يشهد معبد الأقصر مساء اليوم التقاء اقدم حضارتين على وجه الارض وهما الحضارة المصرية (3200 – 343 ق م)، والحضارة الصينية التي تعود لأكثر من ( 2200 عام ق م ) حيث يطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره الصينى "شين جى بينج"، إشارة البدء لانطلاق فعاليات العام الثقافى المصري الصينى 2016 وذلك تزامنا مع مرور 60 عاما من العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ويأتى اختيار مدينة الأقصر، لتستضيف الحفل الفنى الضخم الذي يقام لهذه المناسبة ويشارك فيه أكثر من 500 فنان من مصر والصين، باعتبارها من أهم المدن التاريخية في مصر وكانت تعرف باسم مدينة طيبة، والتي يرجع تاريخها إلى أوائل عصر الدولة القديمة في الفترة من ( 2686 إلى 2181 قبل الميلاد ) وربما إلى ما قبل ذلك، والأقصر تعني "القلاع" وهو اسم مستمد من الأعمدة الضخمة التي لا تزال قائمة حتى الآن. قام بتشييد معبد الأقصر، الذي يقع على الضفة الشرقية لنهر النيل بالأقصر، الملك أمنحتب الثالث عام 1450 ق.م في عصر الأسرة الثامنة عشرة والتاسعة عشرة، ليكون معبدا لثالوث مدينة طيبة ( آمون رع وزوجته موت وابنهما خونسو )، ويبلغ حاليا طول معبد الأقصر نحو 9ر255 م، وعرضه 4ر 54 م. ويعد معبد الأقصر من أشهرالآثار التي تم تشييدها في عصور الدولة الوسطى، وبناه الملك أمنحتب الثالث لعبادة الإله " آمون رع "، بهدف تأكيد نسبه للإله آمون، حيث كانت التقاليد الفرعونية القديمة تحث على أن يتولى حكم مصر أحد أبناء فرعون سابق، أو على الأقل أن يتزوج من إبنة فرعون سبق له حكم مصر، ولكن لم ينطبق على أمنحتب الثالث أي من الشرطين، ولذلك فقد أشار عليه رجاله وأتباعه بإنشاء معبد ضخم لتمجيد وعبادة الإله آمون رع، سعيا لتأكيد نسبه إليه حتى يتسنى له حكم مصر، وهو ما حدث بالفعل وتمكن امنحتب الثالث من حكم مصر. شارك في بناء هذا المعبد، الذي يعرف باسم "إيبت رسيت" وتعني الحرم الجنوبي أو المكان الخاص بآمون رع، 6 ملوك هم ( امنحتب الثالث، رمسيس الثانى، توت عنخ آمون، الملكة حتشبسوت، تحتمس الثالث، ورمسيس الثالث )، ويتميز معبد الأقصر بحفاظه وتسجيله للأحداث التاريخية، حيث يمكن مشاهدة وصف معركة قادش وروايات تصف أحداث الاحتفال بالعام الجديد، والقصة التي تروي كيف حملت زوجة أمنحوتب الثالث من أحد الآلهة وغير ذلك من القصص التي تروى عن بطولات الفرعون المنقوشة على أعمدة المعابد ومسلاتها وجدرانها. وتأتى مشاركة الملك رمسيس الثانى في بناء معبد الأقصر من خلال اضافته لفناء مفتوح وصرح لاقامة الاحتفالات الدينية، كما قام ببناء مسلتين كبيرتين، والتي حملت نقوشا تصور منجزاته، وحملاته العسكرية ضد الحيثيين خاصة معركة قادش العظيمة، والتي قام بها من أجل تأمين حدود بلاده، كما قام ببناء تماثيل ضخمة له بالمعبد بحيث تقف بين صفوف الأعمدة، في إشارة إلى وجود نظام وقانون ذو أعمدة ودعائم، يتم تطبيقة على الكبير والصغير دون أي تفرقة. فيما قام الملك توت عنخ آمون بإنشاء جداريات تصور جهوده الحثيثة التي قام بها من أجل توحيد المصريين القدماء على عبادة إله واحد وهو الإله ( آمون رع )، وجعل نفسه الإبن البار والأوحد لآمون، داعيا إلى فكرة أن رضاه وكسب وده تكون من خلال تمجيد أبيه الإله ( أمون رع ) الإله الأوحد لكل المصريين، وقامت الملكة حتشبسوت ومن بعدها الملك تحتمس الثالث بإنشاء المقصورة الثلاثية، لكنها تهدمت لاحقا، ليقوم الملك رمسيس الثالث بإعادة بناؤها وزخرفتها، لتتجلى فيها مرحلة مهمة من مراحل تطور فن العمارة في العصور الوسطى، خاصة في شكل البهو والأعمدة، والذي يأخذ لأول مرة شكلا يشبه زهرة نبات البردى، وزهرة اللوتس الشهيرة. ويتكون مدخل معبد الأقصر من مسلتين إحداهما مازالت قائمة منقوشا عليها انتصارات الملك رمسيس الثاني، بينما الثانية موجودة في العاصمة الفرنسية باريس، فيما يحيط الجوانب الاربعة لفناء رمسيس الثاني صفين من الأعمدة على هيئة نبات البردي لتشكل تيجانها براعم مغلقة، لينتهي صف الأعمدة من الناحية الشمالية الغربية بالمقاصير الثلاثة التي شيدها الملك "تحتمس الثالث"، وتزخرف النقوش الفرعونية جدران فناء رمسيس الثانى بصور تمثل تقديم الملوك القرابين للإله آمون ومن خلفهم الثيران التي تذبح لتقدم. ويضم المعبد عددا من تماثيل الملك رمسيس الثاني، منها تمثال له وهو جالس على الباب الجانبي للفناء، وتمثال لرمسيس الثاني وتمثالا صغيرا لزوجته نفرتاري وهما جالسان لتنقش على قاعدتهما صور لرمسيس الثاني أثناء غزوه للبلاد، ويتكون بهو الاعمدة من صفين من الأعمدة على شكل مستطيل، يصل ارتفاع كل عمود منهم إلى 18 مترا. ويوجد في الجانب الغربي من المعبد فناء الملك أمنحتب الثالث، وهو فناء مكشوف يحتوي على 64 عمودا تحيطه من ثلاثة اتجاهات، لتأخذ الأعمدة شكل سيقان نبات البردي وأعلاها تيجان براعم النبات، وبالنسبة لقاعة الأعمدة الكبري بالمعبد فقد بنيت بحيث تدخل فيها الشمس من الناحية الشمالية، ليسقط شعاعها على الجدران المنقوش عليها صور متعددة أهمها صور "إله النيل" وهو يحمل قربانا. وخلف قاعة الأعمدة الكبري يوجد العديد من الحجرات التي تعد شواهد على العصور التي توالت بعد العصر الفرعوني، منها المقاصير المقدسة الخاصة بالعصرين الروماني والإغريقي، وحجرة الولادة والتي سميت بهذا نسبة للنقوش المحفورة على جدرانها لتبين ذلك، وغيرها من الحجرات الخلفية والمخصصة لأغراض دينية، ومنها المذبح المسيحي والنقوش اللاتينية الموجودة في نفس القاعة والموجودة من عهد الإمبراطور "قسطنطين".