كشف الصراع الواضح الآن بين كل من إيران وأذرعها فى المنطقة من ناحية، ودول الخليج العربي بقيادة السعودية من ناحية أخرى، جانبًا من أسباب الحديث المتكرر عن خطورة إيران على الأمن القومى المصرى، لكن تبقى الإجابة عن السؤال الأهم فى هذا الصدد منقوصة، السؤال هو: إلى أى مدى تمثل إيران ومذهبها الشيعى عدوًا لمصر، وهل من المنطق أن تكون لمصر علاقات دبلوماسية مع إسرائيل التى تحتل جزءًا من الأراضى العربية ولا تكون لها علاقات مماثلة مع إيران التى تفصلها عنها عدة بلدان؟ يبدو السؤال منطقيا للوهلة الأولى، لكن المدقق فى أسباب وخلفيات الصراع بين مصر وإيران يعرف أنه يتجاوز قطع العلاقات بين البلدين إثر قيام ثورة 1979 وإعلان الدولة الإسلامية الشيعية واستضافة مصر للشاه رضا بهلوى، آخر حاكم لإيران قبل الثورة، ويدرك أن عودة العلاقات بين بلدين بهذا الحجم أكبر من محاولات الرئيس الإخوانى، محمد مرسى، الذى ذهب بنفسه إلى العاصمة الإيرانيةطهران. الصراع بين البلدين له أبعاد تاريخية ممتدة عبر الزمن، فكل من مصر وإيران تمثلان مركزى ثقل فى إقليم الشرق الأوسط وكثيرًا ما جاء تمدد نفوذ أى منهما الإقليمى على حساب الطرف الآخر، ومع تطور وسائل الحروب لم يعد الأمر مقصورا على الغزو العسكرى أو التهديد المباشر به، وإنما أصبح هناك ما يسمى بالغزو الناعم من خلال اختراق الجبهة الداخلية للعدو وتكوين مجموعات موالية بين صفوفه تسمى عسكريًا «الطابور الخامس». لم تتوقف يوما - وربما لن تتوقف أبدا - محاولات نظام الملالى فى إيران بث الفتنة، وإثارة النعرات الطائفية فى مختلف أركان الوطن العربى، لكن من بين الحقائق المهمة فى هذا الملف، أن أهمية الدول العربية، «سنية المذهب» لدى إيران ليست متساوية. يعتبر الملالى مصر أكبر وأهم وأخطر أعدائهم على الإطلاق، ليس لأن ألاعيب هذا النظام الداعم للإرهاب والفتن، لم تمكنه من اختراق المجتمع المصرى بالقدر المؤثر الذى يرضى المرشد الأعلى، محرك الفتن فى العالم، وإنما أيضًا لأن مصر تملك من الإمكانات البشرية والثقافية والدينية، والعسكرية أيضًا، ما يمكنها من هدم المعبد على رأس نظام الملالى وأتباعه فى الداخل والخارج على السواء. فى السطور التالية نتتبع المحاولات المتتالية لإيران، لاختراق المجتمع المصرى، ونكشف أسرار محاولاتها لاستقطاب بعض العناصر من المصريين، لكن هذه المرة على ألسنة من تعرضوا لتلك المحاولة، ولكى يكون ما ننشره فى هذا الصدد موثقًا، تركناهم يحكون تجربتهم، ولم نتدخل إلا فى أضيق نطاق ليصبح الحديث صالحًا للنشر. 25 يناير تهدم المقاطعة مثلت ثورة 25 يناير، وما تبعها من انهيار نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، أحد ألد أعداء إيران، مدخلًا منطقيًا لهدم حصون المقاطعة المفروضة على نظام الملالى، الذى أطلق خلاياه الناعمة لتروج لفكره فى مصر، أن نجاح الثورة يقتضى هدم كل ما كان يتمسك به نظام مبارك، وسمعنا بالتالى فى وسائل الإعلام سؤالًا: كيف تكون علاقتنا مع إيران مقطوعة، ونحن على علاقة بإسرائيل؟ وهل إيران أشد خطرًا علينا من اليهود؟ كما حاول أنصار هذه الفكرة الترويج أيضا إلى أهمية استعادة العلاقات مع الدولة الفارسية، باعتبار أنها يمكن أن تساند مصر فى محنتها التى تولدت مع انهيار الأوضاع خلال ثورة يناير، محاولين التشويش على المعلومات التى بدأت تتكشف حول دور حزب الله فى إثارة الفوضى واقتحام السجون، وفى الوقت الذى شهد تمسكًا من الشعب المصرى بعدم استعادة العلاقات مع هذه الدولة، انطلق البعض فى زيارات متتالية لطهران، مستغلين انشغال المجلس العسكرى بالشئون الداخلية وعدم تعليقه على ما يدور فى هذا الشأن. قادت جماعة الإخوان الإرهابية فى أعقاب 25 يناير معسكر المروجين لعودة العلاقات بين مصر وإيران، ممثلة بذلك رأس حربة للمحور الإيرانى والذى ضم كلًا من حزب الله اللبنانى وحركة حماس الفلسطينية برعاية من قطر، وما أن وصلت جماعة الإخوان إلى الحكم فى مصر حتى بدأت فى كشف حقيقة موقفها الموالى لإيران، لكن الصورة لم تكن واضحة والمواقف لم تكن محسومة داخل جماعة الإخوان نفسها وهو ما انعكس فى طبيعة المواقف آنذاك. فى إبريل 2013 خرج علينا د. عصام العريان بتصريح أكد فيه أن إيران لا تسعى إلا لحماية رعاياها، وأن المد الشيعى ما هو إلا خداع وأوهام غير حقيقية، وأصر على أن إيران لم تنجح قط فى تغيير معتقد أى دولة سنية، أو نشر وتصدير مذهبها الشيعى، والحقيقة أن تصريحات زعيم الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم وقتها لم يكن من الممكن أن تمر مرور الكرام، خصوصا أنها فسرت الكثير من القرارات والمتغيرات التى حدثت وقتها. العجيب أن كلام الدكتور العريان والخطوات التطبيعية الواضحة التى اتخذها النظام الإخوانى تجاه دولة فارس لم تكن تمثل فقط مخالفة واضحة للآراء والتصريحات والوعود التى قطعوها أثناء الانتخابات، ولكنها أيضا كانت تخالف واقعًا ظاهرًا كالشمس لكل متابع للسياسة الإيرانية التوسعية، التى لا تنفصل بحال من الأحوال عن التوجه العقدى الذى بدأ بعد تمكن الثورة الخمينية، وقرار التصدير الأيديولوجى الذى تم تفعيله بوضوح فى دول الجوار الخليجية والشام وبعض دول المغرب العربى، وحتى بعض دول إفريقيا وأقاصى آسيا. محاولة اختراق العقل المصري تصريحات العريان سبقها قرار رسمى بالسماح للسياح الإيرانيين بدخول مصر، وفى المقابل تمت عملية واسعة لخلق قطاعات واسعة من المؤيدين لإيران بين شرائح النخبة المصرية فى الإعلام والسياسة ومراكز الأبحاث وغيرها من الجهات التى تمثل عقل مصر. كان أول الوفود التى حجت إلى إيران، أكثرها إثارة للصدمة، بسبب العدد الضخم الذى ضمه هذا الوفد من الشخصيات العامة، مطلقين عليه اسم «الوفد الشعبي»، فى محاولة للتحايل والتضليل، ضم هذا الوفد 45 من الشخصيات العامة والسياحية