بائعو السعف: أحد الشعانين موسم من العام للعام والرزق على الله    برلماني: انضمام مصر لصندوق تنمية الصادرات بأفريقيا يعزز جهود توطين الصناعة    انخفاض أسعار الأسماك 30% في بورسعيد.. بشرى سارة من الغرفة التجارية بعد المقاطعة    الرئيس السوري يؤكد ضرورة تعزيز التضامن العربي لتحقيق الاستقرار بالمنطقة    باحث بالشؤون الأمريكية: تأثير احتجاجات الحركة الطلابية لن يكون بالمستوى المتوقع    جانتس يهدد بإسقاط حكومة نتنياهو حال منع وزراء فيها صفقة مع حماس    أونروا تستهجن حصول الفرد من النازحين الفلسطينيين بغزة على لتر من الماء يوميا    وزير خارجية الأردن: على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات فاعلة تفرض حل الدولتين    وزيرالدفاع الإسرائيلي: ملتزمون بالقضاء على «حماس» وتحرير الأسرى    نص أقوال محمد الشيبي خلال التحقيق معه في قضية حسين الشحات    تحقق أول توقعات عبير فؤاد لمباراة الزمالك ودريمز الغاني    إصابة 11 شخصا إثر حادث تصادم سيارتين في بني سويف    غدا.. الجنايات تستكمل محاكمة متهم بقتل آخر عمدًا بالحوامدية    تحذيرات عاجلة لهذه الفئات من طقس الساعات المقبلة.. تجنبوا الخروج من المنزل    فوز رواية قناع بلون السماء للكاتب الفلسطيني باسم خندقي بجائزة البوكر للرواية العربية    ثقافة الإسكندرية تقدم التجربة النوعية «كاسبر» على مسرح الأنفوشي    أمين الفتوى: 3 أمور تمنع الحصول على الورث (فيديو)    وزير الصحة يشهد فعاليات الاحتفال بمرور عامين على إطلاق «معًا لبر الأمان» للكشف المبكر وعلاج سرطان الكبد    «الصحة» تفتتح فعاليات ورشة عمل حول «وضع أطر مؤسسية لمشاركة القطاع الخاص في الرعاية الصحية»    أغنيتين عراقيتين.. تفاصيل أحدث ألبومات أصالة    بروتوكول بين إدارة البحوث بالقوات المسلحة و«التعليم العالي»    مذكرة لرئيس الوزراء لوقف «المهازل الدرامية» التي تحاك ضد المُعلمين    التشكيل الرسمي للمقاولون العرب وسموحة في مباراة الليلة    حزب الوفد: نرفض أي عدوان إسرائيلي على رفح الفلسطينية    أرخص 40 جنيها عن السوق.. صرف الرنجة على بطاقة التموين بسعر مخفض    التشكيل الرسمي ل مباراة نابولي ضد روما في الدوري الإيطالي    أغلى 5 فساتين ارتدتها فنانات على الشاشة.. إطلالة ياسمين عبد العزيز تخطت 125 ألف جنيه    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد مستوى الخدمات المقدمة للمرضى بمستشفى أبوكبير    إنجاز جديد.. الجودو المصري يفرض سيطرته على أفريقيا    رضا حجازي: زيادة الإقبال على مدارس التعليم الفني بمجاميع أكبر من العام    نشرة في دقيقة | الرئيس السيسي يتوسط صورة تذكارية عقب افتتاحه مركز الحوسبة السحابية الحكومية    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    الإعدام لعامل قتل شابا من ذوي الاحتياجات الخاصة بواسطة كمبروسر هواء    وزير بريطاني يقدر 450 ألف ضحية روسية في صراع أوكرانيا    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    مساعد وزير الصحة: انخفاض نسب اكتشاف الحالات المتأخرة بسرطان الكبد إلى 14%    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    تأجيل محاكمة المتهمين في عملية استبدال أحد أحراز قضية    بصلي بالفاتحة وقل هو الله أحد فهل تقبل صلاتي؟..