بروتوكول تعاون بين جامعة أسيوط كلية الحقوق وجامعة الغردقة    لتوفير 1500 فرصة عمل.. 12 شركة في الملتقى التوظيفي الأول بجامعة حلوان (تفاصيل)    لمدة 50 عامًا.. عقد لإقامة مصنع لتجميع السيارات بين هيئة الموانئ ومجموعة المنصور    المجر لن تمتثل لقرار اعتقال بوتين.. وتتهم "معرقلي" رحلته برفض السلام    فانس من تل أبيب: وقف النار في غزة سيصمد لكن الأمر ليس سهلًا    دبلوماسي أوكراني: ترامب كان مستعدا لتنازلات لأجل السلام وبوتين رفض.. والمشهد غامض    محافظ شمال سيناء: معبر رفح من الجانب المصري مفتوح منذ 7 أكتوبر 2023    بث مباشر.. مشاهدة مباراة ريال مدريد ويوفنتوس في دوري أبطال أوروبا 2025    موعد مباراة سبورتنج لشبونة ومارسيليا في دوري أبطال أوروبا.. والقنوات الناقلة    طارق قنديل: تشرفت بثقة الخطيب.. وننتظر مشاركة تاريخية من الجمعية العمومية    ضبط مصنع غير مرخص لإنتاج مستحضرات طبية مجهولة المصدر بالمنوفية    القبض على 11 سيدة بتهمة ممارسة أعمال منافية للآداب عبر تطبيق للمساج في القاهرة    المخرج العالمي مايكل إدواردز يهنئ صناع فيلم "نصيب" بانطلاق تصويره    حقيقة منح يوم افتتاح المتحف المصري الكبير إجازة رسمية للموظفين؟.. الحكومة توضح التفاصيل    كشف وعلاج مجاني ل1644 مواطنًا خلال القافلة الطبية بمركز بلقاس في الدقهلية    تزامنًا مع تعامد الشمس على رمسيس الثاني.. رفع درجة الجاهزية القصوى بجميع منشآت الرعاية الصحية بأسوان    قائمة ريال مدريد - غياب 5 مدافعين ضد يوفنتوس.. وميندي يعود لأول مرة منذ 6 أشهر    استقالة أسامة نبيه من تدريب منتخب الشباب    الكنيست يصادق تمهيديا على مشروعي قانون لضم الضفة ومستوطنة    الأمين العام لحزب الجبهة الوطنية بإهناسيا يستقيل من منصبه قبل انتخابات النواب    وكيل التعليم بالجيزة يستبعد مدير مدرسة خلال جولة مفاجئة في الهرم والعمرانية    مدبولي: الدولة لن تحتاج إلى رفع أسعار الوقود خلال سنة على الأقل    لدعم الطالبات نفسيا، الهلال الأحمر يطلق حملة Red Week بجامعة الوادي الجديد    أفضل 5 وجبات خفيفة صحية لا ترفع السكر في الدم    فئات ممنوعة من أداء مناسك الحج    حملات مرورية مكثفة بمنطقة المساكن والجامعة بقنا بعد شكوى الطلاب والأهالى    أحمد الشناوي يصارع ثنائي المغرب على جائزة أفضل حارس في أفريقيا    «القابضة للصناعات الكيماوية» تحقق 8.6 مليار جنيه صادرات خلال 2024-2025    النجم التركي كان أورجانجي أوغلو: أتطلع لزيارة الجمهور في منازلهم بمصر    محمد عبده يقبل يد المايسترو هاني فرحات : "ونكيد العوازل بقي "    نائب الرئيس الأمريكى: نأمل أن تمضى خطة ترامب قدما وأن يتحقق السلام فى غزة    الرقابة المالية تمد وقف تلقي طلبات التأسيس لنشاطي التمويل الاستهلاكي ومتناهي الصغر بالطرق التقليدية لمدة عام    مصر تستضيف مؤتمر تسليم وتسلم قيادة افريكسم بنك    حملات مُكبرة لإزالة التعديات وأعمال البناء المخالف بأحياء الإسكندرية    «الرعاية الصحية» : تقنية حديثة لعلاج دوالي الساقين دون جراحة بمستشفى السلام التخصصي ببورسعيد    وزير الإسكان: تخصيص 408 قطع أراضٍ للمواطنين بمنطقة الرابية    البترول: مصر تُصدر 150 ألف متر مكعب من الغاز المسال إلى تركيا لصالح توتال إنيرجيز    تراجع ظاهرة السحابة السوداء بالشرقية    الأقصر تتحرك لدعم موسم سياحي استثنائي.. لقاء موسع بمشاركة خبراء ومختصين    بيحبوا يكسروا الروتين.. 