والثقافية ورجال الأزهر، وكان من بينهم المستشار محمود الخضيرى، نائب رئيس محكمة النقض الأسبق، والدكتور جمال زهران، عضو مجلس الشعب الأسبق، والفنان عبدالعزيز مخيون، والدكتور إبراهيم الزعفرانى أمين لجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب، ومؤسس حزب النهضة، وزوجته الدكتورة جيهان الحلفاوى، مرشحة جماعة الإخوان فى انتخابات مجلس الشعب 2005، والسفير أحمد المغراوى، رئيس جمعية الصداقة المصرية الإيرانية، والشيخ جمال قطب وعصام سلطان القيادى بحزب الوسط والإعلامى وائل الإبراشى. كان من سوء حظ هذا الوفد، والذى أثار سخطًا عامًا ضده، هو وجود جاسوس إيرانى رحلته مصر، على ذات الطائرة، وهو أصلًا أحد أعضاء البعثة الدبلوماسية الإيرانية فى القاهرة، وهو ما أطلق العنان أمام موجة من النقد اللاذع تجاه هذا الوفد، بسبب قبولهم السفر على طائرة تقل جاسوسا ضد بلدهم، ورغم اللغط الذى صاحب هذه الرحلة، لم تتوقف الرحلات إلى إيران حتى الآن، خاصة من الإعلاميين. أشهر منظمي الرحالات يقول الدكتور علاء السعيد، الخبير فى الشأن الإيرانى وعضو ائتلاف آل البيت: بدأ السفر إلى إيران بعد ثورة 25 يناير، حيث تم تنظيم رحلات شهرية، وأسبوعية، لزيارة إيران، بواقع من 15 إلى 20 شخصًا فى الرحلة الواحدة، حتى لا يتم جذب الانتباه إليهم إذا سافر عدد كبير فى رحلة واحدة، وبدأت الرحلات بزيارة بعض الإعلاميين المصريين، وشخصيات حزبية وسياسية، إلى طهران، تحت زعم التعرف على إيران. وكشف السعيد عن أسماء أشهر منظمى رحلات زيارة بلاد الملالى، ومنهم أحمد صبح، عضو الجماعة الإسلامية سابقًا، وممن خرجوا من السجن عقب ثورة يناير، وهو المسئول عن اختيار العناصر وتسفيرها بالإسكندرية، تحديدًا فى العصافرة، كما أنه تخصص فى تشييع البسطاء من العمال والفلاحين، وإعدادهم للسفر مقابل 500 دولار لجواز السفر الذى يقبل صاحبة خوض غمار الرحلة، ونجح هذا الشخص، فى تنظيم ما يقرب من 13 رحلة، ضمت الأقارب والجيران، والمعارف، واحتوت الرحلة الواحدة على 20 شخصًا تقريبًا. وتطرق «السعيد» إلى ثانى أشهر منظمى الرحلات إلى إيران، والمختص بتسفير رجال الدين، وعلى رأسهم مقرئى القرآن، وأصحاب الزى الأزهرى، ونجح فى تنظيم 5 رحلات على الأقل منذ 2011، أما الثالث والذي مازال يمارس نشاطه حتى الآن، تحت مظلة جمعية يطلق عليها «الصداقة المصرية الإيرانية»، وتعتمد عليه إيران فى تنظيم الرحلات التى تضم أسماء كبيرة من السياسيين والإعلاميين. وأوضح السعيد أن كل من سافر ضمن هذه الرحلات تحول إلى مصدر يمكن من خلاله تنظيم رحلات جديدة، وهو ما تحقق بالفعل مع عدد كبير ممن سافروا إلى إيران ضمن هذه الرحلات، حيث خضع عدد منهم إلى مختلف وسائل التجنيد. وقال السعيد إن من أهم المعلومات التى كشفتها له مصادر إيرانية، معارضة، وتؤكد أن هذه الرحلات مشبوهة، هو أن من يرتب لها، ويختار الأسماء المقبول