الإفتاء ترد    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 18886وظيفة معلم مساعد بوزارة التربية والتعليم    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    الليلة .. سامى مغاورى مع لميس الحديدى للحديث عن آخر أعماله الفنية فى رمضان    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    أجمل دعاء للوالدين بطول العمر والصحة والعافية    قرار جديد من القضاء بشأن 11 متهماً في واقعة "طالبة العريش" نيرة صلاح    جدول امتحانات التيرم الثاني 2024 لصفوف النقل والشهادة الإعدادية (القاهرة)    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    ضبط 4.5 طن فسيخ وملوحة مجهولة المصدر بالقليوبية    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    حسام البدري: أنا أفضل من موسيماني وفايلر.. وكيروش فشل مع مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذئاب السينما.. وحملانها
نشر في البوابة يوم 01 - 02 - 2016

هل هو صلاح نظمى بالروب الديشامبر الشيك والفودين الأشيبين على غرار أدهم صبري؟ هل هو رشدى أباظة محطم القلوب الذى يستولى على قلب امرأة تلو الأخرى ثم يترك المرأة سيئة السمعة المغرية بينما يعود للفتاة البريئة المسكينة بعد أن يكون قد شبع من نزواته؟ ومن هى المرأة الذئبة؟ شفاعات فى «شباب امرأة» أم هدى سلطان فى «امرأة على الطريق» أم شادية فى «الطريق» أم فيرجينيا جميلة الجميلات فى «الناصر صلاح الدين»؟ من هو الرجل الذئب فى السينما المصرية؟
فى اللغة، لا تُعد المرأة ذئبة، بينما يوصف الرجل الشرس أو الدونجوان بالذئب. ربما يكون هذا بسبب ذكورية اللغة نفسها، أو ذكورية الوجدان الجمعى العربى والتى لا ترى فى المرأة ما يؤهلها لتكون فى شراسة الذئبة، بينما لا ترى فى الرجل مواطن الضعف التى قد تضعه أحيانًا موضع الحمل.
عودة للذئبات الجميلات، كيف كان مصيرهن؟ القتل فى معظم الأحيان، الموت فى حادثة، وأوقات أخرى القبض عليها من قبل البوليس بينما تتم تبرئة حبيبها. الخلاصة، المرأة الذئبة تلقى جزاءً وعقابًا لتصبح عبرة لمن لا يعتبر، بينما الرجل الذئب يمنح فرصة واثنتين فى كثير من الأحيان.
ماذا عن الضحايا؟
فلنحاول إيضاح الصورة:
عرض فيلم الكوميديا الاجتماعية «أنا وبناتى» للمخرج حسين حلمى المهندس عام 1961 واستقبل بنجاح جماهيرى هائل، خاصة أنه تضمن أربع أغانٍ بصوت فايزة أحمد الرخيم والتى ما زالت أكثرها شهرة «بيت العز يا بيتنا» تعتبر من علامات الثقافة الشعبية المصرية Pop Culture.
فى الفيلم، تقوم ناهد شريف بدور الابنة الصغرى الرومانسية الدلوعة مايسة، كاراكتر تقليدى بحت تم استنساخه فى أكثر من فيلم مصرى فى الخمسينيات والستينيات، الفتاة الجميلة البريئة الساذجة، التى تتيه فخرًا بجمالها، وتراه سلاحها الوحيد فى الإيقاع بالعريس - جل أمنيات الفتاة المصرية فى السينما قبل الموجة النسوية المصرية الثانية والتى تزامنت مع ثورة 52 - وغالبًا ما يوقعها حظها العاثر فى شاب مستهتر، يغرر بها وتنقلب حياتها جحيمًا.
المصيبة ليست فى هذا السيناريو المحفوظ، لكن المصيبة فى مسار الأحداث بعد أن نصل لذروة الصراع والتى على أساسها تفقد مايسة عذريتها على يد الشاب الثرى المستهتر سمير - يقوم بدوره صلاح ذو الفقار - والذى يغرر بها ويستغل براءتها بطريقة منحطة ودنيئة، موهمًا إياها بأنه يريد الزواج منها ويحبها، وهكذا يكون برهان الحب، بالجنس. رجل ذئب صوره الفيلم على أنه شاب لطيف وظريف، بينما الفتاة الظريفة البريئة والتى نبعت سذاجتها من تربية أبيها المنغلقة وتواضع حالتها المادية، ما هى فى نظر الفيلم إلا خاطئة، ويتم التعامل معها على هذا الأساس.
