قال الدكتور عبدالرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بوجه بحرى وسيناء بوزارة الآثار، إن الفراعنة مارسوا الطب وفق نظام علمى، واكتشفوا العديد من العقاقير المستخدمة حتى الآن، موضحا أن القدماء المصريين تركوا للعالم كتبا طبية أثرت جامعات العالم، لافتا إلى أنه كانت لديهم وزارة للصحة، وكان كل طبيب لا يتخصص إلا فى فرع واحد من فروع الطب. وأضاف ريحان، فى حواره ل«البوابة»، أن أجدادنا تقدموا فى علم الصيدلة وتحديد مواعيد الدواء بدقة صباحا أو مساء قبل الأكل وبعده، ويرجع لهم الفضل فى ابتكار النشادر بسحق أو حرق قرون الحيوانات، واستخدام قشر الرمان لطرد الديدان المعدية. ■ البعض يقول إن الطب المصرى القديم استند إلى أعمال السحر والشعوذة.. كيف ترى ذلك؟ - غير صحيح بالمرة، الطب المصرى القديم طب علمى كان يمارس وفق نظام علمى وعناية خاصة، وقد اكتشفوا العديد من العقاقير المفيدة المستخدمة حتى الآن، وتوصلوا إلى أن القلب مركز للأوعية المنتشرة بسائر أجزاء الجسم، وأن كثيرا من الأمراض ناجمة عن مرض الأوعية، وحاولوا علاجها بتبريدها أو تهدئتها. وترك لنا قدماء المصريين كتبا طبية ما زالت تدّرس بكبرى جامعات العالم، وأطلق عليها قراطيس، ومنها قرطاس إيبرس أضخم هذه الكتب، المكتشف بالأقصر عام 1862، واشتراه الألمانى إيبرس وكان محفوظا بدار تحف ليبزج بألمانيا، ويرجع لعام 1550ق.م، ويحوى 877 وصفة لأمراض عديدة، وكل وصفة تحوى عدة عقاقير بالمقادير المطلوبة وطريقة العلاج بها، كما تضمن حالات تشرح أعراض المرض والتشخيص والعلاج وعددا كبيرا من حالات جراحية. وقرطاس هيرست المكتشف بدير البلاص بالصعيد عام 1899، واشتراه الدكتور ريزنر عام 1901 وأهداه إلى جامعة كاليفورنيا ويضم 260 وصفة. ■ هل كان لدى المصرى القديم تخصصات فى الطب؟ - نعم، كانت لديهم وزارة للصحة، وكان كل طبيب لا يتخصص إلا فى فرع واحد من فروع الطب، ومنها تخصصات فى الباطنة والعيون والرأس والأسنان وغيرها، وكانت هناك مصلحة حكومية خاصة بأطباء السراى والأطباء عامة، وكان الأطباء مقسمين إلى درجات بما يتماشى مع كادر الموظفين أو كادر الكهنة والأطباء أربع درجات، الطبيب العام وكبير الأطباء ومفتش الأطباء ورئيس الأطباء، كما ورد ذكر الطبيب الكبير كما ورد منصب «الرئيس الأعلى لأطباء الوجه البحرى والقبلى»، وهو ما يشبه وزير الصحة حاليا، وما زالت هذه المناصب حتى الآن، طبيب عام وأخصائى واستشارى ومديرو مستشفيات ووكلاء وزارة ووزير، ومن الأطباء العموم الطبيب «عنخ»، والمتخصصون منهم الطبيب «واح دواو» رئيس أطباء العيون بالسراى الملكية، ومن رؤساء الأطباء «أمنحوتب» الأسرة 18 - 19، وقبره بأسيوط والطبيب «با - عى - منى» أسرة 12- 15 كبير أطباء مصر السفلى والعليا. ■ ماذا عن الصيدلة فى مصر القديمة؟ - تقدم المصريون فى علم الصيدلة، وتحديد مواعيد الدواء بدقة صباحا أو مساء قبل الأكل وبعده، ويرجع لهم الفضل فى ابتكار النشادر بسحق أو حرق قرون الحيوانات واستخدام قشر الرمان لطرد الديدان المعدية وشجر الخروع فى علاج الجروح، وإنماء الشعر، واشتهرت مصر القديمة بكثرة عقاقيرها واستعملوا نبات ست الحسن، وهو نبات سام كمسّكن ومضاد للتشنجات وممدد للحدقة، ومقلل للإفرازات، ويوصف للربو والسعال والإمساك، وصنعوا المراهم بمزج العقار بدهن الحيوانات والأقراص بمزج العقار بالعجين، وابتكروا اللبوس، واستخدموا الرمل الساخن فى العلاج واستعملوا ريشة النسر نقاطة لقطرة العيون، وكانت العقاقير مستخلصة من النبات والحيوان والمعادن، واستخلصوا الفيتامينات، وعالجوا بها مرضى العشى الليلى، وهو عدم الإبصار فى الضوء الضئيل والظلمة الناتج عن نقص فيتامين «أ»، وعالجوه بشواء كبد الثور، واكتشف حديثا أن فيتامين «أ» يوجد بكثرة فى الكبد. ■ فى رأيك هل علّم المصريون العالم هندسة البناء؟ - علّم القدماء المصريون العالم هندسة وفلسفة البناء، لأن المبانى مثلت فلسفة خاصة بمصر القديمة، انطلقت من وازع دينى وفلسفى يحمل فى طياته الشموخ ومحاولة الصعود للسماء للتقرب من المعبودات، وكانت العمارة لديهم أول خط للسماء رسمته البشرية، بدأ بالخطوط الهندسية الأفقية ومسطحاتها المستوية التى عبر عنها بالمصاطب، وارتفعت المصاطب عن سطح الأرض فى طبقات متراصة فوق بعضها لتصنع الأهرامات المدرجة سلم الطريق إلى السماء، وانتقلت منها إلى الأهرامات الهندسية، والأشكال الرياضية والتقويم بأضلاعها المنحنية والمستقيمة وأسطحها الزخرفية الملساء، ثم ارتفع الهرم بقاعدته عن سطح الأرض، لتظهر معابد الشمس، ثم تعلو فوق قائم يشق طريقه نحو السماء، لتظهر المسلات الرشيقة والمبانى سابقة التجهيز فى بناء مدن بأكملها، ومن أقدمها مدينة خنت كاوس إحدى المدن التى بنيت فى الأسرة الرابعة 2565ق.م. التى بنيت لتؤوى عمالا وفنيين بناة الأهرامات ومعابدها الجنائزية، وقد أهديت لهم بعد اكتمال البناء، وهذا يؤكد بالدليل الأثرى أن قدماء المصريين هم بناة الأهرام وبناة كل حضارتهم العظيمة. ■ البعض ذكر أن المصرى القديم اخترع «الحاسبة».. فهل هذا حقيقى؟ - أعتقد أن هذا شىء بسيط بالنسبة للمصريين القدماء، فهم أول من فكروا فى ميكنة العمليات الحسابية باختراعهم أول آلة حاسبة فى تاريخ البشرية، وهى آلة الأباكس الحاسبة، وتتكون من إطار مستطيل الشكل يسهل حمله، مثبت به عدة أسلاك عليها مجموعة من الخرز، موزعة سبع خرزات على كل سلك، اثنتان على جانب واحد من العارضة، وخمس من الجهة الأخرى، ويمثل الخرز من جهة اليمين الآحاد، والسلك الثانى إلى اليسار يمثل العشرات، وتليه المئات، وأن آلة الأباكس تمثل أول محاولة لميكنة العمليات الحسابية فى التاريخ والكمبيوتر حاليا ما هو إلا آلة لميكنة العمليات الحسابية، وقد ابتكرها المصرى القديم منذ آلاف السنين. ■ هل اخترع قدماء المصريين أشياء أخرى؟ - لو سردت كل ابتكارات مصر القديمة لاحتجنا لمجلدات، ونحن نذكر على سبيل المثال فقط لا الحصر أن أقدم جهاز تهوية وتكييف فى العالم اخترع داخل الهرم الأكبر، لأن الهرم الأكبر يعمل على تركيز الطاقة داخله على المحور الممتد من قمته إلى مركز قاعدته، وعلى مسافة 22 من قمة الهرم، وهى المسافة التى بنيت عليها غرفة دفن الملك التى حازت اهتمام مهندسى مصر القديمة، ووضعوا بها جميع وسائل الراحة، ولذلك وضع بها نظام يعمل على خفض درجة الحرارة داخله، بحيث لا تزيد على 22 درجة مئوية، وهذا النظام عبارة عن ممرين داخل غرفة دفن الملك، يخترقان أحجار الهرم إلى جانبين من جوانب الهرم تعمل على تجدد الهواء فى حجرة الملك على مدى العام عند درجة حرارة ثابتة 22 درجة مئوية.