إرسال دعوات الحضور لها، بعد التقارير التى يتلقاها فى هذا الشأن، هو على أكبر محتشمى، وهو سفير إيران السابق لدى سوريا، ومؤسس حزب الله اللبنانى، ووزير الداخلية فى إيران، ويعتبر محتشمى كل زيارة لوفد عربى إلى إيران فرصة لتجنيد عدد منهم، خاصة إذا كانوا إعلاميين وصحفيين. خطورة هذه الرحلات تتمثل فى أنها محاولات لإظهار تضامن هؤلاء المصريين مع إيران، واستقطاب الإعلاميين من خلال كسب ودهم وتعاطفهم، كما أنها تشهد محاولات لتجنيد بعضهم حتى يكونوا بوقًا لإيران بعد العودة، مضيفا أن الخطورة تكمن فى أن البعض يعود بالمذهب الشيعى، لكنهم لا يعلنون عن ذلك على الملأ. القصة الكاملة صدّيق محمد العيسوى، هو صحفى بإحدى الصحف المصرية، يعرفه الإيرانيون جيدًا، بعد تجربة له زار خلالها طهران، وقم، ومشهد، أكبر المدن الإيرانية، وأهمها على الإطلاق، ولا تعود هذه المعرفة لمجرد أنه زار هذه المدن، ولا حتى لزيارته لجامعة المصطفى، التى تعد أهم جامعات إيران من حيث استقبال الدارسين العرب، وإنما مرد هذه المعرفة هو موقف تعرض له العيسوى، عقب عودته إلى مصر، ويرويه قائلا: «بعد العودة نشرت تعليقًا على صفحتى على فيسبوك تناولت فيه بعض أحداث الرحلة، مبديًا عدم الرضا، ففوجئت فى اليوم التالى، باتصال دولى من سيدة تدعى حميدة، أخبرتنى أنها من مكتب خامنئى، تستفسر عن أسباب عدم الرضا التى كانت واضحة فى كلماتى، وسألتنى مباشرة وبلغة عربية سليمة، ما الذى أغضبك منا خلال الرحلة؟! وطلبت منى الحديث عن الإيجابيات التى شاهدتها هناك». أما قصة الرحلة كاملة، فيرويها العيسوى قائلا: «أخبرنى صحفى بوجود فرصة لزيارة ترفيهية إلى دولة إيران، وطالبنى بالاستعداد للسفر خلال أسبوعين، إذا كنت موافقًا، كما طلب منى أن أرسل له جواز السفر الخاص بى، وأيضًا من أريد من مرافقين، لإنهاء الإجراءات لهم وهو ما تم بسرعة». وفى المطار، صباح اليوم التالى، فوجئنا بأن الطائرة التى تقلنا، تضم 9 صحفيين آخرين، لم نكن على علم بأنهم سيكونون رفقاء لنا على متن الرحلة ذاتها، وكانت أولى محطات النزول، هى فترة ترانزيت فى مطار أبوظبى، ومنها طرنا إلى إيران. فور وصولنا إلى طهران، فى فجر اليوم التالى، كان فى انتظارنا رجل يدعى موسوى، وعلمنا بعد ذلك أنه موظف فى جامعة المصطفى العالمية، وأن رحلاتنا تأتى بدعوة منها، للمشاركة فيما أطلقت عليه الجامعة: (دورة مصر11 الخاصة برجال وسائل الإعلام)، وتم تسليمنا جدولا بتفاصيل محاضراتنا داخل الجامعة طوال مدة الرحلة، وعمرها أسبوعان، وكان موسوى يتحدث العربية بطلاقة، واصطحبنا إلى سيارة تشبه سيارات النقل الجماعى، والتى حطت بنا فى المدينة المقدسة «قم»، كما أخبرنا موسوى. وواصل العيسوي: عقب وصولنا فندق الإقامة استقبلنا ثلاثة، هم الشيخ حسن وأبو محمد، وكريم، عرفنا بعد ذلك أنهم المسئولون عنا، خلال تلك الزيارة». وتابع صدّيق: «جامعة المصطفى بسيطة