4 أبراج لا تخشى المخاطرة وتحب انتهاز الفرص    جدول مواقيت الصلاة فى الإسكندرية ومحافظات الجمهورية غداً الخميس 23 أكتوبر 2025    إحالة أوراق سائق للمفتي بعد اتهامه بقتل مزارع وتزعُّم عصابة للإتجار بالمخدرات في القليوبية    «مصر» ضمن المرشحين لجائزة أفضل منتخب إفريقي في 2025    الضربة الجوية والطريق إلى نصر أكتوبر العظيم (2)    نائب وزير الصحة يتفقد جاهزية الخدمات الطبية والطوارئ بميناء رفح البري    الصحة وصندوق مكافحة الإدمان يفتتحان قسما جديدا للحجز الإلزامي بمستشفى إمبابة    خلال 24 ساعة.. ضبط قضايا اتجار في العملات الأجنبية بقيمة ما يزيد على 11 مليون جنيه    مفتي الجمهورية: الله تولى بنفسه منصب الإفتاء وجعله من وظائف النبوة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 22-10-2025 في محافظة الأقصر    نائب ترامب: واشنطن تعمل على ضمان ألا تشكل حماس تهديدا مرة أخرى    دبلوماسي روسي سابق: النزاع مع أوكرانيا قائم على خلافات جوهرية    منتخب مصر للسيدات يختتم استعداداته لمواجهة غانا في تصفيات أمم إفريقيا    موعد مباراة بايرن ميونخ وكلوب بروج فى دوري الأبطال والقنوات الناقلة    منال عوض: نسعى لحل مشاكل المواطنين والتواجد المستمر على أرض الواقع    حكم القيام بإثبات الحضور للزميل الغائب عن العمل.. الإفتاء تجيب    حين يتأخر الجواب: لماذا لا يُستجاب الدعاء أحيانًا؟    سماء الفرج    موعد شهر رمضان المبارك 1447 هجريًا والأيام المتبقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نفرتاري.. أن يحبك زوجك
نشر في البوابة يوم 22 - 02 - 2016


■ من فيض المحبة
- هو: منذ أن قلت لى: «اقعد». وأنا لم أبرح مقامى.
- هى: منذ أن رأيت عينيك وأنا مسافرة.
وأبحرت الباخرة...
■ هل نلت يومًا مكافأة أثمن مما بذلت من جهد؟ هل تمنيت فى قيظ صيف ظل شجرة، فإذا الفردوس مفتوح بابه لك؟ عادة ما تعطينا الحياة أقل مما نتمنى، وفى الغالب ندفع الضرائب مقدما.. لكن بمجرد أن اقتربت الباخرة من مرسى أبى سمبل حتى تحققت لى آية «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها».
فى مرسى أبوسمبل لم يكن هناك طمى أيضا ولم تكن هناك خضرة كما حلمت، لكن عرق الإنسان كان غزيرًا فأنبت زهورا ونباتات للزينة، تلقى بظلها الرهيف على الأسوار الحجرية وتزين بألوانها البيضاء والحمراء والبنفسجية كالح الصخر.
الطريق للمعبدين طويل نسبيًا، يحتاج لبذل بعض من الجهد، كأنه رياضة روحية، استحضار للهمة فى نفوسنا، استدعاء لكل الخبيئة الطيبة، لكل الأشياء الأزلية، لتصديق واليقين للعهد الأول.. للهدف الأسمى «إنى جاعل فى الأرض خليفة»، ولأنه طريق جبلى فهو ينحدر فى بعض المسافات فتسلم نفسك لجاذبية تساعدك على الهبوط، لكن ما يجعل الموقف غامضًا وساحرًا أنك رغم الهبوط تستطيع أن تفرد جناحيك وتطير.
