يواصل الشباب فى العالم العربى والإسلامى حالة التحدى التى بدأت قبيل الثورات التى اجتاحت المنطقة التى حاولوا أن يعبروا فيها عن أنفسهم بأشكال كبيرة، كانت فى مقدمتها معارضة الأنظمة الحاكمة لبلادهم، فضلا عن المحاولة لكسر التابوهات والمحرمات التى طالما أحاطت بهم فى مجتمعاتهم المنغلقة، لكن اللافت للنظر هو اختراق حاجز أكبر فيما يخص نقش اسم «الله» أو أسماء النبى صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو على بن أبى طالب للشيعة أو رسوم السيدة العذراء والمسيح للمسيحيين، أو نقوش تخص الديانة اليهودية، مما جعل مجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية تتساءل حول ما إذا كانت الظاهرة نوعا من إظهار الإيمان والتشبث بديانة أو طائفة أم تحد لأوجه الممنوعات فى بلادهم؟!. وكانت كتابة اسم «الله» على مناطق فى الجسم عرفته الكثير من الحضارات والديانات، خصوصا المنبوذين والطبقات الدنيا، وحتى الآن استمر ذلك الهاجس، وربما فى عقول الشباب فى جميع أنحاء العالم، لكن التساؤل هل يعد نقش الرموز الدينية نوعا من أنواع التدين والإيمان أم هو يمثل تحديا واستخفافا بالرموز الدينية أو تقليدا لمشاهير العالم؟ وكانت قد نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» تقريرا حول المغنية المصرية الشابة دنيا مسعود التى كانت من ضمن الذين أثاروا فكرة انتشار الوشم الدينى، وقد لاقت هجوما كبيرا حول وشم على ضهرها كتب عليه «خصومة مع الله فى قلبى» بعد ظهور صورة فى الصحف لها وتم اتهامها بالإلحاد، وأثار أيضا الوشم الذى ظهر على اليد اليمنى لمرافق زعيم حزب الله حسن نصر الله، خلال محاولته سحب نصر الله من المنصة واستعجاله العودة إلى مخبئه، وكان مكتوبا عليه «ذو الفقار»، وهو الاسم الذى يطلقه الشيعة على السيف الذى كان يستخدمه الإمام على بن أبى طالب، والذى يميزونه عن غيره من السيوف بأن له رأسا متشعبا إلى رأسين. وبحسب المجلة الأمريكية فقد انتشرت معدلات رسم الوشم الدينى فى دول الشرق الأوسط خصوصا فى مصر ولبنان وإسرائيل وغيرها، خصوصا بلفظ الجلالة «الله»، ويتهافت الشباب للحصول عليه جنبا إلى جنب مع كبار السن الذين ينقشون ألفاظا مثل «بسم الله» على وجوههم على مدى عقود، أو الصليب، والتى تعد ضمن ثقافة المشاهير وتقليدهم، مثل «ريهانا»، فالجميع يريد حبات المسبحة مع الصليب. ورأى التقرير أن الشباب يعبرون عن اختلافاتهم الطائفية والسياسية بالوشم أو انتمائهم الدينى أو حتى كيفية تحولهم من الشيوعية فيما بعد إلى مرحلة أكثر راديكالية وفوضوية، والكثير ممن يوشمون أجسادهم برموز دينية لا يتحدثون أو يبررون وجهة نظرهم، بذريعة أن هذا شأن خاص، وأن التحقيق يهدف إلى انتقاد ما يقومون به. وبحسب مقابلات قامت بها المجلة مع أصحاب مراكز الوشم فى جميع أنحاء العالم، أكدوا انتشار وتهافت الشباب على الوشوم ذات الصبغة الدينية، فالبعض يأتى من أجل وشم صليب أو صور المسيح ومريم العذراء أو لفظ الجلالة الله أو فى الشرق الأوسط يوشمون أسماء صحابة الرسول وأئمة الشيعة، الأمر الذى يجعله طبيعيا فى أن يعبروا عما يؤمنون به حتى إن بعضهم