مبان فخمة، واسم رنان، وتواجد قديم، وكيان يتهالك فى حسرة وألم وسرعة رغم أهميته الاقتصادية والسياسية على السواء، الحكاية باختصار عن شركة النصر للاستيراد والتصدير التى تحولت إلى مُسلسل من الهزائم والنكسات. فى كينيا وقبل أيام كان وفد تجارى مصرى قد زار العاصمة نيروبى للمُشاركة فى معرض متخصص فى صناعة الطاقة والمياه والكهرباء يحمل اسم «ويبيكس»، ولاحظ كثير من رجال الأعمال المُشاركين فى الزيارة اتساع حجم الفرص التصديرية للسلع المصرية هُناك. وكان من اللافت ما كشفه مسئولون فى الحكومة الكينية لرجال الأعمال المصريين عن وجود أرض واسعة فى موقع مميز تحت أمر الحكومة المصرية منذ نحو ثلاثين عاما ولم تستغل حتى الآن. وكانت المُفارقة أن تلك الأرض تم تخصيصها من جانب الحكومة الكينية لشركة النصر للاستيراد والتصدير لاستخدامها كمركز تجارى للسلع المصرية، إلا أن شيئا لم يتم. الأزمة طبقًا لمصدر بالسفارة المصرية فى نيروبى ترجع لعدم وجود سيولة مالية لدى الشركة المالكة للأرض لاستغلالها تجاريا. وكان من المقترح أن تستخدم الأرض فى جلب سلع ومنتجات مصرية متنوعة وعرضها للبيع من خلال معرض دائم تشرف عليه الشركة، والتى أعد مسئولون فيها عدة دراسات حول جدوى ذلك، إلا أن الأزمات التى تتعرض لها الشركة تقف عائقًا دون استغلال تلك الأرض مما يهدد بسحبها من جانب الحكومة الكينية. والمثير للدهشة أن أحمد الدجوى، مدير فرع شركة النصر للاستيراد والتصدير، كان قد صرح فى أكتوبر عام 2011 ل«اليوم السابع» بأنه لدى الشركة تصور نهائى لاستخدام تلك الأرض وتحويلها إلى مركز تجارى مصرى ضخم، لعرض جميع البضائع المصرية للشركات ذات السمعة العالمية، خاصة الأثاث المنزلى والأدوات المنزلية والكهربائية. وقال الدجوى أيضا إن افتتاح هذا المركز سيدعم موقف مصر الاقتصادى والسياسى فى كينيا، فضلًا عن تحقيق الربح الاقتصادى الذى سيعود على الشركة. ولا شك أن تدهور أحوال شركة النصر لدرجة عدم قدرتها على استغلال أرض ممنوحة لها منذ عقود يثير غُصة فى القلب، خاصة إذا علمنا الأدوار السياسية والوطنية التى لعبتها الشركة فى الماضى. تاريخ عريق وواقع مأزوم إن حكاية النصر للاستيراد والتصدير تستحق أن تروى، حيث أسسها محمد غانم، أحد ضباط المدفعية سنة 1958 لتصبح واحدة من أهم 600 شركة فى العالم. بدأت الشركة برأسمال 25 ألف جنيه ثم تم رفع رأسمالها إلى مليون جنيه فى أعقاب عمليات التأميم، وصارت تصدر كل شىء من «الإبرة إلى الصاروخ» كما يقولون حتى صارت واحدة من أهم القوى الناعمة لمصر خلال الستينيات والسبعينيات ونصف الثمانينيات من القرن الماضى. وعملت الشركة وفق إشراف فعلى من جهاز المخابرات المصرية لتساهم من خلال فروعها المنتشرة فى دول إفريقيا والبالغة 35 فرعًا فى 38 دولة إفريقية فى حماية الأمن القومى المصرى ووقف تغلغل إسرائيل فى القارة السمراء. ويذكر محمد غانم، مؤسس الشركة، والذى رحل قبل بضعة أعوام فى مذكراته كيف استخدمت فروع الشركة فى عمليات استخباراتية حققت لمصر نجاحا عظيما مثل عملية «الحفار». ويقول الرجل