أولاً: تنكسر روحها وتنتهى حياتها، وكأن ما حدث من خطأ جريمتها هى بمفردها، وليس من الممكن حتى وإن ندمت أن تكفر عما فعلت.
ثانياً: على الرغم من الموقف الإيجابى الذى يصور به الفيلم أخواتها فى مؤازرتهن لها واعترافهن بدور الأب وانغلاقه فى سقوطها، إلا أن ما حدث قد حدث، ولا يجد الفيلم اعترافها بخطئها كافيًا كى يعود إليها حبيبها مثلًا، نادمًا على فعلته، بل تهرب مايسة من البيت، كونها شعرت بأنها هى التى دنسته وعليها دفع الثمن، وتقرر امتهان الدعارة - فهى أصبحت دنسة لا تستحق أن تعمل بأى مهنة شريفة - وفى النهاية تموت فيغفر لها أبوها، فقد طهرت خطيئتها بموتها وتضحيتها بروحها فى سبيل أن تنال الغفران.
ماذا عن سمير الذئب اللطيف الوسيم؟ يتلقى خبر وفاة حبيبته بصدمة تليق بالروب دى شامبر الذى يرتديه - والذى يبدو أنه ماركة مسجلة لأى دونجوان وغد فى السينما المصرية - ويتجه بعدها لتصحيح خطئه بأن يتقدم لأختها العذراء الطاهرة التى تفوقها ذكاءً وعلماً! فأمثاله من البلاى بويز يستحقون تقاعدًا محترمًا يليق بالأسرة المحترمة التى ينتوون تكوينها على جثث ضحاياهم من الفتيات الساقطات، مايسة وأمثالها. توافق الأخت التى تحلم بأن تكون كاتبة على الزواج ممن دمر حياة أختها، وبالتالى يظهر الفيلم مصير الفتيات اللاتى انحرفن عن الطريق المستقيم، الموت. بينما الفتيات المحترمات هن اللاتى يحظين بالرجال الوسيمين فى النهاية، ولا تفكر حتى واحدة منهن فى الماضى القذر المتعلق برجل مثل هذا قضى حياته فى التغرير بالفتيات الصغيرات واستغلال فقرهن.
ربما يكون هذا هو الموقف الذى تتبناه السينما عامة من الذئاب البشريين. ربما تعامل السينما المرأة القناصة وضحاياها من الرجال السذج الأبرياء بنفس الشكل. يموت الرجل حسرة على شرفه الذى اقتنصته امرأة قادرة ذباحة، تستغل جمالها وغوايتها فى الشر، وتشعر المرأة بخطئها فتطلب منه المغفرة فيغفر لها ويغادر الجميع سعداء ومتبنين مبدأ «الله بيقبل التوبة» بل ربما يموت المغدور به وتجدها المرأة الغادرة فرصة للزواج بأخيه الواعى الأفضل منه كنوع من التكفير عن ذنبها.
أجمل من أن يكون حقيقيًا أليس كذلك؟
لنأخذ مثالًا فيلم «صراع فى النيل»، وهو أحد أروع ما قدمت السينما المصرية من حيث التصوير الخارجى خاصة فى النيل. فى هذا الفيلم - إنتاج عام 1959 وإخراج عاطف سالم - محاولة للالتفاف حول الصراع الأزلى بين رجلين وامرأة. لكن، بالتدقيق، يبدو أنه استعراض امرأة واحدة One woman show - تقوم بدورها أيقونة الإغراء هند رستم فى واحد من أفضل أدوارها - لما يمكن أن تقوم به من غزوات. إنها قناصة ماهرة، تصوب جسدها - بندقيتها - نحو الأهداف التى تريد الإيقاع بها وهى واثقة تمام الثقة من قدرتها على الفوز فى النهاية. رجال، أموال، لا يهم، كلها عند نرجس الغازية (وليست الغازيّة) سواء. هى امرأة طموحة جدًا ومغوية جدًا، femme fatale كما يقول الكتاب، ودخولها حياة محسب ومجاهد لم يكن إلا جزءًا من خطتها لضمهما إلى ضحاياها، من قتلى وأسرى. حتى حبها لمجاهد والذى كان حقيقيًا مثلما كان توحشها واستهانتها بمشاعر محسب، إلا أنه أيضًا كان يصب فى مصلحتها ويقع ضمن خططها فى ضمان مستقبل يحقق لها الثراء الذى تنشده.
