منذ ثورة 30 يونيو، وبعد الدور الذي لعبته القوات المسلحة، يوجد في مصر الآن معسكرًا يعتبر نفسه ينتمي إلى المؤسسة العسكرية، لدرجة أنه ينفذ أوامر بدون تفكير، ومعسكر آخر يعادي المعسكر الأول، ويخوِّن حتى كل من يقترب منه، والأخير يبحث عن تحقيق مصالحه الشخصية، والسياسية، والاقتصادية فقط، وغالبًا ما تجدهم متفرقين . وبما أن لكل معادلة حل واحد صحيح، فلابد من ظهور تيار جديد يرفع شعار وحدة المجتمع، ويعيد النظر إلى الأشياء والأشخاص، ويحلل المواقف وفقًا لمعيارين فقط هما: “,”الوطنية، والمواطنة “,”. لقد مرت مصر - خلال الستة عقود الأخيرة - بعدة تحولات جذرية في تركيبة الدولة ذاتها. بدأت في عهد الدولة القوية في الستينات، حيث شهدت مصر نقلة نوعية في عهد الزعيم جمال عبد الناصر، من دولة تحت الاستعمار، إلى دولة حرة مستقلة، استطاعت أن تقوم ببناء جيش وطني قوي، واقتصاد وطني يقوم بدعم الدولة الوطنية، التي تستند لقاعدة جماهيرية عريضة. ثم بدأ الانحدار شيئا فشيء . فبعد انتصار أكتوبر، وانتكاسة «كامب ديفيد» بدأ عهد “,”الدولة الرخوة“,”، ابتداءً من فقدان استقلالية القرار السياسي والاقتصادي المصري، لأن 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا!- وانتهاءً بخروج الجماهير من المشهد السياسي، وخلق طبقة من رجال الأعمال تحتكر الثروة وتدور في فلك السلطة . و أخيرا جاءت مرحلة “,”الدولة الضعيفة“,” في عهد مبارك، حيث العجز والشلل التام في جميع مهام الدولة الوظيفية، وتقزَّم دور مصر عربيَا ودوليَا وساءت الأحوال الاقتصادية، وتم تشويه وضرب الهوية الحضارية للدولة . ثم من مرحلة الدولة “,”الضعيفة“,” إلى مرحلة “,”اللا دولة“,”.. فهناك صورة ديكورية للدولة، ولكن لا يوجد ديناميكية الحركة بين مؤسساتها، نتيجة لعدم وجود مشروع واضح للدولة، مدعوم بإرادة شعبية وقيادة موحدة . هذه المرحلة بدأت مع ثورة 25 يناير، واستمرت خلال فترة حكم الإخوان، حتى جاءت ثورة 30 يونيو، والتي كانت من أهم أهدافها خلق “,”دولة القانون، ودولة المؤسسات“,” بدلًا من دولة سيادة الرئيس، وهذا كله يتطلب ضرورة استدعاء جميع عناصر الأمة في المرحلة القادمة بدون إقصاء لأحد، وبدون تفرقة أو انحياز، لكي يؤدي الجميع دوره في بناء الدولة الوطنية، وأول خطواتنا هو بلورة مشروع سياسي للدولة، يتمثل في أهداف الثورة في تحقيق استقلال القرار السياسي والاقتصادي المصري، وبناء مجتمع الحرية والعدل الاجتماعي، إضافة إلى القصاص للشهداء، ومحاكمة كل من أفسد وارتكب جرائم في حق الشعب . ومع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة، وانتهاء الفترة الانتقالية الحالية، يكثر الحديث حول طبيعة الرئيس القادم. فهناك من يطرح اسم المناضل حمدين صباحي، باعتباره مرشحًا للثورة، وهناك من يطرح خالد علي، باعتباره الأقرب إلى جيل الثورة، ولكن تحديد طبيعة الرئيس القادم يتوقف على نوع المرحلة القادمة، لأنه قد يكون الجميع يصلح، وبالفعل هناك العديد من الكفاءات، ولكن من هو رجل المرحلة؟ . المرحلة القادمة هي مرحلة إعادة بناء الدولة الوطنية، بما يواكب روح العصر. وهذه الدولة التي نريدها هي دولة قانون ومؤسسات، ولهذا فالرئيس القادم يجب أن يكون رئيسًا عابرًا ل“,”الأيدلوجيا“,”. بحيث يتجاوز كل التصنيفات الفكرية، والتنظيمية، والسياسية. رئيسًا يجتمع عليه كل المصريون، وتتوافق عليه مؤسسات الدولة، وهذا لن يتحقق الا في حالتين: إما أن يكون رئيسًا له خلفية قضائية، أو له خلفية عسكرية . فكما كان من أهم أسباب ثورة يونيو هو خروج الشعب لمقاومة مشروع الأخونة، فإن أي مرشح يحمل “,”أيدلوجيا“,” معينة، أو ينتمي إلى تنظيم سياسي بعينه في هذه المرحلة، يجعلنا نتعرض لنفس المشكلة، حيث يتفرغ الشعب في تقويم وتحجيم فصيل سياسي بعينه، بدلًا من المشاركة في مسيرة البناء، ولهذا فإن هذه المرحلة تتطلب شخصًا أكبر من التصنيفات السياسية، ويستمد شرعيته من خلال انتمائه إلى أكبر مؤسستين في الدولة، سواء “,”القضاء“,” أو “,”المؤسسة العسكرية“,”. ما يسهل عملية توافق كل مؤسسات الدولة عليه، ولأن كل شعب يحكمه من يستحق، ويعكس كل ما فيه من عناصر ضعف وقوة، فإن الشعب المصري الذي صنع ثورة 25 يناير، ببعدها الاجتماعي، وثورة 30 يونيو ببعدها الوطني، قادر على أن يختار رئيسًا لمصر مناسبًا لهذه المرحلة، وداخل إطار الوطنية المصرية .