السينما من مخازن التاريخ أرشيف يفتح الباب لخروج الموقف نفسه مرة أخرى إلى الوجود. تتناول كل صنوف الحياة وحكاياتها؛ لذلك تطرح التغيرات العنيفة التي يشهدها العالم العربي أسئلة متجددة على القائمين على تسجيلها سينمائيًا، منها كيف يتم تصوير حرب أهلية؟ وكيف يتم إيجاد الوسائل المطلوبة وسط ظروف استثنائية تشمل كل نواحي الحياة اليومية. وفي محاولة لمُناقشة وطرح هذه الأسئلة، يبدأ المعهد الثقافي والفرنسي بالمنيرة في الفترة من 22 وحتى 26 مارس الجاري برنامج سينمائي بعنوان "السينما العربية تدخل الحرب الأهلية"، يُقدمه الكاتب والمترجم محمد فتحي كلفت، يعرض خلاله ستة أفلام وثائقية وروائية، يستعرض من خلالها أربع دراسات حالة لصراعات أهلية عربية تاريخية ومعاصرة، وفق سرديات صناعها العرب، كما يُناقش في عرض تقديمي نماذج أكثر من المنطقة والعالم لتناول الصراع الأهلي، ويستضيف البرنامج اثنين من صناع هذه الأفلام للحديث والمُناقشة حول حكاية عملهم، ونظرتهم له، وللصراع من خلاله. ويبدأ البرنامج بعرض الفيلم الجزائري "ثورة الزنج"، وهو للمخرج طارق تقية، وإنتاج عام 2014، ويحكي في 136 دقيقة قصة صحفي جزائري يُدعى "ابن بطوطة"، مهووس بالبحث في الانتفاضة المنسية في التاريخ العربي، وهي الثورة التي قادها على بن محمد ضد الخليفة العباسي المنتصر بالله خلال القرن التاسع، والإنهاك الذي شهدته دولة العباسيين وقضت عليها، والتي أشعلها بعض العرب المغامرين من المهالبة والهمدانيين وفقراء العراق وغيرهم في البداية، قبل أن تشمل فئات أخرى لاحقًا من الزنج، وأهل القرى وبعض العشائر العربية الثائرة على السلطة المركزية. ومن السودان يُعرض الفيلم الوثائقي "على إيقاع الأنتونوڤ"، من إنتاج عام 2014، بحضور مخرجه حجوج كوكا، وهو بحث صامت في مخيّمات اللجوء بالسودان، في ظلّ حرب ظلّت تنخر البلد طيلة سنوات، وتحت قصف الأنتونوڤ تبدو شظايا لمجتمع ممزّق تتلاطمه أمواج صراع الهوية، وفي مشاهد يُهدد قصفها كاميرا المخرج تبدو حقيقة لمنطقة جنوب كردفان ومنطقة النيل الأزرق. ويُشارك المخرج العراقي عباس فاضل بفيلمه الوثائقي الطويل "الوطن: العراق سنة صفر"، وهو إنتاج فرنسي-عراقي، صُوّر الجزء الأول منه بين فبراير 2002 وأول مارس 2003، والجزء الثاني بعد أشهر على بدء الحرب؛ ليستعرض في خمس ساعات أوقاتًا هادئة ومؤلمة أمضتها عائلته على مدى أشهر عدة قبل الاجتياح الأمريكي للعراق وبعده. ويُختتم البرنامج بعرض فيلم "طرابلس الغد "وهو آخر أعمال مخرج الأفلام الوثائقية الفرنسي فلورون مارسي، في حضوره، ويتناول فيه على مدى 173 دقيقة، قصة مجموعة صغيرة من المتمردين تحدت نظام القذافي منذ بداية الثورة الليبية، من قراهم في جبل نفوسة غربي البلاد، حيث يقبعون بعيدًا جدًا عن بني غازي. أما العرض التقديمي "كيف نصور حربا أهلية؟" فيتناول مقاطع من أفلام وثائقية، تُمثّل نماذج متنوعة لتناول الحروب الأهلية والثورات في الماضي والحاضر.