المظهر، وتشبه المعاهد الأزهرية فى مصر، إلا أنها واحدة من أهم الجامعات الإيرانية، لدورها الكبير فى نشر التشيع عبر إقناع الدارسين العرب الذين يزورونها بالمذهب الشيعى، وهى المنوط بها تنظيم الدورات الخاصة باستقطاب عناصر جديدة لضمها إلى المعسكر الإيرانى، لما تتميز به من قوة المحاضرين بها. ودخلنا إلى قاعة اجتماعات، بقينا بها 20 دقيقة، تقريبا، بعدها دخل إلينا شيخ إيرانى يرتدى زيا يشبه زى رجال الأزهر، لكن عمامته سوداء، يرافقه شيخ آخر أبيض البشرة يرتدى الزى نفسه، وإنما بعمامة بيضاء». وواصل صدّيق: «ما إن جلس الشيخان، وتعارفنا حتى بدأ ذو العمامة السوداء، الذى عرفنا بنفسه باسم (إخوان)، يكيل السباب والهجوم للسعودية، بسبب الفكر الوهابى، وسار على دربه الشيخ الآخر، ويدعى فضيل الجزائرى، ولم تسلم منهما باقى دول الخليج، حتى شعرنا أننا أمام محاضرة فى سباب السعودية، والخليج، كما هاجما الأزهر، لما وصفاه بسكوته عما يدور فى الوطن العربى، من فساد أخلاقى ودينى». وفى المقابل دافعوا عن بشار الأسد، وحزب الله، وحركة حماس، بدعوى أنهم المدافعون عن الإسلام، وأنهم الوحيدون المبقون على العداء المعلن لقوى الاستكبار العالمى، كما يسمونها، ويقصدون، أمريكا وإسرائيل، كما انتقد فضيل الجزائرى، تأثير الممثلين والراقصات على الشعوب العربية، وذكر تحديدا الشعب المصرى قائلا: «عادل إمام تأثيره على المصريين، أكبر من شيخ الأزهر نفسه». وتابع العيسوي: «قضينا 8 أيام على التوالى، داخل جامعة المصطفى بمدينة قم المقدسة، نتلقى فيها محاضرات مكثفة منذ التاسعة صباحا وحتى التاسعة مساء، تتخللها ساعتان أو ثلاث للراحة، وساعتان لإجراء مقابلات مع شخصيات دينية بالدولة، يبدو فى مظهرها التسامح والود، وجميعهم يتحدثون اللغة العربية بجوار اللغة الفارسية. وتركزت المحاضرات على مهاجمة الفكر الوهابى، بالإضافة إلى نقدهم الواضح والصريح لحكم آل سعود بالمملكة العربية السعودية، مما بدا معه بوضوح أنهم يكرهون المملكة بشدة، وتخلل المحاضرات، هجوم على بعض حكام الخليج، والدول العربية، التى يصفونها بالمهادنة لأمريكا وإسرائيل. وبعد انتهاء المحاضرات اليومية، اصطحبنا موسوى إلى بعض المساجد الكبرى التى تضم عددًا من الأضرحة المقدسة للشيعة فى قم، وذهبنا إلى ما يسمى مسجد السيدة المعصومة، وعدد آخر من المساجد، لكن ما رأيته فى مسجد المعصومة لم أره فى حياتى». وواصل العيسوي: «اصطحبنا مرافقنا موسوى لزيارة مسجد المعصومة، وهو أحد الأماكن التى يحج إليها الإيرانيون، وهو مسجد بالغ الضخامة، ومساحته هائلة، وتم ترصيع بعض زخارفه بالذهب، ويلتف حول قبر المعصومة، المئات يوميا، للبكاء والنحيب وتقبيل كل شيء بالضريح. كما تم تنظيم لقاءات فكرية لنا، مع عدد من علماء ومرجعيات الشيعة، أمثال آية الله الدكتور السيد محمد القزوينى، رئيس قناة الولاية العالمية، والدكتور محمد حسن زمانى، معاون