كيف ينتهى الفيلم؟ تُقتل المرأة الشريرة، يعود الرجلان المغرر به والواعى - قطبا الصراع على قلب امرأة أدارته هى بدقة - كما كانا أخوين ورفيقين، ويعود المغرر به لحبيبته الفلاحة البلهاء، وكأن ما حدث نزوة عابرة لا تستأهل أن يقف معها الفيلم كثيرًا. بمقارنة الضحية الفتاة بالضحية الفتى، نجد أن أى فيلم يتوقف مع الفتاة بعد أن اكتشفت أنها غرر بها طويلًا، ويضعها فى سلسلة من الامتحانات والمحن التى نادرًا ما تخرج منها سالمة. أما الفتى المغرر به، فيتخلص من الموقف بنفس السهولة التى يتخلص فيها الوغد من الموقف فى حالة الضحية الفتاة. الرجل يخرج منتصرًا فى جميع الأحوال بينما تخرج المرأة مهزومة فى كل الأحوال.
فلنأخذ مثالًا آخر. فيلم «حافية على جسر الذهب» إنتاج 1976 وإخراج عاطف سالم، الفيلم الذى يحكى قصة رومانسية درامية محملة بالمشاعر، عن الفراشة الجميلة كاميليا - ميرفت أمين - التى ندهتها نداهة السينما فاحترقت بنارها وأخذت فى طريقها كل ما حاولت تحقيقه، سواء الحب أو الشهرة أو حياة حرة مستقلة بعيدة عن والدتها المنحلة مدمنة القمار. فى نهاية الفيلم، تقرر كاميليا أن تصنع قدرها بيديها، تقرر القضاء على عزيز - أحد أشهر ذئاب السينما البشرية، عادل أدهم - بقتله بعد أن تضمن خروجًا آمنًا لحبيبها الذكورى العنيف - والذى يبرر عنفه وقسوته فى التعامل معها إما بالغيرة أو بالحب أو بالجرح - أحمد سالم. تنجح فى قتله، لكنها لا تجد لحياتها معنى، فكأنما عزيز هو الصانع، وهى المصنوعة، نتاج هوسه وجنونه بها، وبفنائه لا تجد تلك المرأة المصنوعة معنى لحياتها التى وجدت على الأرض مطفأ لشهواته، وشهوات غيره.
على صعيد آخر، يبدو مصير إمام فى فيلم «شباب امرأة» إنتاج عام 1956 شديد التفاؤل. صحيح أنه غرر به على يد المرأة الذئبة الأكثر شراسة على مدار تاريخ السينما المصرية شفاعات - والتى تؤدى دورها باقتدار تحية كاريوكا - إلا أنه فى النهاية يفوز بكل شيء، احترام حبيبته السابقة وغفران والدها، عفو والدته ووالده ورضا المجتمع. إنه «بريء كان هيضيع». لو كان إمام فتاة، ترى هل كان حبيبها ليعود إليها بعد موت الشرير الذى غرر بها؟ هل كان والداها يغفران لها، ويحتضنها والد حبيبها كما فعل الجميع مع إمام؟
لنعد لفيلم «شباب امرأة»، يمكننا أن نلمح فى مشهد تهجم شفاعات على إمام وهى تنوى طرده ملمحًا من التعبير الدينى «ولقد همّت به وهمّ بها». ليس من المستبعد أن نلمح تأثر صلاح أبو سيف الشديد بقصة النبى يوسف فى القرآن، خاصة فى مشاهد غواية شفاعات (امرأة العزيز) لإمام (يوسف)، كون الكثير من العناصر مترابطة بين هذا وذاك. فشفاعات اشتعلت مشاعرها شبقًا بإمام، وهى تكبره سنًا، وخبرة بالحياة، ولا ينكر أحد أنها امرأة نارية، شرسة وجميلة ومثيرة، بينما هو ساذج غر، يجمع ما بين الشباب والفتوة، جسده فائر بينما مشاعره بريئة طازجة مثلها مثل القرية المنعزلة التى أتى منها نازحًا للعاصمة بكل ما فيها من قسوة وخبث وإيقاع سريع لا يرحم أحدًا.
