذلك هو يريد أن يقول لهم أنا كنت معكم مصدرًا للأمان والسلام، كنت أحفظكم بنفسي، كنت السيف الذي يحميكم، ولكنى سأُسَلَم إلى أيدى الخطاة، وسيتم فىّ المكتوب ( لو 22: 37 )، وسيكون الهجوم شرسًا عليكم، والاضطهاد عنيفًا، والضيق شديدًا، لذلك فليجاهد كل منكم ويشتري سيفًا، وكان يقصد سيف الروح، الذي تحدث عنه الرسول بولس قائلًا:" الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ.... 14فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ، 16حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ... 17وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ" (أف6: 11-17). فعلى كل تلميذ أن يتسلح بدرع البر، وترس الإيمان، وخوذة الخلاص، وسيف الروح. لكن للأسف لم يفهم التلاميذ المعنى الرمزي المقصود في ذلك الوقت، فهو يحدثهم عن سيف الروح بينما هم يقولون له: «يَا رَبُّ هُوَذَا هُنَا سَيْفَانِ». قال لهم: «يَكْفِي!». ( لو 22: 38 ). وقول المسيح «يَكْفِي!» لا يعني أن السيفين كافيان، بل كفى كلام عن الأسلحة، وهي طريقة لفض الحديث في موضوع أساء التلاميذ فهمه.. فقد كان يقصد كفى قلة إيمان وكفى غباء". ويقصد كفي مناقشة في هذا الموضوع، إذ الوقت ضيق حاليًا. "لأنه لو كان يقصد السيفين كان يقول "يكفيان" بصيغة المثنى لأنهم قالوا «هُنَا سَيْفَانِ». وليس «يَكْفِي!». عزيزي القارئ: إن مسيحنا يدعونا للحب والسلام، وكل الكتاب المقدس يدعونا لرفض العنف والخصام والانتقام، قال الرسول بولس: "إِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ. 19لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ20 فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هَذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ». 21لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ" (رو12: 18-20). إن كلمة "سالموا" في اللغة العربية كلمة ساكنة غير نشطة، إنما في الأصل اليوناني تعنى اسعوا وابحثوا وفتشوا عن السلام. فالمسيحي يسعى للسلام ولا يجلس منتظرًا السلام فقط.