رأى الكاتب البريطاني إدوارد لووس أن تاريخ أمريكا العنصري لم ينتهِ بانتخاب باراك أوباما رئيسًا، وليس أدلّ على ذلك من انساق التصويت في الانتخابات التمهيدية الجارية الآن. واستهل مقالا نشرته (الفاينانشيال تايمز) بالعودة بالأذهان إلى توقيت انتخاب باراك أوباما في يناير 2009 رئيسًا لأمريكا، وكيف "انتشى العالم وتنفستْ أمريكا الصُعَداء وأعلن المراقبون انتهاء قرون من التفرقة العنصرية." ورصد الكاتب تعليق المخرج السينمائي الأمريكي الحائز على الأوسكار ستيفن آلان سبيلبرج على حفل تنصيب أوباما، وكيف أن نحو 5ر1 مليون شخص تحدوا برودة الطقس وخرجوا لمشاهدة الحفل، مضيفًا أنه من المستحيل أن يخرج هذا الكَم من البشر لمشاهدة فيلم سينمائي. وقال لووس "كان ذلك يوم تنصيب أول رئيس أمريكي غير أبيض، أما اليوم، فإن أمريكا تمر بأسوأ فترة استقطاب عنصري على مدى عقود. وبفضل دونالد ترامب، عادت العناوين العنصرية تتصدر الصحف." وقال لووس "أشك في أن يأتي ترامب خلفاً لأوباما في منصب الرئاسة، غير أنه استطاع تسميم الأجواء، ليحل الخوف والترقب محل الآمال التي سادت ذات يوم بدخول أوباما إلى البيت الأبيض .. وعلى غرار إعلانات نهاية التاريخ التي ظهرت في حقبة التسعينيات، فإن تاريخ أمريكا العنصري لم ينته بانتخاب أوباما رئيسًا؛ كل ما هنالك أن فصلاً جديدًا من التاريخ قد بدأ." وأضاف أن "معاناة الأمم وما تشهده في سنوات تكوينها من اضطرابات يُسْهم بنصيب وافرٍ في تشكيل شخصيتها ويظل ملازما لها للأبد، ومثال ذلك الهند، التي لا تزال ترى في المستثمرين الأجانب مُستعمرين محتمَلين، وبريطانيا التي تخلط بين بروكسل والبابوية، وها هي أمريكا لم تتخلص بعْدُ من أشباح خطيئتها الأصلية: "الاستعباد"؛ فبعد نحو خمسمائة عام من جلْب الأفواج الأولى من الأفارقة عبر مياه الأطلسي، لا تزال إحدى قدمي أمريكا منغمسة في أوحال ماضيها." وأوضح لووس "دعونا لا نأخذ الكلمات على علاتها، ولننظر إلى مؤيدي ترامب، فبحسب نتيجة الانتخابات التمهيدية في ساوث كارولاينا، والتي أحرز فيها ترامب فوزًا سهلاً الشهر الماضي، كان نحو خُمْس المصوتين لصالح ترامب يرون أن أبراهام لينكولن كان مخطئًا عندما قرر تحرير العبيد، كما أن أكثر من ثلث هؤلاء المصوتين تمنوا لو أن الجنوب هو الذي انتصر في الحرب الأهلية الأمريكية، كما أن نحو نسبة 70 بالمائة من هؤلاء المصوتين يتمنون لو أن عَلَم الكونفيدرالية كان لا يزال يرفرف فوق مبنى الكابيتول." واستشهد صاحب المقال بكلمات للأديب الأمريكي الحائز على نوبل ويليام فولكنر، "الماضي لا يموت أبدًا .. إنه حتى لا يُمْسي ماضيًا." ويستأنف لووس "إن ثِقَل التاريخ يتأكد اليوم ويتجلى في أنساق التصويت في الانتخابات التمهيدية .. في 2008 صوّت أكثر من تسعة أعشار الأمريكيين من أصول أفريقية لصالح أوباما سواء في سباق الانتخابات التمهيدية ضد هيلاري كلينتون أو في الانتخابات العامة ضد جون ماكين المرشح الجمهوري." وفي الشهر الماضي، اختار أكثر من 80 بالمائة السيدة كلينتون مفضلين إياها على بيرني ساندرز في ساوث كارولاينا، ليس لأن ساندرز يعتبر محل اشتباه، وإنما لأنهم يميلون إلى دعم المرشح الأقرب إلى الفوز بالرئاسة. وقال لوثر كينج "إن قُدّاس الأحد كان أكثر ساعةٍ من ساعات الفصل (الطائفي) في أمريكا، أما في هذه الأيام، فإن مقرات التصويت باتت الأكثر فصْلا بين الأمريكيين." ومضى صاحب المقال يقول "يعتبر تصويت ذوي البشرة السوداء في الجنوب الأمريكي بمثابة مرآة عاكسة لتصويت ذوي البشرة البيضاء لصالح الجمهوريين بأعداد متقاربة .. وعلى الرغم من أن أقلية من مؤيدي ترامب هم عنصريون، إلا أن المخاطر حقيقية جدا." واستطرد لووس "كان المعنى الضمني الذي يُصدّره مشهد انتخاب رئيس أمريكي من أصول أفريقية هو أن الولاياتالمتحدة ستعْبُر جسر انقسامٍ قديم، غير أن هذا المعنى انهار بصعود نجم السيد ترامب، والذي تؤكد شعبيته حقيقة هذا الانهيار." ورأى الكاتب أن "أقوى أسلحة أوباما تتمثل في قدرته على مساعدة السيدة كلينتون في أن تخْلُفه في الرئاسة عبر تأمين إقبال مرتفع على الانتخابات في الثامن من نوفمبر .. وإذا ما فاز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري، فسيكون محتاجا إلى تصويت أكثر من 70 بالمائة من الرجال ذوي البشرة البيضاء حتى يفوز في الانتخابات العامة - وهذا في حُكْم المستحيل؛ ذلك أن هذه الفئة من الناخبين أعطت "ميت رومني" عام 2012 نسبة 62 بالمائة، ومن الصعب اعتقاد أن يتمكن ترامب من الحصول على نسبة أعلى من تلك." علاوة على ذلك، أن فوز ترامب بالترشيح كفيلٌ بإشعال حرب أهلية داخل الحزب الجمهوري، وقد أعلن رومني الأسبوع الماضي عن اعتزامه الطعن في فوز ترامب بترشيح الحزب. واختتم لووس قائلا "على مدى عقود، استخدم ساسة الجمهوريين صافرات خافتة الصوت لإثارة المخاوف العنصرية، أما اليوم فلا عجب إذا ما استخدم شخصٌ مثل ترامب مُكبّر صوت لإثارة المخاوف ذاتها."