شاهدت أمس الفيلم السينمائي الجديد "نوارة" تلك الفتاة الفقيرة التي جسدتها الفنانة الموهوبة منة شلبي، وظهر أداؤها هذه المرة مختلفا وناضجا فنيا وإنسانيا عن أي عمل قدمته سابقا، سينمائيا أو تلفزيونيا. نضج منة ليس متمثلا في أدائها فقط، إنما في اختيارها للدور الصعب الذي لعبته، البنت البسيطة صاحبة الجسد الواهن، والتي تذهب كل يوم، لكسب رزقها بعملها خادمة في كومباوند فاخر لأحد الوزراء السابقين وزوجته المتسلطة، وتعيش صراعا مع خطيبها أو زوجها رسميا "علي" الذي جسده أمير صلاح.. بين حبها له ومقاومتها لممارسة علاقة حميمية بينهما في المنزل الذي أؤتمنت عليه بعد هروب هذه العائلة الغنية للندن بمجرد إعلان النائب العام القبض على الرئيس المخلوع مبارك ونجليه جمال وعلاء، إبان اندلاع ثورة يناير كما يحكي الفيلم من خلال سيناريو محبوك دراميا وإخراجيا لهالة خليل. "نوارة" لا يجسد فقط ما عانى منه البسطاء في العشوائيات أيام الثورة والأيام التي تبعتها من تدهور الحالة المعيشية وعدم وصول المياه لمنزلهم الهش أو ضياع أرواح الفقراء في مستشفيات حكومية معدومة الإمكانيات مليئة بالمحسوبيات والرشاوى لمجرد طلب علاج رجل مسن جسده والد على. الفيلم يسرد النتائج التي تحققت من هذه الثورة للمصريين الغلابة الذين لا يجدون قوت يومهم أو يخافون من ندرة الماء الذي يغسل أجسادهم في دفنتهم كما لعبته "رجاء حسين" جدة نوارة، ويرسم صورة الطبقة الغنية التي هربت بأموالها خارج البلاد مع اندلاع الثورة أو الفوضى كما كانوا يسمونها وقتها، وعاشت حياتها على اريكة حرير تتناول الكافيار دون أن يقترب منها أحد. منة شلبي التي أبكت المشاهدين في نهاية الفيلم بعد دفعها ثمن الثورة وهروب الأسرة الغنية خارج مصر بضرب شقيق الوزير السابق لها "عباس أبو الحسن" بشكل مبرح وجرها على سلم الفيلا الفخمة لتنزف دما ليأتي الكلب "بوتشي" مدافعًا عنها، وهو الذي كان يرهبها، قبل أن تروضه ثم تصبح صديقته ويدفع هو الآخر ثمن جبروت شقيق الوزير بضربه بالنار جراء جرمه بدفاعه عن نوارة، ليس هذا فقط بل تم القبض عليها كأنها الجانية التي خدشث حياء الثورة وكان من هرب خارج البلاد مجنيا عليه. رغم كل المشاهد الصعبة التي قدمتها نوارة في الفيلم بأداء راق للغاية، إلا أنها أدخلت السعادة إلى قلوب الكثيرين لأنها أعادت للسينما المصرية روحا وطعما ومذاقا مختلفا حينما نشاهد فليما معينا خاليا من العنف والمخدرات ورغم أنه يحكي عن العشوائيات ومعاناتها إلا إنه خلا من أي إسفاف أو ابتذال أو لفظ خادش للحياء. هنيئا لمنة شلبي أو نوارة بفيلمها المحترم وهنيئا للسينما المصرية على هذه الموهبة والعمل الرائع.