غواية شفاعات لإمام قد نلمح فيها أطياف من غواية نرجس لمحسب فى فيلم «صراع فى النيل» ولكن بصورة أكثر عمقًا على المستويين النفسى والفنى. فتعلق إمام بشفاعات يمكن أيضًا إلقاء الضوء عليه بصورة نفسية أوديبية. ليس الأمر مجرد نزوة عابرة، ولحظة شبق اندفع فيها الاثنان بكامل حواسهما دون تفكير فى العواقب، لكن شفاعات مثلت لإمام طوق النجاة من قسوة العاصمة، جسدها أصبح وطنه الجديد، وأنوثتها هى إسقاط على مركبات النقص عنده من صورة أمه المنكسرة الباهتة، والتى لا تمثل فى ذهنه سوى الحنان والطيبة، بينما ماما شفاعات هى الحب والقسوة والشراسة والتنمر والحنان فى آن واحد.
شخصية بتعقيد شفاعات، كانت تستأهل فى رأيى نهاية أفضل من التى حصلت عليها. علاقة بمثل هذا التعقيد تمت شيطنتها لتصبح كالعادة مجرد تابلوه رقيق يعظ المشاهدين من «شرور المرأة وكيدها». بدلًا من العمق الفلسفى والنفسى الذى كان ممكن تأويل علاقة شفاعات وإمام عليه، صور الأمر على أن شفاعات الشريرة أغوت إمام الغر المسكين وأضاعت حياته، بينما كان من الممكن العبث بتيمة الشبق والشهوة اللذين يذهبان بمن يعبثان بهما للهلاك مثلما فى فيلم In the Realm of Senses للمخرج اليابانى العظيم Nagisa Oshima، لكن الفوقية والاستعلائية على المشاهد تحتم على صناع الفيلم كتابة منشور سطحى وركيك فى بدايته، مفاده أن الفيلم رسالة لكل أب يرسل ابنه للعالم الخارجى ليتقيا شرور الدنيا ومفاتنها. وليس غريبًا أن تموت شفاعات فى نهاية الفيلم، فالشيطانة يجب أن تموت ويعود الإنسان (إمام) لربه باكيًا طالبًا المغفرة.
ماذا عن المغفرة التى تطلبها فتاة كل جريمتها أنها كانت جميلة مثيرة معتدة بنفسها؟ فى فيلم «الثلاثة يحبونها» إنتاج عام 1965، نرى سعاد حسنى فى دور إيمان، كتلة من الطاقة الأنثوية الجميلة المتفجرة، لا تفعل شيئًا سوى أنها امرأة متحررة ترتدى ملابس تلائم عصرها وتتصرف ببساطة وتلقائية قد تبدو أحيانًا مبالغًا فيها، لكن هذه أيضًا من سمات أفلام هذا العصر.
بداية، يظهر الفيلم مجتمع النادى بسطحيته وعشقه للنميمة والقيل والقال، خاصة الفئة العمرية التى تدعى المحافظة على التقاليد والأخلاق من رجال ونساء فى منتصف وأراذل العمر. ثم يستعرض الفيلم أسلوب حياة إيمان الذى ربما يثير الاستهجان والاستنكار وقتها مع التأكيد على أنها «محافظة على شرفها». أى أن إيمان فتاة محترمة بالمقاييس المجتمعية لكنها فقط لا تتفق والشكليات التى ترغم عليها المرأة حتى تنال الرضا والقبول المجتمعى.