ذهبت أبحث عن ملك وتاريخ فوجدت الحب، وكانت الملكة نفرتارى هى مرشدتى.. نفرتارى: «الأميرة الوراثية، الزوجة الملكية الكبرى، سيدة الأرضيين، ربة مصر العليا والسفلى، المحبوبة التى لا مثيل لها»، «جميلة جميلات الدنيا»، نجمة الصباح، مليحة الوجه، الوسيمة ذات الريشتين، أحلاهم، أو ما حوره التعبير الشعبى فأصبح «حلاوتهم». تعد أسماءها وصفاتها لكن الاسم يترجم فى روحى ويتكون معادله اللفظى من عبارة واحدة نفرتارى: أن يحبك زوجك..
أن يقع أحدهم حتى لو كان أميرا أو ملكا فى حب إحداهن فليس بالأمر المدهش: فى حكايات البنات أحب الأمير سندريلا، وفى القرن العشرين تنازل «دوق وندسر» عن عرش إنجلترا كى يتزوج بالسيدة المطلقة «واليس سمبسون»، ولكن الحقيقى والعميق هو أن يستمر الحب وتزداد الوشائج بالقرب وطول العشرة.. فيصير الحب طاقة كونية لا تفنى ولا تتبدد، يصبح سنة وعبادة فيقول النبى محمد عن زوجته عائشة «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء» ويقول لابنته فاطمة «أى بنية ألست تحبين ما أحب؟» قالت بلى أجاب «فأحبى هذه»، وأشار لعائشة.
ولسنوات العمر التى مضت كان تاج محل فى الهند هو عندى الرمز لعبارة «أن يحبك زوجك»، المقبرة التى بناها الملك شاه جهان لزوجته الراحلة ممتاز لتكون سلوى له، على عتباته البيضاء يسكب عبراته منشدًا كلماته العاشقة:
هل يجب على المذنب أن يلجأ إلى هنا.
مثل المعفو عنه، أصبح خاليًا من الخطيئة.
هل يجب على الآثم أن يشق طريقة لهذا القصر.
جميع خطاياه السابقة تم التخلص منها بعيداً.
مرأى هذا القصر خلِق تناهيد الأسى.
والشمس والقمر تذرف الدموع من عيونهم.
لم أكن أعرف أن إطلالة واحدة على المعبد الصغير من معبدى أبوسمبل ستجعلنى أغير قناعتى.. فتاج محل ضريح لحبيبة متوفاة.. ولذكريات الحب وهج وتحنان، تدفع المحب لتخليد محبوبه.. لكن معبد نفرتارى كان معبدًا لمحبوبة يرفعها الملك الإله إلى جواره فى عالم الآلهة.
على بعد أمتار من معبده الكبير، المعبد الأسطورى بتماثيله الأربعة الضخمة الفخمة، يقع إلى الشمال معبد نفرتارى المخصص للملكة وللإله حتحور.. هل فعلها ملك من قبل وكرس معبدًا لزوجته؟، يقول المؤرخون نعم. إخناتون كان القدوة وخلد نفرتيتى، هل قلده رمسيس؟ لا أظن. فرمسيس لم يكن يحب إخناتون أبدًا، لكن الحب طريقته واحدة ويجمع كل الأشتات.
المعبد المنحوت كليا فى الصخر، هو نسخة مبسطة للمعبدالكبير. واجهته مزينة بمجموعتين من التماثيل وتفصل بينهما البوابة الكبيرة. التماثيل مرتفعة لكنها ليست ضخمة، للملك ستة تماثيل وللمحبوبة تمثالان.. هل كنت أطمع فى المساواة؟ سأكتفى بأنه للمرة الأولى فى الفن المصرى يكون تمثالا الملك والملكة متساويين فى الحجم، يقول مرشد رحلتنا: التقليدى أن تكون تماثيل الملكات واقفة بجانب الملك ولكن لم تكن أطول من قامة ركبتيه. ويشهد هذا الاستثناء لقاعدة منذ وقت طويل، على الأهمية الخاصة التى كانت لنفرتارى عند رمسيس، الذى ذهب إلى أبوسمبل مع زوجته المحبوبة فى السنة ال24 من حكمه.
