لكي ترسم يجب أن تكون مجنونا، فأنا أؤمن بأني أعظم رسامي عصري، أو على الأصح، إنهم أسوأ مني على أي حال".. إنها مقولة مشهورة للرسام الأسباني سلفادور دالي، الذي تحل اليوم ذكرى وفاته 23 يناير 1989. ولد سلفادور فيليبي خاثنتو دالي 11 مايو 1904، في مقاطعة كاتالونيا، ويعتبر الأكثر شهرة في بلاده بعد مواطنه بابلو بيكاسو. ويرى النقاد والمؤرخون أنه رسام السريالية بامتياز، ويطلق بعض النقاد على السريالية التي تطغى عليها الهلوسة الفنية "الداليّة"، لكنه في ختام حياته اتخذ في فنه اتجاها أقرب إلى الصوفية الكاثوليكية. واشتغل سلفادور دالي في السينما فأجاد في الإخراج وصمم العديد من الديكورات والأزياء للأفلام السينمائية والمسرحيات، واشتغل في تصميم الجواهر والملصقات الفنية والأثاث. كان دالي يحث دائمًا عن الجديد والمبتكر، عن عالمه الخاص، وعن مصادر إلهام جديدة، وعندما يرسم السريالية يرسم رموز الأحلام ليحرر نفسه من رقابة وقمع المجتمع ومن هيمنة العقل. لقد أخضع دالي القيم التشكيلية لغاية جديدة بعد تأثره بفكر الفيلسوف الألماني نيتشه" انا أكتب وأعيش وأعبر عن سحري، السحر الذي ينبع مني حين أرى شيئا، وأصور شيئا آخر. دالي سعى لتحرير المخيلة من روابط العقل والاصطلاح، واستخدم تقنية خاصة بهيكلية قائمة على الايهامات منبثقة لا عن الإدراك البصري بل عن سمات التخيل. فهو يقول" الرسم الحقيقي يبدأ مع اكتشاف الطرق الكلاسيكية لمزج الألوان والزيوت، وأنا أحب في الكلاسيكيين الإحساس بالموت والاهتمام بالجنس، ولا يهمني طريقتهم في الرسم. نسج دالي من خياله أحلامه الوردية، وعزل أفكاره عن الوجود، ليستنبط من خياله قصصه وعلمه السحري. رسم "دالي" القوارب الشراعية والمنازل عندما كان شابًا، وقدم أول معرض في سن الرابعة عشرة في مسرح بلدية فيغيراس، بعدها بعامين انتقل إلى مدريد للدراسة في أكاديمية الفنون الجميلة. لم يكون جادا في الدراسة، وتميز بغرابة اطواره من حيث ملابسه الغريبة التي كان يلبسها وشعره الطويل وفي عام قبل تخرجه بوقت قصير طرد بسبب المشاكل التي سببها مع المدرسين. في العشرينيات ذهب دالي إلى باريس حيث تفاعل مع العديد من الرسامين مثل بيكاسو، رينيه ماغريت، خوان ميرو، كما أنه انخرط في العديد من حركات منها الكلاسيكية، التكعيبية، الدادائية، لكن في نهاية المطاف أصبح مهتمًا بشكل كبير في السريالية، وأصبح أحد من أبرز الفنانين في الحركة السريالية. زوجته: جالا" فتاة روسية تدعى "إيلينا ديماكونوفا، ارتبطت حياة دالي بحياة جالا في عام 1929 وكانت تكبره بأكثر من عشر سنوات، وظهر تأثيرها الواضح عليه وعلى أعماله الفنية، لأنها كانت حريصة على منع تخيلاته المتطرفة في الحياة والفن من أن تصبح حالة مرضية، وهذا الحرص الدائم كان سببًا في الجاذبية المتصاعدة والمستمرة بينهما إلى درجة أن دالي كان يوقع على بعض لوحاته باسمه واسم جالا معًا. وكان يكرر فكرته عن ارتباط اسم جالا بالعبقرية، حين يقول: " إن كل رسام جيد يريد أن يكون مبدعًا وينجز لوحات رائعة، عليه أولًا أن يتزوج زوجتي ". وتحولت "جالا" مع الوقت إلى مديرة علاقاته العامة والمسئولة عن تسويق "منتجات دالي"، وبدوره فقد كان دالي يتعلّم كيفية استغلال فضائحه واستفزازاته في مشاريع تجارية مربحة. متحفه: في مسقط رأسه وبعد أن أصبح شهيرًا وثريًا قرر دالي أن ينشئ متحفًا خاصًا به وبأعماله، المتحف عبارة عن قصر قديم يقع في القسم القديم من المدينة ويتألف من عدة طوابق تطل شرفاتها على حديقة داخلية. وفي الحديقة ووسط الأشجار هناك نافورات ماء غريبة الأشكال. واحدة من النافورات عبارة عن سيارة قديمة في وسط الحديقة مكتوب عليها عبارة: "اضغط هنا" فإذا وقع المرء في الفخ الذي نصبه له دالي وضغط على الزر الصغير فسوف يندفع الماء ليغسل وجهه، وهذه واحدة من مداعبات دالي لزوار متحفه. في الطابق الأول جمع دالي بعض لوحاته الكبيرة، وبالداخل عالم حافل بالجمال والغرابة وبكل ما هو غير متوقع، إنه عالم دالي لوحات تمثل جالا المرأة التي شاركت دالي حياته، لوحات طبيعة صامتة، ورسوم أخرى. كتبه: في عام 1964، أصدر سلفادور دالي كتابًا بعنوان "يوميات عبقري" في باريس، وهو مأخوذ من دفتر يوميات يغطّي المرحلة الممتدة من عام 1953 إلى عام 1963 من حياته. ويُشكّل الكتاب تكملة لسيرته الذاتية التي صدرت بعنوان "حياة سلفادور دالي السرّية". نتعرف في هذا الكتاب الذي يحتوي على 300 صفحة، على أفكار دالي وشواغله كفنانٍ وظروف لقاءاته مع أبرز شخصيات عصره ومواقفه الجمالية والأخلاقية والفلسفية والبيولوجية وسنتعرف في يوميات "دالي" على حبه اللامحدود لزوجته جالا التي يعتبرها المحرك الأساسي له، والتي لولاها لما ظهرت عبقريته ولما استمرت. عنها يقول في المقدمة: "هذا كتاب فريد، هو أول كتاب يكتبه عبقري، كان حظه الفريد أن يتزوج من "جالا" المرأة الأسطورية الفريدة في عصرنا". وحينما بدأ يرسم لوحته الشهيرة "صعود العذراء" التي يمثل فيها السيدة العذراء وهي ترتفع إلى السماء، اختار وجه "جالا" ليكون وجه العذراء. جنون دالي" ظل محتفظًا بشاربه الكبير حتى مماته، يقول:"لن يكون شاربي محبطًا مأساويًا مرهقًا كالضباب، سيكون شاربي خطاُ رفيعًا، امبرياليًا، لا معقولًا مشيرًا للسماء. كان يقتني حيوان آكل النمل لبغضه الشديد النمل، وكان يتنزه به لهدف تغذيته والخلاص منهم، وعشق "دالي" للذباب لا يوجد ما يبرره، فقد قال ذات مرة: يعجبني الذباب ولا أكون سعيدًا إلا حين أكون عاريًا في الشمس والذباب يغطيني، وفي موقف آخر يفاجأ بالصحفيين يحيطون به ويتذكر أنه كان قد وعد بتقديم تصميم جديد لزجاجة عطر، وأعد مؤتمرًا صحفيًا لذلك، وبعد أن تسلم الشيك من صانع العطور، وسأله الصحفيون عن التصميم الجديد، فوجئ بأنه نسي كل شيء عنه، فاتّبع أول ما ورد على ذهنه لينجو من هذا الموقف، تناول لمبة فلاش محترقة من أحد الصحفيين ورفعها قائلًا: إن هذا هو تصميمه الجديد، وأطلق عليه اسم "فلاش"، وهتف الصحفيون وهللوا ومعهم صانع العطور" لوحاته: رسم دالي لوحة شهيرة بعنوان "ثبات الذاكرة" "1931"، يظهر فيها عدد من الساعات التي تشير إلى الوقت، وهي تبدو مرتخية وفي حالة مائعة، وتعرف اللوحة أيضًا باسم الساعات اللينة، الساعات المتساقطة، والساعات الذائبة. وفيها موقف نسبي من الوقت والزمن فيما يشبه نظرية "إينشتاين".