ربما هى سعاد حسنى بطلتها الجميلة، أو أن الناس لا يرون فيما تفعل شيئًا مشينًا ذلك الذى يدفع صناع الفيلم - المخرج محمود ذو الفقار والسيناريست أمين يوسف غراب - إلى إظهار الآثار الجانبية لتحرر إيمان الرقيق وغير المبتذل. يتحرش بها نصف ذكور الفيلم، ويصور هذا على أنه نتاج لتصرفات إيمان المتحررة، على الرغم من أن صديقتها تذهب معها للسهر والرقص والمرح، فلماذا يتحرش الرجال بإيمان فقط ويتركون ليلى؟ هل لأن إيمان أكثر جمالًا أو إثارة؟ وما حيلتها فى ذلك؟ هل يعطى هذا مبررًا لمديرها فى العمل وزميلها فى العمل أن يتحرشا بها، بل تصل الوقاحة بمديرها أن يغتصبها وينهار فقط عندما يكتشف أنها «بنت بنوت». هل لو لم تكن عذراء لاختلف الأمر؟ ربما أسكت هذا الذئب ضميره كونه اعتدى على بضاعة مستعملة وليست «فرز ثانى».
كالعادة تتجلى ثقافة لوم الضحية عندما ترى إيمان نفسها غير جديرة بالحبيب المثالى الممل عادل، الأديب الذى لا يفتح فمه سوى ليلقى موعظة أو يعطيها درسًا فى الأخلاق. لا يعطيها الفيلم حتى فرصة أن تتركه فى صمت وترحل عن حياته، كونها ترى نفسها غير جديرة به، بل تدمر نفسها تدميرًا شاملًا وتظهر نفسها المومس التى يتعامل معها المجتمع كذلك بأن تهجره ليلة زفافهما وتتظاهر بخيانته مع الزميل الذى حاول التحرش بها مسبقًا، والذى كانت هى وجميع صديقاتها يحتقرنه ويتعاملن معه بصورة دونية، فالآن لم تعد إيمان جديرة سوى بالأقل، وُصِمت بعلامة إكس كبيرة، وصديقتها التى تتوارى دومًا فى الظل، والتى لم يخدرها ذئب حقير ويغتصبها دون مقاومة، هى الفتاة الجيدة التى تستحق مكافأة نهاية الفيلم، عادل الأديب المستقيم. يتزوجان وترقبهما إيمان من بعيد بعد أن ارتدت الحجاب، وتتجه بعدها مع الزميل المتحرش صوب المجهول، ربما لتعتزل الحياة كليًا أو لتحترف الدعارة، المهنة الوحيدة التى تليق بالفتيات المغرر بهن أو المغتصبات فى السينما المصرية.
ماذا عن الذئب؟ المدير - يؤدى دوره يوسف شعبان ويبدو عليه الاستذئاب بصورة مبالغ فيها كالعادة - الذى اغتصب مرءوسته بخسة ووضاعة واستغل تواجدهما بمفردهما وخدرها حتى لا تقاومه، أى أنه خطط لجريمة مكتملة الأركان. هل يعاقبه الفيلم مثلما عاقب إيمان؟ ربما لو اعتبرنا استقالته من العمل واحتساءه زجاجة تلو الأخرى من البيرة لأمكن اعتبار هذا عقاب كيوت cute يليق بعذاب ضميره.
وتتوالى الأمثلة، ربما يمكننا مناقشتها فى دراسة أخرى، وربما لا تتسع لذكرها مجلدات. لكن المؤكد أن مشاهدة ذئب أو ذئبة يخطط أو تخطط للإيقاع بالفريسة هو أمر شديد الإمتاع، خاصة إذا كان من خلال عدسة مخرج يجيد التحكم بحواسنا، ويثير فى نفوسنا غريزة التلصص الكامنة والتى أيقظتها شفاعات بينما تراقب إمام يغير ملابسه من خلال ثقب الباب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.