الشئون الدولية للحوزات العلمية بإيران، وشيخ لبنانى شيعى يعمل مستشارا لأحد المراجع الدينية المعروفة». وشهد اليومان الأخيران لنا فى قم مفاجآت عدة، أولها أننا علمنا من الشيخ حسن سبب رفضهم لإنهاء الدورة وقتما أردنا، وهو أننا مراقبون، ورحلتنا يتم التنسيق بشأنها مع الرجل الأول المسئول عن رحلات الأجانب، وبالذات العرب إلى طهران، وهو على أكبر محتشمى، سفير إيران السابق لدى سوريا والمؤسس الأول لحزب الله فى لبنان، ومهندس الحركات المسلحة والتنظيمات السياسية ومسئول الملف الفلسطينى، وأحد أهم رجال المرشد على خامنئى، وعلمنا أن من يسافر إلى إيران لا يكون اختياره عشوائيا، فهم يقدمون الدعوة لمن يعتقدون أنه لم يحصل على فرصته فى بلده، وعندما ينجح فى الاختبار الأول، وهو تحمل السب واللعن فى وطنه، ويتم إغداق الهدايا والهبات المالية عليه، ودعمه وتمويله بعد أن يعود إلى بلده، ليصبح أحد رجالهم فيها. وفى هذه الحالة يخضع هذا الشخص لإشراف مكتب رعاية المصالح الإيرانية فى بلده، من خلال لجنة مكونة من السفير أو القائم بالأعمال، ومدير مكتب المخابرات بهذه السفارة، وممثل المرشد الأعلى، وجميعهم تحت إشراف مباشر من محتشمى. وبالرغم من أن مدينة قم تبدو مقدسة إلا أن الفساد يملأ أركانها، هذا ما يؤكده صدّيق إذ يواصل روايته قائلا: «تعرفت على أحد الموظفين بالفندق يتحدث العربية بصعوبة، ولما علم منى بحالة الملل التى أصابتنى ورفاقى، اصطحبنى إلى مكان يشبه المقاهى فى مصر، لكنه مقام تحت الأرض، يدخنون فيه الشيشة، وفوجئت به يعرض على الحشيش، المعروف فى مصر، وكذلك الترياك، وهو المخدر الأرخص والمتاح ويشبه الأفيون». فى نهاية الرحلة ودعنا مدينة قم، بعد أن زرنا ضريح الخمينى مرشد الثورة الإيرانية، وشاهدنا كيف يقدس الإيرانيون هذا الرجل، وينزلونه منزلة الأنبياء والرسل، وزرنا بيته المتواضع، وبعده قصر شاه إيران، المتواضع أيضا، أما فى طهران فنزلنا بفندق فخم بقلب العاصمة، وقضينا أجمل يومين فى الرحلة، بين الفتيات رائعات الجمال، إذ إن كل شيء فى طهران مباح، فالدعارة مباحة. لعل من بين الحقائق المثيرة فى هذا الملف أن معظم- إن لم يكن جميع- من تحدثنا معهم فى هذا الشأن ممن زاروا إيران رووا لنا التفاصيل ذاتها التى حكاها الصحفى صدّيق العيسوى، وهو ما تكرر أيضا مع بطل القصة التالية. تفاصيل رحلة ال70 مقرئا الشيخ محمود القلينى، وهو واحد من أشهر مقرئى القرآن الكريم فى محافظة الشرقية، وهو بطل الرواية الثانية، وفيها يروى تفاصيل تلقيه دعوى من مسئول تنظيم الرحلات لرجال الدين، الأزهريين، وهو تاج الدين، قائلا: «تلقيت منه الدعوة، لكنى أتممت الإجراءات للسفر إلى قطر، ومنها إلى إيران، وما أقنعنى بالموافقة، هو أن تاج الدين أخبرنى أن هدف الرحلة هو إحياء ليال قرآنية فى رمضان هناك». وأضاف القليني: «عند الوصول إلى قطر بدأت إجراءات السفر لطهران، وفى