يبهرنى المعبد الصغير برسوماته الرقيقة للملكة والربة إيزيس والربة حتحور وزهور اللوتس والقرابين. من قال: كل ما لا يؤنث لا يعوّل عليه؟ لا مفر من الخروج، لكنى أتسمر أمام تمثال نفرتارى الموجود فى المجموعة اليمنى من الواجهة، أجمل التماثيل، أرقها، أكثرها انسيابية، تظهر فيه الملكة وهى ترتدى فستانًا طويلًا شفافًا، وتمسك فى يديها أداة الصلصلة، وتضع على رأسها التاج الحتحورى المميز الذى يتكون من الريشتين وبينهما قرص الشمس.
تركت المعبدين على وعد بلقاء فى المساء حيث عرض الصوت والضوء.. وعدت كان الطريق واحدًا، لكن شمس الظهيرة الحارقة كانت تلملم أشعتها وتنشر فى الأفق غروبًا نادرًا ما يتاح لنا أن نراه فى تلوث القاهرة.. كانت الشمس قوية واضحة صريحة فى إعلانها للرحيل كملكة تودع رعيتها، لم يكن الرحيل مباغتا كان طقوسيا، متأنيا كحكمة تكسبها التجارب لنا، كشعيرات بيضاء نتتبعها فى مفرقنا ونحن لا ندرى هل نحزن أم نفرح، كانت الشمس تعزف لحنها ولم يكن على غير أن أتطلع للأفق كى أتلقى وحيها، وبعد أن غابت.. حل الصمت صنو الليل وما كان فى انتظارى كان ترجمة لمعنى النفحات الربانية، تضاعفت حسناتى وارتقت إلى مقام «الله يضاعف لمن يشاء» .
الموسيقى المهيبة فى افتتاحية العرض تبعث الرهبة فى النفس ثم تنساب وكأنها تحاكى سريان الزمن وتسابق الأيام فترق وتعلى من نبرة الشجن والحنين لذكريات لن تعود ومع نقرات متسارعة تحليك لتشكيل حركى فى رقصة باليه تتخيلها تدور الرمال التى كانت تغطى هذين المعبدين، تهدأ الرمال لكنها لا تسكن، يلاحقها صوت عميق راسخ للفنان حمدى غيث مجسدًا أبدية الريح نافث السحر فى الأزمان.
الشاهد على التاريخ وعلى معابد أبوسمبل تستمر الموسيقى ناعمة رقراقة، كقارب مبحر فى نهر الخلود، كحلم أبدى. تستفيق الريح على مخاوف غرق المعبدين واستجابة كل البشر ممثلين فى منظمة اليونسكو لإنقاذهما. على دقات الطبول تتسارع الأنفاس ويزداد إيقاع الموسيقى لاهثا، متجاوزا تدفق الماء الكاسر، رافعا المعبدين من وهدة الغرق لبر الأمان.. بعد الجهد تأتينا الريح لتحكى لنا قصة رمسيس الثانى أعظم الملوك وزوجته الأولى جميلة الجميلات، صاحبة الجلالة الملكية، أحلى قريناته، من كانت الشمس تتألق لمرآها.
يخاطبها الملك: حبيبتى نفرتارى، ليس فى الدنيا شيء يقارن عبيره بعبير بشرتك الرقيقة.
يتغزل، يبتهل، يتعبد: نفرتارى حبيبتى، نفرتارى الحسناء بين الحسان، سيدة كل البلاد.. عنقك ما أطوله، صدرك مشرق، شعرك من اللازورد، وملمس جلدك شاف. أريد أن يكون قراننا أبديا.. هل انتهت الموسيقى؟ هل امتدت؟ هل ما زلت أستمع، هل ما زال الضوء يرسم لوحاته وأزمنته؟، انتصاراته وانكساراته؟ مجده وحزنه.. لست أدرى.. فقط باغتنى الصمت.. صمت مهيب، جليل، بهي، وطاف بى السحر فوق البحيرة الخالدة، وما زلت هناك ولم أعد بعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.