إن «الشركة بدأت بثلاثة فروع تم افتتاحها فى دول غانا وغينيا ونيجيريا، حتى تساند وتثبّت حركات التحرُّر الاستعمارية. وفى كل دولة كانت تحصل على الاستقلال كانت الشركة تؤسس فرعًا جديدًا لنفسها بمنشآت ضخمة تجذب انتباه المواطنين، لدرجة أن هذه المبانى أصبحت بعد فترة من المعالم الرئيسية لعواصم بعض الدول الإفريقية». والواقع أن الإهمال بدأ يزحف إلى الشركة خلال عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك عندما تحولت فروعها إلى منافٍ لبعص المزعجين من موظفى الشركة، ثم تناقص عدد الفروع وتم إغلاق بعضها ليهبط عددها إلى 22 فرعًا فقط، ثُم سعى البعض إلى خصخصتها ضمن ملف الخصخصة لولا تدخل جهات سيادية لوقف بيع فروعها وتصفيتها. وكان من المُحزن أن تهبط أرباح الشركة إلى 30 مليون جنيه فى عام 2011 مما يماثل أرباح أى مشروع صناعى متوسط وليس شركة ضخمة لها فروع فى معظم دول إفريقيا. إن رأسمال الشركة يبلغ حاليًا نحو 85 مليون جنيه موزعًا على 850 ألف سهم بقيمة إسمية للسهم 100 جنيه، ومملوكة بالكامل للشركة القابضة للنقل البحرى والبرى. وتنتشر فروعها فى كل من زامبياوكينيا وتنزانيا وزيمبابوى وأوغندا وفرنسا وساحل العاج ووسط إفريقيا وجمهورية الكونغووالنيجر وبنين وتوجو والسنغال والكاميرون وبوروندى. وتمتلك الشركة العديد من العقارات فى بعض الدول الإفريقية، منها عمارة النصر فى ساحل العاج والتى ترتفع 16 طابقًا، وتضم 50 شقة وخمس فيلات ومكاتب تجارية، وعمارة النصر فى نيامى بالنيجر ترتفع 11 طابقًا وتعتبر أعلى مبنى فى عاصمة النيجر، ومبنى بنك أكزيم فى دار السلام بتنزانيا، وهو عبارة عن مبنى إدارى مؤجر للشركات، وفيلتان فى زامبيا مؤجرتان للغير، وفيلا فى كينيا مؤجرة للغير، وشقتان فى الكونغو كينشاسا ملك الشركة مؤجرة للغير، ومخزن فى أبيدجيان، ومخازن فى بانجى بإفريقيا الوسطى مؤجرة للغير. وتقوم الشركة باستثمارات خارجية تتمثل فى استثمارات فى الفروع الخارجية للشركة وتقدر بحوالى 42 مليون جنيه عبارة عن 11 مليونًا قيمة رءوس أموال الفروع الخارجية، وعمارة أبيدجان التى تقدر بنحو 25 مليون جنيه، وعمارة النيجر المقدرة بنحو 6 ملايين جنيه طبقًا لميزانية 2009/2010. وللشركة أيضًا مكاتب داخلية فى كثير من المحافظات مثل الإسكندرية وبورسعيد والسويس وداراو وأبوسمبل ودمياط الجديدة، بالإضافة إلى مخازن بالقاهرة والسويس ومخزنين بدمياط وبورسعيد و5 مخازن بالإسكندرية. والمؤسف أن يصل الحال بالشركة إلى أن يطلب رجال الأعمال والمصدرون استغلال فروعها كمخازن لبضائعهم فى الدول المختلفة، خاصة أنها لا تحقق أرباحًا كبيرة بالمقارنة بأرباح القطاع الخاص، الذى يتعامل مع دول إفريقيا. إن أحد رجال الأعمال المتعاملين بانتظام مع السوق الكينية يؤكد ل«البوابة» أن رجال أعمال شباب استطاعوا بإمكانيات محدودة عمل تعاقدات بأضعاف ما حققته شركة النصر فى كينيا خلال العام الماضى بسبب الاهتمام بالمواصفات وتكثيف الاتصالات بالعملاء الكينيين، وهو ما يفتقده موظفو شركة النصر فى ظل لوائح بيروقراطية متعددة.