الترانزيت انتظارا للطائرة المسافرة لطهران، وزع علينا منظم الرحلة، كتيبا عن أدبيات الإيرانيين، وطرق التعامل معهم، والفروق بين الألقاب الخاصة بهم، مثل الملا وآية الله وغيرها». وتابع: «حذرنا مرافقنا من أنه يتعين علينا عدم ذكر الصحابة، أو الدخول مع الإيرانيين فى أى خلاف عقائدى، لكونهم من ذوى الطباع الحادة، الذين لا يقبلون الخلاف، وحتى يمكننا الفوز بالمكافأة المالية المقررة للرحلة، وهى 3 آلاف دولار لكل فرد، حيث علمت فى قطر أن عدد المسافرين يبلغ 70 شيخا». وواصل روايته: «بدأت ليالينا ونحن نمنى أنفسنا بأن نكون سفراء فوق العادة لمقرئى القرآن، إلا أن هذا الأمل لم يتحقق، وضاعت ليالى القرآن، بعد مرور ثلاثة أيام، لم يظهر خلالها أى بادرة لإقامة ما حضرنا لأجله، وعندما لاحظت إصرارهم الشديد على ألا نتحرك إلا مرتدين الزى الأزهرى، علمت أننا وقعنا ضحايا فخ أرادوا خلاله إقناع شعبهم بأن هناك تطبيعا بينهم وبين الأزهر أهم مؤسسة دينية سنية فى العالم». وأضاف الشيخ الأزهري: «من المشاهدات العجيبة لى خلال زيارتى لإيران، أنهم يصلون على أحجار وفرادى، ودون التزام بالقبلة، ولا يصلون مع أهل السنة، أما الأكثر إثارة للدهشة فهو عدم صومهم خلال شهر رمضان، بزعم أن الصوم فرض على الرسول وأصحابه يوم كانوا قادرين عليه، أما هم فغير قادرين على الصوم، كم أنهم يعتقدون أن الخمينى واحد من الصحابة». وتابع: «الموقف الذى أثار غضبى بشدة، هو ما شاهدته خلال جولة أجريناها لأشهر ميادين طهران، حيث رأيت حائطا معلقا عليه صورة يزعمون أنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مدعين أن أحدهم رآه فى منامه، فرسمه». وعن نهاية هذه الرحلة يقول القليني: «بالإضافة لحالة الغضب التى انتابتنى بسبب واقعة صورة الرسول، شعرت بالاستياء أيضا من استهزائهم بالرئيس الأسبق مبارك، ووضع صور له بميادينهم على هيئة رجل تدوسه الأقدام والدبابات، وهو ما شعرت معه بالغيرة لكون الأمر مصريا خالصا ما كان يجب أن يتدخلوا فيه». وأضاف القليني: «من خلال مراقبتهم لنا علموا بأسماء من أصابتهم هذه المشاهدات المستفزة بالغضب، فقرروا استبعاد 60 وأنا منهم، وكانت النهاية المأساوية ماليا، هى منحنا نصف المبلغ المتفق عليه، وترحيلنا قبل نهاية المدة المحددة سلفا، ولم يتبق سوى 10 فقط، حصل كل منهم على 4 آلاف دولار، وهو ما علمته من أحدهم عقب العودة». الغدر سلوك معتاد ويرى الباحث فى الشأن الإيرانى حامد محمود أن أبعاد الشخصية الإيرانية تبدو واضحة فى ميلها إلى الجذور الفارسية والاستغراق فى تعظيم التاريخ القومى، كما أنها تكن عداء واضحا للعرب، باعتبارهم المسئولين عن انهيار امبراطوريتهم، وهو ما ساهم فى نحت «الشخصية القومية» الإيرانية، الطامحة فى إعادة مجد كسرى، الذى انهار على يد العرب. وأشار إلى أن اقتناع الإيرانيين بأن العرب المسلمين وراء انهيار مجدهم التاريخى، جعلهم