يوشم جسده بصور تعدها الدولة رموزا لعبادة الشيطان خصوصا فى المجتمعات العربية. وربما يسعى بعض الشباب من خلال وشم أجسادهم برموز دينية بإقامة بعض الممارسات التى يرى أنها جزء من الحفاظ على الشخصية والهوية، لأن كل جماعة دينية فى العالم يمكنها أن تعبر عن نفسها بطريقتها. ولكن هناك من يرى فى جميع الديانات سواء السماوية أو غيرها أن الوشم حرام، لأنه يشوه ما خلق الله، رغم أنه تم ممارسته فى العديد من الشعوب والحضارات بداية من المصريين القدماء والرومان والإغريق والصينيين واليابانيين والهنود وغيرهم، وكان فى أول الأمر بهدف تجميل الجسد، والتعريف بالهوية أو الوضع الاجتماعى، وبعد ذلك أصبح لإظهار مقاييس دينية، أو اكتساب عضوية فى مجموعة خاصة سواء سياسية أو دينية. حيث إن هناك العديد من الطوائف الدينية تحرض على الوشم كنوع من أنواع الهوية ووضع نقوش مثل الصليب، الهلال، أو نجمة داوود مرسومة بشكل خاص فى ثقافة الوشم، فعلى سبيل المثال جرت العادة بين أوساط اليهود وشم أنفسهم برموز يهودية تعبيرا عن انتمائهم الاجتماعى والدينى. ووفقا للتقرير الأمريكى فإن ظاهرة الوشم الدينى كانت قد توغلت وانتشرت بين من يلقبون أنفسهم بالمؤمنين خصوصا فى الولاياتالمتحدة، وذلك بعد زيادة نسبة الملحدين واللادينيين فيها، ولذلك نرى أن هناك من يوشم جسده بآيات وصور من الإنجيل، وذلك لإظهار إيمانه ومعتقداته، وقد أصبحت تجارة الوشم فى المرتبة السادسة ضمن أهم الأعمال التجارية المعروفة والرابحة فى العالم. وقد أصبحت كلمة «تاتو» فى المرتبة الرابعة فى قائمة البحث عبر الإنترنت، بينما يأتى الإنجيل فى المرتبة الثّامنة عشرة، وحوالى 31٪ من الأشخاص الموشومين هم من الشباب الذى يحاول تمييز هويته الدينية أو الجنسية، وحوالى ربع سكان الولاياتالمتحدة لديهم وشوم بشكل لافت، وهم فى ازدياد مستمر، لدرجة أن نحو 38٪ من المراهقين فى الأعمار ما بين 18 إلى 25 يقومون بعمليات الوشم، بحسب دراسة أجرتها شبكة «ناشيونال جيوجرافيك» الدولية. والمعارضون للوشم الدينى، من بينهم الكنيسة الكاثوليكية التى أصدرت قرارا دينيا بمنع الوشم فى العام 787 بعد الميلاد، ولكن من المعروف أن كافة الملوك الأنجلوسكسونيين اعتادوا على التزين بكتابات الوشم. وفى الإسلام أيضا، يعد التزين بالوشم خطيئة رغم أنه لا يوجد منع واضح فى آيات القرآن لإفساد الجسم بواسطة الوشم، بل حسب الأحاديث النبوية فإن كل من يفسد جسده بواسطة الوشم يكون ملعونا، وأن الله يلعن الواشمات والمستوشمات، ولأنه لم يتم ذكر سبب منع وشم الجسم فى الإسلام، والآن هناك محللون إسلاميون يقولون إن السبب يعود إلى التغيير الذى يطرأ على الجسم، فى خلق الله لجسم الإنسان، ورغم ذلك فالكثير من المسلمين قاموا بشكل جماعى بأن يقرروا وشم نفسهم، وذلك بحسب تقرير نشرته شبكة «العربية»، لدرجة أن هناك صناعة سرية للوشم فى المملكة العربية السعودية، خصوصا أثناء التحقيق مع النساء والرجال على حد سواء، فقد قالوا إنهم معتادون على القدوم إلى صانعى الوشم، طالبين رسم صور وأشكال مختلفة على أجسادهم، وذلك خلافا للمجتمعات الأوروبية أو الآسيوية.