يعيشون عقدة الشعور بالقهر والعجز والمظلومية، التى تحولت بمرور الوقت إلى أيديولوجيا ثورية، تفكر بعقلية الأقلية، وتسعى جاهدة لتصدير نتاجها الفكرى إلى العالم الخارجى. وأضاف: «التعمق فى الشخصية الإيرانية يكشف أنهم يحبون الانعزال، ويعتبرون الغدر والكذب والشك فى الآخرين وسائل مشروعة للدفاع عن النفس»، لافتا إلى المثل الفارسى الذى يقول: «احجب عن العيون ذَهابك وذَهَبَك ومَذهَبَك»، موضحا أنهم يعتبرون هذا المثل نبراسا وقاعدة يعيشون على هديها، مشددا على أن الشخصية الإيرانية متلونة، وتتسم بالدهاء. لافتا إلى أن هذا الأسلوب نجح فى كل الدول التى تعرضت لهذا النوع من التحركات الإيرانية، ومنها الجزائر، التى تعد النموذج الأبرز فى هذا الشأن، وتلاها تشاد ومالى والسودان ولبنان. العنصر الذى يظهر ميله لإيران عقب عودته إلى وطنه يصبح تابعا لهم وبمجرد إعلانه الرضا عن سياسة إيران يتم دعمه ماديا وتقديم عطايا وهدايا له، مشددا على أن هذا النهج تتبعه إيران، منذ عقود طويلة، وحول الغرض الحقيقى من الدعوات التى توجهها إيران لبعض الإعلاميين والصحفيين المصريين، لزيارتها على نفقتها الخاصة. أوضح محمود، أن هذه الدعوات تأتى ضمن محاولات إيران لاختراق المجتمعات التى لا تقيم معها علاقات دبلوماسية طبيعية، وهى تسعى عن طريق هذه الرحلات إلى تحقيق أهداف عدة، أولها إيجاد قوة ناعمة متعاطفة معها داخل هذه الدول، وثانيها تعويض حالة الندرة فى المعلومات التى تعانى منها لغياب البعثات الدبلوماسية التى تستغلها إيران للتجسس على الدول، فضلا عن استقطاب من يثبت ميله لإيران والسعى لتجنيده، بعد أن يخضعوه لمتابعة دقيقة على جميع المستويات، سواء خلال زيارته لهم، أو بعد عودته إلى وطنه، وأشار إلى أن الهدف العام من هذه الزيارات هو إبهار الزوار بإيران من الداخل. حرب استخباراتية وتعليقا على هذه المعلومات، يقول اللواء حمدى بخيت، الخبير الأمنى والاستراتيجى، وعضو مجلس النواب: «إن مصر من أهم مناطق الاهتمام، بحسب استراتيجية الأمن القومى، الإيرانى». وأضاف أن هذا دفع الاستخبارات الإيرانية إلى بذل جهود محمومة لتجنيد المصريين، عبر استغلال القوة الناعمة من الصحفيين والإعلاميين، وذلك فى محاولة منها لتعويض، حالة الندرة فى المعلومات عن الداخل المصري، نتيجة قطع العلاقات معها منذ عقود طويلة. وأوضح أن إيران تسعى بقوة لخلق مجتمع متعاطف معها داخل مصر، لأن السيطرة على مصر تضمن لها ترسيخ السيطرة على المنطقة، مشيرا إلى أن الاستخبارات الإيرانية، يمكن أن تستغل الإعلاميين والصحفيين، فى خلق تلك الحالة من التعاطف، عبر دفع هؤلاء للحديث عن قيم الدولة الإيرانية، ومميزاتها. وفى نفس الوقت، تستخدم هذه الرحلات لتجنيد عملاء لها أو موالين لسياستها، وطالب بضرورة الحذر والنظر لجميع الرحلات التى تطير إلى إيران بعين الريبة، لأن الملالى يخوض حربا استخبارية ضد مصر.